شبكة ذي قار
عـاجـل










أعرف أن الموت حق وأن الحياة طريق يفضي إلى الموت مهما امتدت وأن كل ابن انثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول، وأن الحتوف صيادة "وأي حي يفوت شباكهن ولا يُصاد"؟ ولكني اعتصر قلبي الألم لرحيل ضياء حسن الصحفي الرائد والمناضل البعثي الثابت والمضحي والمعلم، وأسبغْ عليه من الصفات ما تشاء فعن حقيقته لن تحيد.

ذهب الرجل إلى دار الحق لكن غصة كبيرة ظلت تقتات على أعصابه في أواخر سنيه، وتسلبه أية هناءة صغيرة في الحياة، تلك هي فقدان العراق سيادته وتحكم أراذل القوم الذين جمعهم الاحتلال من الزوايا المظلمة العفنة في العالم في مصير شعبه.

لا أذكر عن أبي هدى إلا كل خير وقد زاملته في المهنة طويلاً، لم أذكر أنه ذكر أحداً بسوء ولكني أذكر من ذكره بسوء، لم أذكر أنه انتقص من كفاءة أحد ممن يعرف ولكني أذكر من كان يتطاول عليه ويحاول الانتقاص من كفاءته ولكنه لا يجد أمامه في النهاية إلا أن يتقاصر أمام تاريخ ضياء حسن وإنجازاته المهنية.

طوق عنقي بمعروف يوم زرته في السويد ووجدته أمامي في محطة القطار يستقبلني وهو يجر رجليه جرا، وكان يمكن أن يرسل إلي أياً من أقاربه ولكنه لم يفعل.. وما أن سمع من "أصدقائنا" الساكنين في المدينة التي يقيم فيها كلاماً سيئاً عني حتى سارع وكتب رسالة إلى صديقنا المشترك مصطفى كامل أبي عبدالله رئيس موقع وجهات نظر نشرت بعنوان ( سلاماً لسلام ولرفاق الكلمة العراقية الحرة المتخندقين في محراب الدفاع عن العراق وشعبه )، لطمهم فيها على أفواههم، ومما قال في تلك الرسالة: "أخي وصديقي وزميلي أبا عبدالله العزيز، يا من جمعتني وإياه، مع سلام الزميل العزيز، رفقة الأقلام الوطنية العراقية داخل الوطن في رحلة الدفاع عن حق العراقيين في مواجهة طغيان المحتلين وإسناد وقفتهم المتصدية لمن ظنوا أن الأرض العراقية هشة كهشاشة العملاء الذين باعوا العراق وشعبه وستكون مفروشة بالورود، واكتشفوا، بعد ان دمروا بناها وذبحوا أهلها، أنها عصية وخلفها رجال من نوع خاص، تجمعهم القدرة على إدارة معارك المصير بصبر حكيم، مسلح برؤية تحسن كيف تسدد خزين اقتدارها في الوقت المناسب والى الهدف المطلوب ليقلب معايير المعركة من اقتناص الفرص لإقلاق الأعداء ومشاغلتهم بمعارك تشعرهم بأن لهيب الأرض صار متاحا لأن يفجر حمما تطول رؤوس المعتدين وحتى اقدامهم، الذين ورطتهم واشنطن لأن يطؤوا بلدا ما سكت يوما على ضيم ولا على ظالم، وهم إن أمهلوا الطغمة المعتدية فأنهم لن يهملوها طويلا".

وأضاف: "وإذا كان لي أن أقول شيئا مضافاً عن زميلي المبدع سلام الشماع، فأقول أنه كان، كما نتذكر أنت وأنا، ضمن باقة من الصحفيين الذين تصدوا للمحتلين وعملائهم مبكراً، متسللين الى عدد من المطبوعات التي صدرت في بغداد بعيداً عن رقابة السلطة العميلة، وسلام كان في طليعتهم، رشاقة قلم وقوة حجة وتأثيراً، ومنهم من التحق بصفوف البعث منذ بواكير التئام التنظيم الحزبي، وهم كثر، ولهم أن يفخروا لأنهم كانوا بشَّروا أهلهم، من خلال ما اتيحت لهم من فرص الكتابة، بأن مواجهة العدو المحتل فرض عين، بدأ مشواره ولن يتوقف، قبل طرد المحتلين صاحين أم مرزومين بأكياس، كما كشفت عن ذلك تقارير أميركية اعتنى بترجمتها ونشرها قبل فترة زمنية غار عشتار الوطني، وفيها الدليل الساطع على الضربات القاصمة التي ألحقتها المقاومة الوطنية بجيش المحتلبن وعناصره المعتدية، وهذه حقيقة لطالما أنكرتها الأدارة الأميركية أمام العالم، ولكن الأكياس المسلفنة كشفت باطلهم واوضحت للأميركيين بأن ما أحاط بهم هو نتيجة طبيعية لما اقترفوه بحق العراق وشعبه، ويصرون على المضي في هذا النهج العدواني على الرغم من أن لعبتهم أضحت مكشوفة بعد أن سقطت عنها أردية تضليلية بارت وبار معها مغلفوها".

واختتم أبو هدى رسالته بالقول: أحييك سلاماً فقد كنت وجميع الزملاء الذين وقفوا الى جانب شعبهم في أدق الظروف وأكثرها حساسية وخطورة متوقعين منهم المزيد من الابداعات لتصب في تعزيز وحدة العراق ارضا وشعبا ومواصلة إسنادهم لوقفة فصائل المقاومة الوطنية وهي تسدد ضرباتها لبقايا المعتدين، مقرَّبة ساعة تحرير العراق من غبرة المحتلين، التي خلفتها عمليات تهريب قطعات وعناصر جيش هو الأسوأ سمعة والأكثر إجراما بين جيوش العالم، وطوبى للأقلام الوفية لشعبها وهي تتمسك بخندق الوطن ولن تبارحه الا وهي تنقل العراقيين بشرى التحرير وتصف لهم لحظات انعقاد بيرق العزة والكرامة على السارية العراقية من جديد".

كان ضياء حسن كريماً معي ومع جميع زملائه وهذه خصلة لابد أن تذكر، وبالقدر الذي كان يفرح برؤيتنا كنا نفرح برؤيته، وكان آخر لقاء معه يوم جاء من السويد إلى عمان وكنت فيها وانتكست صحته وزرناه: الأستاذ هارون محمد وعبدالحكيم السامرائي وأنا، والتقانا بمعنويات عالية واستعرض ذكريات كثيرة وأحداثاً عاشها، ولم ينقطع عن الكتابة إلا مؤخراً فهي السلاح التي يحسن في النيل من خطط أعداء وطنه.

أتقدم بالعزاء الخالص إلى السيدة أم هدى وهي من كرائم البيوتات العراقية والتي أخلصت لأبي هدى ووقفت إلى جانبه، كما أعزي جميع رفاقه البعثيين وزملائه وتلامذته من الصحفيين، وبفقده فقدنا قلماً ما حاد قيد أنملة عن طموحات شعبه ولم يتردد في الدفاع عن وطنه، ولكنه إن مضى للقاء ربه، فقد خلف بيننا آلاف الأقلام التي نهلت منه المبادئ والقيم وشرف الموقف.

إلى جنات الخلد يا أبا هدى ونم قرير العين فإن شعبك انتفض وعراقك سينهض قريباً بعون الله ويعود سيداً ترفرف راياته في الذرى.

وسلام على الشهداء ..

 

شرح الصورة :
زيارة إلى الراحل في شقته في عمان عن يساره الأستاذ هارون محمد وعبد الحكيم السامرائي، وعن يمينه سلام الشماع





الخميس ١٩ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أيلول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة