شبكة ذي قار
عـاجـل










مثلت مراحل بدأ وتطور الأزمة السورية واستخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق ، نوعا من اختبار القوة بين الولايات المتحدة وروسيا ، وكشفت أخر تصريحات أوباما بهذا الشأن عن جزء مما جرى الاتفاق عليه بين الدولتين العظميين لجهة كيفية التعامل مع الأزمة وصولا لجعلها مفتاح اتفاقات مقبلة ، ليس بشأن سوريا فقط وإنما سحبها نحو نقاط ساخنة عالقة أخرى في منطقة المشرق العربي تحديدا من خلال مزاوجة ممارسة الدبلوماسية والتهديد باستخدام القوة معا ، وهذا ما عبر عنه أوباما بتصريحه الأخير : ( أن الجهود الدبلوماسية الخاصة بسوريا والمدعومة بالتهديد العسكري قد تكون نموذجا للتفاوض بشأن طموحات إيران النووية ) في الوقت الذي فتح فيه الباب للتعاطي مع الملف الإيراني بعد حسم وضع سوريا بالقول : ( أن المخاوف الأميركية من الطموحات النووية الإيرانية تمثل لنا قضية أكبر بكثير من الأسلحة الكيماوية السورية ) مضيفا عبارة مقصودة موجهة ضمنا للقيادة الإيراني ( هناك أمكانية لحل هذه القضية دبلوماسيا ) أعقبها تبادل رسائل مباشرة بينه وبين حسن روحاني الرئيس الإيراني قبيل انعقاد الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة ، وعلى ما يبدو أن روسيا والولايات المتحدة بصدد توجه مشترك على غرار الصفقة مع سوريا للتعاطي مع الملف الإيراني ..


يتابع الراصد السياسي تطورات الموقف الأميركي الأخير من زاوية اقترابه ولأول مرة بهذا الشكل منذ انتهاء الحرب الباردة من روسيا في صياغة توجه مشترك جسد عمليا اعتراف الولايات المتحدة بالدور الروسي الذي فرض نفسه مستغلا الأزمة السورية منهيا بذلك الانفراد الأميركي في الساحة الدولية ، وهو تطور يمثل فاتحة لعودة القطبية الثنائية بعد أن خسرت أميركا الكثير من سمعتها وهيبتها الدولية جراء حربها العدوانية على العراق وأفغانستان وتجاهلها لحسابات القوة ومتغيراتها على صعيد العالم ، وهو الأمر الذي سبب بشكل رئيسي في تراجع الدور الانفرادي الأميركي الذي أتسم بالعدوانية الصريحة والتهور منذ بداية ولاية بوش الابن .


رد الفعل الإقليمي والعربي


1 ــ  فور إعلان موافقة النظام السوري على المبادرة الروسية بشأن سلاحها الكيماوي ، وقبولها الأميركي ، جاء أول رد فعل من طهران على لسان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بقوله : ( في هذا العام .. سنرى انفراجة في قضية الملف النووي ، ونتوقع أننا خلال الأشهر القادمة سنشهد بداية مخرج لهذه القضية ) جاء تصريحه هذا على خلفية تصريح خامنئي الذي قال : ( ضرورة انتهاج الدبلوماسية المرنة مع الحفاظ على المبادئ في هذه القضية ) وعلى نفس النغمة ، سبق للرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني بالدعوة إلى : ( التواصل البناء مع العالم وأتباع سياسات أكثر اعتدالا بالداخل والخارج ) ..


أمام كل هذا فمن المتوقع أن تستأنف المفاوضات الغربية ـ الإيرانية بشأن ملفها النووي مع احتمالية مرجحة أن تمارس روسيا دورا محوريا باتجاه دفع القيادة الإيرانية لاتخاذ موقف يتقارب والنموذج الذي مارسته مع شريكها الأميركي بشأن ألأسلحة السورية ، وهي قضية تهم الطرفين الأميركي والروسي ، تجسيدا لدورهما العالمي في قيادة العالم ، وهو ما عبر عنه الرئيس الروسي بوتين بصراحة بالقول : ( هناك تهديد أمني للنظام الدولي يأتي من دول قلقة مثل سوريا ) مما يفسر أيضا ما جاء في الاتفاق الروسي ـ الأميركي من ألزام سوريا بتدمير الأسلحة الكيماوية على وجه السرعة بطريقة صارمة، وإلا سوف يعمل الطرفان على دفع مجلس الأمن لأتخاذ قرارات تصعيديه طبقا لدرجة التزام الجانب السوري بتنفيذ القرارات.


يبدو أن القيادة السورية أدركت أن الحليف الروسي الذي تعامل مع سوريا باعتبارها ساحة مواجهة مع الغرب ، وصولا لاستعادة دوره العالمي، أن للدعم الروسي حدود وسقوف لا يمكن تجاهلها في أطار لعبة تفاهمات القوى الكبرى ، ومن هنا فأن النظام في سوريا أصبح أمام واقع فرض نفسه بقوة تمثل بالاختيار بين خيارين لا ثالث لهما ، أما تدمير الأسلحة الكيماوية أو حتمية زوال النظام بواسطة التدخل العسكري الغربي ، فكان الخيار الأخير هو الذي فاز بالرهان ، رغم ما يترتب عليه من انكشاف عسكري كامل أمام رجحان كفة الميزان الاستراتيجي للعدو الصهيوني وترسانته من أسلحة التدمير الشامل .


2 ـ الوضع في العراق


بعد تزايد أوجه السيطرة الإيرانية الفعلية على العراق ، باعتباره المدخل لفرض سياستها الإقليمية على المنطقة ، فمن المرجح أن تكون المساومة على ملفها النووي في المباحثات المقبلة مع القوى الكبرى ، تستحضر تعزيز دورها المتزايد في العراق ، والمساومة على قبول دولي لواقع نفوذها فيه والإقرار بهذا النفوذ مقابل ربما تنازلات في ملفها النووي ، وهي مخاطرة مربحة لإيران ، أن تحققت ، كون العراق يشكل أهم النجاحات التي حققتها في ترجمة شعارها ( تصدير الثورة ) وفرض النموذج الإيراني سلوكا في السياسة والمجتمع ، وهو ما يعادل أو يزيد على ما تخسره تكتيكيا في موضوع الملف النووي ،وهذا ما يفسر سلوك حكومة المالكي ، التابعة حرفيا للتوجهات الإيرانية ، بتصعيد حملة التطهير المذهبي التي تمارسها بقسوة حول محيط بغداد وصولا إلى حالة سمتها بعض أقطاب حكومة المالكي حرفيا ( بالحالة النظيفة ) في تعبير واضح على منهجية التطهير التي طالب مجتمعات ريفية بأسرها في محيط العاصمة بغداد ، بهذا المعنى فأن ما يتحقق لإيران من كسب على صعيد المتغيرات الدولية والإقليمية سوف يجد صداه على الساحة العراقية .


3 ـ على الصعيد العربي


أمام التطورات والتفاعلات الدولية والإقليمية الخطيرة تجاه قضايا المنطقة ، ما يزال الوضع العربي في حالة سيولة سياسية لجهة غياب القرار السياسي المطلوب لمواجهة التحديات المصيرية التي لا تستثني دولة عربية ، فهي جميعا تحت طائلة الاستهداف المباشر ، وهي حالة عجز ساهمت فيها عوامل عديدة ، في المقدمة منها غياب الإرادة الجماعية ، وزيادة شدة التبعية للقرار الخارجي ، وتواطؤ جامعة الدول العربية وتحولها إلى صدى للرهانات الخارجية حتى وأن كانت بالضد من المصلحة العربية ، فالقرار العربي غائب تماما عن التفاعلات السياسية الجارية رغم خطورة انعكاسات نتائج هذه التفاعلات على الكيان القومي للأمة ، ونتيجة معادلة التبعية والتواطؤ وللامبالاة والعجز عن ممارسة الدور ، غابت تماما عن أذهان صناع القرار في الدول العربية ، ضرورات ومتطلبات الأمن الجماعي العربي ، باعتبار إن ما يحدث في هذا الجزء أو ذاك لابد له من انعكاسات أكيدة، سلبية أو إيجابية ،على الأجزاء الأخرى ، فالاستمرار بتجاهل الخطر المحدق بالعراق سوف يرتب نتائج خطيرة على باقي الدول العربية وبالأخص منها دول الجوار العربي .
 

 

 





السبت ٢٣ ذو القعــدة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الراصد السياسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة