شبكة ذي قار
عـاجـل










لا أعتقد أن هناك بالغاً، عاقلاً، يمتلك ذرة من الإنسانية، قد مر مرور الكرام على صور الشهداء من أطفال سوريا ونسائها وشبابها؛ وذنبهم أنهم استنشقوا هواء "غوطة دمشق" (التي كانت محط أنظار زوار سوريا) الذي أشبعته تلك الحرب المجنونة بالسم الزؤام. هؤلاء الشهداء الذين يضافون اليوم إلى عشرات الآلاف الأخرى ممن سقط سابقاً، بمثل هذا الأسلوب أو بغيره من الوسائل والأساليب القتالية المحرمة دولياً.


بعيداً عن المزايدات السياسية، وبشئ من الحيادية التي تفتقر لها وسائل الإعلام المنقسمة إلى قسمين؛ لا حيادية بينهما، هناك مجموعة من الظواهر الخطيرة، لا بد من الإشارة إليها، والتي تنزلق بسوريا، بعيداً نحو المجهول، منها:


أولاً: إن ما يجري على أرض سوريا هي حرب لا أخلاقية، بكل المعايير والمقاييس؛ العسكرية والمدنية. فغالبية المتصارعين لم يعودوا ينضبطون لخلق أو لمبدأ، وأما المبرر لذلك، فهو ببساطة: أي سلوك لا أخلاقي تقوم به أي جماعة سوف تتنصل منه باتهام الأطراف المضادة.


ويعود ذلك إلى تشابك الخنادق بين المتقاتلين، وتداخل الجغرافيا، والتبادل المتكرر للسيطرة على المناطق... الخ، مما أطلق العنان لمن يمتلك السلاح و / أو أدوات القتل من الحاقدين والمعتوهين والموتورين، أفراد و/أو جماعات، لكي يوغلوا في دماء السوريين، ويعبثوا في كرامة أبناء سوريا العزل، ويعيثون فساداً في حضارتها وتاريخها؛ لكي تتيه بوصلة مستقبل سوريا.


ثانياً: لم يعد خافياً أن اللاعبين الدوليين؛ المتحكمين بخيوط اللعبة السياسية والعسكرية والأمنية، والقابضين على الزناد هناك، ليسوا أكثر أخلاقاً من اللاعبين المذكورين في "أولاً"، بل أنهم يفتشون عن "إبرة مصالحهم" وسط أكوام سوريا ودمارها، على رؤوس أبنائها، ولا يهمهم كم من السوريين سيموت؛ قتلاً أو تسمماً، أو جوعاً، أو عطشاً، أو من الحر، أو من البرد... الخ.


وكل لاعبٍ من أولئك يسعى إلى إطالة أمد الحرب؛ حتى يعثر على "إبرته" التي "يحيك" بها خارطة سوريا وفق أهوائه. ولكي لا تتيه البوصلة؛ فلنتفق على أن هؤلاء اللاعبين، يتمثل في معسكرين رئيسيين، هما:


الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا ومن يدور في فلكهم السياسي والعسكري؛ الذين يدعمون ما يطلق عليه "الثورة السورية!!"، التي بدأت بالمناداة بالحرية والتحرر من ظلم النظام وطغيانه، وها هي تصبح أداة "طيعة" لجعل سوريا مستباحة لمعسكر الداعمين؛ بالمال و/أو السلاح.


روسيا وإيران، وما تمتلكان من أوراق في المنطقة؛ يسعون للحصول على حصة "دسمة" في الكعكة الجغرافية والديموغرافية لسوريا المستقبل، من خلال دعمهم للنظام الذي أدار ظهر المجن لشعبه المطالب "سلمياً" بالحرية.


ثالثاً: أما الحالة الوسط بين الحالتين السابقتين؛ فهي تتعلق بمن يتصيدون الفرص لاقتناص إفرازات هذه الحرب، التي أخذت تفقد بوصلتها، مثل: 1) أولئك الذين يسعون للحصول على بقعة جغرافية يقيمون عليها إمارتهم قد وجدوها في سوريا؛ فأقاموا الحد على الأطفال، وأكلوا أكباد خصومهم، ويشكلون خطراً على أهل البلاد الأصليين. 2) أولئك الذين يسعون لإقامة كيانات جديدة تقوم على أسس قومية، أو عرقية، أو طائفية... الخ، فوجدوا فرصتهم في سوريا الممزقة-المتصارعة جغرافياً وديموغرافياً.


والحالة هذه؛ ونظراً لإيماننا المطلق بأن الخير موجود في هذه الأمة، ونظراً لأن التاريخ، البعيد والقريب، قد أثبت أنه، في كل المراحل، يوجد في هذه الأمة من يقبض على مبادئه كالقابض على الجمر؛ فإننا نتوجه إلى الثوار الحقيقيين من أبناء سوريا، وممن يقف خلفهم من أبناء الأمة، أن يعيدوا التمحور، والفرز؛ بأن يبرئوا أنفسهم مما يجري على أرض سوريا، وأن يتوجهوا، بقوة واقتدار، وبسلاحهم "النظيف"؛ غير المرتبط بأي قوى استعمارية، من أجل حماية أبناء سوريا، ووحدة أراضيها، وحضارتها التي هي ملك الأمة قاطبة، بل الإنسانية جمعاء.


ونتوجه إلى شعب سوريا الأبي، بخاصة الأمهات السوريات اللواتي افتقدن الأمن والأمان، وافتقدن الولد والزوج والأخ والجار، أن يصبروا ويرابطوا إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.



aziz.alassa@yahoo.com

 

 

 





السبت ١٧ شــوال ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أب / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عزيز العصا نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة