شبكة ذي قار
عـاجـل










يعتقد البعض ان مقاييس النجاح في الحياة يكمن بما يكسبه فيها من مال وأولاد وعقارت وأراضي وبما يمتلكه من وثائق وشهادات علمية مزورة تمكنه من احتلال مراكز وأدوار اجتماعيه وسياسيه لم يحلم بها يوما ما ليتسلط على رقاب الناس ويسرق اموالهم ويرمي بحقوقهم الوطنيه في بحر من الظلمات ويتحكم بشؤونهم دون نازع ضمير .فتتراكم الثروة لدى هؤلاء بلا شك بسبب حالات الفساد المنتشرة في مجتمعاتنا وعدم وجود الرقيب القانوني الذي قد يكون هو الآخر فاسدا فاشلا أيضا وفقدان الضمير الأنساني الأقرب الى الذات خرّب الطبائع وأفسد الذمم وجعل المال العام عرضة للنهب والسلب فأضحت الوظيفة ليس مسؤولية وعهد وامانه بل بابا للثراء وتراكم الثروة .

 

كان النزوع الى الوظائف العامه حتى وقت قريب هدفه خدمة الناس وتحقيق طموحاتهم وآمالهم . أما الان فحدث ولا حرج فلقد تغيرت المفاهيم وبيعت الذمم فأصبحت الانانيه المفرطه وحب الذات والأستحواذ على المال العام مقياس للنجاح لدى هؤلاء الطامعين الجهلة وبمجرد النظر الى ما حولنا نستطيع ان نؤشر حالات لا حصر لها ممن باعوا ضمائرهم للشيطان فأغواهم فلم يسألوا انفسهم يوما عن عهود اخلّوا بها ومواثيق قطعوها على انفسهم وامانة لم يصونوها فسرقوا وتحايلوا ونافقوا حتى تكدست لديهم الأموال وفتحت لهم حسابات لا تعد ولا تحصى؟ بالرغم من ان كسبها والأستحواذ عليها لا يتطابق مع المصلحة العامة ولا يلتقي مع حملاتهم الأنتخابية ولا يتناسق مع الواقع الفكري او الديني الذي بشر به هؤلاء والرؤى والتنظيرات الت تلوك بها السنتهم ؟وكأن المال هو الخالد وليس ما ينفع الناس ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم انما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون ) فكم من مال جمع بالسحت وبعثر في ملذات الحياة دون ان ينفق منه شيء في مساعدة المحتاجين اليه ولم يسخّر لمنفعة عامة او مشروع وطني فكم من مال جمع وصرف بدون وجهة حق وكم من سلطان زال بلا أسف عليه .

 

ان دوام الحال من المحال فلا يبقى من اشغالنا لمناصبنا وادائنا لأدوارنا الا ما فعلناه للناس من خير وتعاملنا معهم بخلق وحيادية وماتركنا في قلوبهم من ذكريات جميله وأعمال جليلة لأن قيمة الأنسان بما يحسن اي بما يقدم ويعطي ويخلف لا بما يأكل وينهب ويفسد وكما قال الأمام عليّ عليه السلام أيضا ( رحم الله امرا فك كفه وكف فكه ) اي بمعنى اعطى وانفق وقدم وبرّ وكفى الناس من شرور اعماله وخبث نواياه .قد يعتقد البعض انه نجح في حياته بعد ان أكمل تعليمه وحاز على شهادة علمية أو ربما اصبح وزيرا أو حتى رئيسا وبمجرد وصوله الى هذه المناصب فقد اعتقد انه حاز على أعلى درجات النجاح ولكن ماذا بعد هذا فكم من وزير راح ضحية فساد وكم من رئيس خرج الناس على ولايته وكم من مهندس أشرف على بناية بعد تخرجه فأنهارت هذه البناية على ساكنيها .قد يقول أحدهم انا أصبحت طبيبا فأنا اذا ناجح لكن قد يكون هذا الطبيب يحتاج الى طبيب ليشفيه من انانيته وجشعه والقائمة طويله .اذن ما فائدة الشهادة وما غاية المنصب ان لم تسخر في خدمة الناس .


ان مقاييس النجاح في الحياة حسب وجهة نظري ليست بما نكسبه فيها بل بما نفعله للآخرين لنزيد من سعادتهم وقدرتهم على مواجهة متطلبات الحياة بعفة وطهارة وحسن تدبير ولنكون صادقين مع انفسنا افرادا وجماعات واحزاب وحكومات ومع غيرنا في أقوالنا وأعمالنا ولندع اعمالنا هي التي تتكلم وليس السنتنا وأموالنا لننال رضى الله وهي الأهم ثم رضى الناس الذين امتلكنا التحكم بمصائرهم دون نازع ضمير وسخرنا القانون وفسرناه بما يخدم مصالحنا الذاتية كلما كان ذلك ممكنا .ان مقاييس النجاح ليس المنصب ولا المال بل التفوق في خدمة الناس والتعامل مهعم بحيادية وخلق كريم .ما فائدة التفوق العلمي والدرجات الوظيفية الرفيعة ان لم نسخر جل اهتمامنا في خدمة المجتمع وتحقيق ورفاهية أبناءه واسعاد حياتهم وحياة عوائلهم فكم من انسان غير مؤهل علميا لكنه انسان راقي ومشاعره فياضه وأعماله جليلة وقد حباه الله بمواصفات قياديه ناجحة وسلوك انساني رفيع فنجح مع ذاته ومع الآخرين ونال رضاهم ورضا خالقهم سبحانه وتعالى وكم من امرأة اميّة مكافحة كانت على قدر كبير من المسؤولية الأنسانية بعد ان فقدت زوجها فقامت بواجبها على احسن وجه وافرزت للمجتمع كفاءات علمية وثقافية وقيادية هامة شاركت في بناء مستبقل البلد بأمتياز ونداره الا يكون هذا مقياس لنجاح هذه الأم رغم انها لم تتعلم ولم تنل اي شهادة دراسية عدى شهادة حسن القيم والسلوك والتصرف الأنساني الواعي .


ان النجاح كلمة ذات افق واسع وخطوة كبيره في دروب الحياة الأنسانيه ليس للعلم فيها الا القليل فما فائدة علم لا ينتفع به ومال لا يسخر لخدمة الحياة بل سخّرت الحياة لخدمته فالأنسان ليس فيزياء او كيمياء اوعلوم اخرى بل انه هو كل العلوم وارقاها وأفضلها وان كل هذه العلوم سخرت لأجله انه غايه عليا وهدف أكبر وعنوان كل العناوين الأخرى فلا نخدعه ولا نبتزه ولا ننتزع منه انسانيته .


انها دعوه للأخلاص والتبصر والأيثار للأرتقاء بسلوكياتنا نحو المعالي والعمل الأنساني الخالد وخير الناس من نفع الناس .وعلينا ان نجعل من قيم السماء قانونا لأهل الأرض ونراجع انفسنا بل ونحاسبها ان اقتضت الضروره قبل ان يحاسبنا الآخرون .لقد ولد الأنسان صفر اليدين وسيعود خالي الوفاق الا من عمله الصالح ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) فمن أحب الله ورسوله وعمل وفق القيم الأنسانية التي آمن بها عليه ان يخلص نيّته للناس وللمبادئ التي بشّر بها ففرق كبير بينه وبين من أحب نفسه وسخر كل الأشياء لخدمتها وشتّان مابين الضلالة والهدى والجحيم والنور وشتّان مابين ( تبت يدى ابي لهب وتب ما اغنى عنه ماله وما كسب ) وبين سيد الشهداء الحمزه عليه السلام ومن سار على نهجه الى يوم الدين من شهداء الأمة ومناضليها ومجاهديها وقادتها الأبرارممن استحق الخلود والذكرى العطرة وعاش في القلوب والضمائرالى يوم يلقى ربه راضيا مرضيا .والفرق واضح بين هؤلاء الأبرار وبين من اصطف في خنادق الأعداء ليحصل على المال والسلطان وليقود الاخرين معه الى الهاوية فأستحق هو ومن معه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.






الخميس ١ ذو الحجــة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / أيلول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب شاكر عبد القهار الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة