شبكة ذي قار
عـاجـل










عرفت المعاهدة التي فرضتها أمريكا على العراق، في الأوساط السياسية والإعلامية بـ ( الاتفاقية الأمنية ) باسم أهم بنودها، إلا أن الواقع هو أنها كانت اتفاقية عامة شملت كافة مناحي الحياة، فإن من يطالع بنودها يجد أنها لا تقتصر على الجانب الأمني والعسكري وحسب، وإنما تتعداه إلى الجوانب الأخرى، فهي تضم أقساما عدة، تكبل البلد لعقود وقرون من الزمن، وهذه الأقسام هي :


القسم الأول - التعاون السياسي والدبلوماسي: ولا اعتراض على لفظة ( تعاون ) الواردة في الاتفاقية؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان بلا ريب، لكن ما يصدق عليها أكثر هو ( التبعية السياسية والدبلوماسية ) ، وهذا البند يشير إلى الحقائق الآتية:


أ ) إلغاء وزارة الخارجية والسفارات والقنصليات العراقية عمليا، وان بقيت فهي اسم بلا مسمى، كما قال الشاعر قديما في حالة مماثلة، أو قريبة:


مما يزهدني في ارض أندلس *** سماع معتضد فيها ومعتمد

أسماء مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد


ب ) لن تكون لعراق المستقبل –كما هو الحال في عراق الحاضر المر- كلمة ولا قرار في الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والمحافل الدولية إلا وفق النص الحرفي المعد سلفا في واشنطن.


ج ) قبول أمريكا عضوا فعليا في الأسرة العربية والإسلامية واللقاءات والمؤتمرات ذات الصلة، ولكن بوجوه يفترض أنها عراقية، وظيفتها الوحيدة هي إذاعة أو نقل الإملاءات والشروط الأمريكية المجحفة بحق الأمة إلى قادتها؛ ولهذا نقول لهم كما قال الأول:


إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم !!


ثانيا- التعاون الدفاعي والأمني: وهو يعني أشياء كثيرة منها هذه الثلاثة:


أ ) دخول العراق مع أمريكا فيما تسميها: (الحرب العالمية على الإرهاب) بعبارة أخرى كأن المدعو نوري المالكي قد قال لأسياده، أصالة عن نفسه، ونيابة عن وزارته، ومجلس نوابها: (نحن حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم) وقد أمر الله –تعالى- بالكون مع الصادقين في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } .


ب ) الاعتداء على الدول والإفراد والجماعات، من خلال شن أمريكا الحملات العسكرية، وتوجيه الضربات الجوية والصاروخية لمن شاءت، تحت ذرائع شتى، وزج أحرار العراق والأمة في السجون والمعتقلات، والتهم جاهزة، والقيام على المدى البعيد بدور شرطي المنطقة من خلال إطلاق يدها فيها، وتوفير الغطاء لها.


ج ) ضمان عدم قيام جيش عراقي حقيقي مثل ذلك الجيش الذي قهر الصهاينة في حروب الأمة معها، واستطاع أن يخلق حالة توازن مع أعداءها على اختلاف مللهم ونحلهم.


ثالثا- التعاون الثقافي: ومعناه فتح أبواب العراق للغزو الفكري، بعد أن اثبت العراق انه حصن حصين وسدّ منيع في وجهه، وتحقيق ذلك يكون بوسائل كثيرة منها:


أ ) التدخل في مناهج التربية والتعليم، وإدخال الأجيال الجديدة تدريجيا في حركة التغريب.


ب ) السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيهها.

 

ج ) تمزيق نسيج المجتمع العراقي واللحمة الواحدة له من خلال بث الأفكار الهدامة والمسمومة، والسعي لتغيير نمط معيشته، وعاداته وتقاليده وموروثه الحضاري.

رابعا- التعاون في مجالي الاقتصاد والطاقة: وهو يعني فيما يعنيه:


أ ) سرقة أمريكا للعراق جهارا نهارا، ونهب ما تحت أرضه وفوقها من خيرات حسان.


ب ) فرض التخلف الاقتصادي على العراق، بحيث يكون صناعيا وتجاريا قاصرا وعالة على غيره، وربطه بالنظام الرأسمالي الذي يعيش أزمات مزمنة، و ليس منا ببعيد تأثر اقتصادات دول معروفة في المنطقة بالأزمة الاقتصادية العالمية، إلى حد هدد رعاياها في رغيف الخبز والدواء.


ج ) محاولة ربط الدينار العراقي بالدولار الأمريكي على التأبيد.


خامسا- التعاون الصحي والبيئي: إننا نقرأ بين سطور الاتفاقية تحت هذا البند ما يأتي:


أ ) تصدير مشاكل الأمومة والطفولة من أمريكا إلى العراق، ومنها ظاهرة الأمهات غير الشرعيات والأطفال غير الشرعيين – كما يسمونهم هناك – والإجهاض، والايدز، وجنون البقر وغيرها.


ب ) التخفيف والتقليل من آثار الخطر البيئي على أمريكا، و ربما تأتي شركات على غرار الشركات الأمنية لدفن النفايات النووية في أرضنا، وقد أذاعت وكالات الأنباء العالمية أن فيضانات تسوماني التي ضربت السواحل الآسيوية قد نقلت كميات كبيرة من النفايات النووية والكيميائية المدفونة في السواحل الصومالية (رصاص، زرنيخ، فسفور، وغيرها) والتي طمرت بعد التدخل العسكري الأمريكي في الصومال، وأدت إلى انتشار أمراض خطيرة لم تكن معروفة من قبل.


ج ) عجز العراق عن تطهير بيئته، وتحصين الأمهات والأجنة والأطفال من العناصر المشعة مثل (اليورانيوم) التي ألقاها المحتل في حروبه على العراق فأهلكت الحرث والنسل؛ وذلك أن كل شيء بيد المحتل الذي لا تعنيه بيئة العراق، ولا مستقبل أبناءه، أما عملاؤه فهم مشغولون دائما في التنافس على الفتات الذي يلقيه لهم.


سادسا- التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: وهو امتداد للغزو الفكري وحركة التغريب -كما مر بنا قبل قليل- وإحدى أدواتها الأساسية والمهمة، ومعول هدم في يدها لتقويض كيان العراق، وإنهاء وجوده.


سابعا- التعاون في مجال القانون والقضاء: وهو يعني تكرار تجربة كوانتانامو وفضائح أبي غريب، وهي لا تساوي قطرة في بحر الجرائم التي ارتكبها الاحتلال ووكلاؤه، حيث خلت أحياء ومدن بأكملها من أهلها، وتغيرت التركيبة السكانية لها تحت عباءة القانون والقضاء، وما خفي كان أعظم.


وخلاصة قراءتنا للاتفاقية هي أنها ترمي إلى ربط العراق بعجلة الاستعمار الجديد، ولذلك فلا خيار أمام شعبه المؤمن الواعي الأبي إلا الجهاد لتحقيق التحرر السياسي والدبلوماسي، والعسكري والأمني، والثقافي، و كذلك التحرر في مجالات الاقتصاد والطاقة و الصحة والبيئة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وإنفاذ القانون والقضاء، وكل شؤون الحياة، فإلى المقاومة أيها الشعب العراقي بكافة مكوناته، فقد أسفر الصبح لذي عينين.

 





الاربعاء ٨ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. ثامر براك الأنصاري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة