شبكة ذي قار
عـاجـل











الأحداث المتسارعة في العراق، أعادت شد الأنظار إليه، باعتباره ساحة ملتهبة يشتد الصراع فيه وعليه نظراً لأهمية موقعه ودوره في خارطتي الوطن العربي والإقليم.


وإذا كان الذي حصل في الموصل ومعها كل نواحي محافظة نينوى وتخومها نحو كركوك، ومداها الجغرافي نحو صلاح الدين والأنبار قد فاجأ كثيرين، إلا أنه ليس مفاجئاً، لمن يعرف حقيقة الواقع السياسي في العراق بعد الاحتلال الأميركي، ومن ثم الانسحاب ولمن يعرف طبيعة الشعب العراقي وعمق تجذره الوطني وانتمائه القومي. وعدم المفاجأة مما حصل ناجم أن كون العراق الذي تحرر من الاحتلال الأميركي لم يتحرر، لمجرد أن أميركا ومن معها أبدوا رغبة طوعية بالانسحاب من العراق، بل تحرر بفعل المقاومة التي شكلت حقيقة سياسية لا يمكن لأحد أن يقفز فوق دورها وتأثيرها. وأنه من بديهيات الأمور، ان المقاومة التي طرحت مشروعاً متكاملاً للتحرير وإعادة التوحيد، انطلاقاً من كونها هي البديل السياسي الذي يتقدم لملء الفراغ السياسي والأمني الناجم عن انسحاب القوات المحتلة.


أما أن هذا الأمر لم يحصل، لأن المحتل الأميركي المباشر، أقام "حلفاً" غير مقدس مع النظام الإيراني، مفسحاً المجال له لملء الفراغ السياسي والأمني الناجم عن الانسحاب الأميركي، كرد جميل أميركي للموقف الإيراني من الحرب على العراق، عدواناً أولاً وحصاراً وعدواناً ثانياً واحتلالاً، فإن التسلم والتسليم من المحتل الأميركي الظاهر إلى المحتل الإيراني من الباطن، أبقى المنظومة الأمنية السياسية التي كانت تدير البلاد في إشراف الاحتلال الأميركي، في مواقعها، وباتت تشكل واجهة أمنية وسياسية للمحتل من الباطن، الذي وجد الظروف مؤاتية لتنفيذ روزنامة أهدافه السياسية في العراق والتي تتلخص بالتالي:


1- إعادة تركيب الأجهزة الأمنية والعسكرية تحت الإشراف الإيراني، واستحداث تشكيلات عسكرية ترتبط بمركز التوجيه الإيراني المباشر (قوات سوات).


2- فرض اتفاقات سياسية وأمنية وتربوية تجعل من العراق إقليم حكم ذاتي في فضاء الدولة الإيرانية.


3- منح الجنسية العراقية لملايين الإيرانيين، عبر التلاعب بسجلات الأحوال المدنية بغية تغيير التركيب السكاني للعراق.


4- توظيف ساحة العراق، كساحة خلفية، تنفذ إيران من خلالها للتخلص من نظام العقوبات الذي أثقل اقتصادها سواء من جهة الاستيلاء على آبار النفط المتاخمة للحدود، أو عبر تصدير النفط الإيراني عبر الموانئ العراقية.


5- توظيف ساحة العراق وإمكاناته، كساحة أمامية تعبر إيران من خلالها إلى العمق العربي، في الخليج العربي ومنطقة المشرق العربي، بعد الانخراط المباشر في الصراع المتفجر في سوريا وغيره من الأقطار العربية وبالتالي أصبح العراق، حاجة إيرانية لصراعها الذي تخوضه خارج حدودها.


هذه الأهداف لا يمكن لإيران تحقيقها إلا إذا كان العراق ضعيف البنية ومفتقراً لأدنى مقومات الدولة. ولهذا فإن الأسلوب الذي كانت تدير فيه أميركا شؤون العراق، استمر بعد انسحابها وبرعاية إيرانية، ومعها استمرت البلاد تدار بعقل ميليشاوي على الصعد السياسة والأمنية والاقتصادية. ومن تتحكم به العقلية الميليشاوية لا يمكن أن يقيم دولة، وعلى هذا الأساس، فإن الإدارة الميليشاوية التي كانت قائمة إبان الاحتلال الأميركي، استمرت مع الاحتلال الإيراني من الباطن مع ارتفاع نبرة الخطاب الطائفي والمذهبي السلطوي، ونهب جشع لخيرات البلاد ومقدراتها، وربط كل الأجهزة السلطوية من أمنية وعسكرية وخدماتية، بمن أنيطت به "رئاسة الحكومة" الذي تقاطعت عليه التفاهمات الأميركية – الإيرانية.


لقد أدار المالكي منظومة أمنية – سياسية، كان هدفها الأساسي تلبية الحاجة الإيرانية، ولو كان على حساب وحدة العراق وحاجات شعبه وهكذا فإن المقاومة العراقية وجدت نفسها بعد الانسحاب الأميركي، تواجه احتلالاً من نوع آخر وهو يتلطى وراء واجهات عراقية. وبدل أن يكون إنهاء الاحتلال الأميركي بداية لإعادة تأسيس العراق استناداً إلى معطيات التحرير، وجد شعب العراق نفسه في مواجهة جديدة، عنوانها مواجهة المحتل الجديد بكل تشكيلاته الأمنية والسياسية.


من هنا، فإن الذي جرى ويجري في العراق ومنذ بدء الحراك الشعبي هو مقاومة للمحتل الإيراني، وهو إذ اتخذ طابع الثورة الشاملة، فلأن البرنامج السياسي الذي يرشد أداء القوى المقاومة، قد استحضر عناوين المسألة الوطنية، وهي تحرير العراق من كل أشكال الاحتلال والهيمنة، وحماية وحدته الوطنية، واستعادة دوره المفصلي في مسيرة النضال العربي، ووضع حدٍ لنهب ثرواته وخيراته، وإنهاء المهزلة السياسية التي تدار بواسطة ما يسمى بأطراف العملية، السياسية.


وأن تبادر الأجهزة الإعلامية وكل المستفيدين من إبقاء العراق مشتت القوى والإمكانات، ومتلاعباً به وبمصيره وتصوير هذه الثورة الشعبية بأنها عمل إرهابي، فلأجل استثارة غرائزية سياسية وشعبية ضد ثورة شعب العراق التي تقودها مقاومته، والتي ما كانت يوماً مناطقية التواجد والانتشار، أو مذهبية التركيب البنيوي والبرنامج السياسي، بل هي الوحيدة التي تقدم نفسها مشروعاً وطنياً إنقاذياً للعراق.


وإذا كان المالكي وشلله السياسية والأمنية التي يديرها قد تهاوت بسرعة، فإن استغاثته وان مكنته من تعويم وضعه السياسي، إلا أنه لن يستطيع البقاء طويلاً واقفاً على أرض تميد من تحت من إقدامه، بعد ما تبين هشاشة التركيب السلطوي، وان يُقدم على طلب التدخل الإيراني المباشر، فهذا وان أطال أمد الصراع، إلا أنه سيجعله أكثر وضوحاً، لأن المواجهة مع المحتل الإيراني ستخرج من الباطن إلى الظاهر، وعندها ستكون المعركة مفتوحة، ومن استطاع أن يهم المحتل الأميركي، سيهزم المحتل الإيراني ولن تفيد هذا المحتل الجديد بنود الاتفاقيات الأمنية التي فرضها، ولن يستطيع الاتكاء على أدوات عراقية، لأن المزاج الشعبي العراقي الذي كان شديد العداوة للمحتل الأميركي، هو أكثر حدة في عدائه للاحتلال الإيراني، وحدة العداء ناجمة عن إدراكه لحجم الخطر الإيراني على هوية العراق الوطنية وعروبته. وعندما تكون الوطنية والانتماء القومي حالة غريزية عند الشعوب خاصة تلك التي تملك إرثاً وطنياً ومتجذرة في انتمائها القومي، فإن المواجهة تتجاوز حدوده السياسية إلى حدود الوجود.


لقد انطلقت ثورة الشعب في العراق يوم انطلقت مقاومته ضد الاحتلال الأميركي، وهي تستمر اليوم ضد الاحتلال الإيراني من الباطن، وهو ان تدخل تحت حجة محاربة الإرهاب، فتدخله سيكون تحت عنوان ممارسة إرهاب الدولة ضد انتفاضة شعب قدم مئات ألوف الشهداء من أن أجل أن يستعيد حريته ووحدته، ويعيش حياة كريمة، وأن تقوم أميركا بتقديم الدعم العسكري وشن غارات جوية، إسناداً للمنظومة الأمينة – السياسية، فهذا لن يزيد الأمور إلا تعقيداً، وهو سيكشف حقيقة الاتفاق الأميركي – الإيراني حيال العراق، كما أنه سيكشف حقيقة المواقف التي تتعامل مع العدوان الخارجي بانتقائية، وهذا كاف ليكشف صدقية المواقف من كل قضية وطنية تتعرض للمخاطر.


قد لا تبقى الثورة في العراق ممسكة بالأرض التي طُردت منها ميلشيات المالكي، الا انها ومما لا شك فيه ستبقى ممسكة بناصية المبادرة في إدارة الشأن العراقي من موقع المقاوم، وإلى أن تتهاوى كل إفرازات الاحتلال الأميركي، وواجهات الاحتلال الإيراني والتي تقدم نفسها تحت عنوان العملية السياسية .


انه الكلام الواضح في جو العراق الملبد.

 

 





الجمعة ١٥ شعبــان ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / حـزيران / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة