شبكة ذي قار
عـاجـل










كل حدث سياسي، تختلف التقويمات بشأنه، خاصة إذا ما تمت مقاربته من وجهات نظر مختلفة، وغالباً ما يفتقر التقويم للموضوعية، إذا ما انطلق من خلفية سياسية محددة حيث المنحاز لطرفٍ يرفع من منسوب الايجابية. فيما المعارض يرفع منسوب السلبية وهذا امر طبيعي في الصراع السياسي وهذا ما يتطبق على الحدث السياسي الذي شهدته تركيا في انتخاباتها التشريعية الأخيرة.

هذه الانتخابات التي أعيد إجراؤها بعد خمسة أشهر عن سابقتها أفرزت تعديلاً في خارطة القوى البرلمانية، بحيث مكنت "حزب العدالة والتنمية" وهو الحزب الحاكم من حصد الأكثرية المطلقة من أعضاء البرلمان وهي التي لم يحصل عليها في الانتخابات التي سبقت. وبهذا أصبح بإمكانه أن يشكل حكومة بمفرده دون حاجة إلى أية تحالفات مع قوى أخرى إلا إذا أراد تشكيل حكومة إجماع وطني وهو غير المتوفر في ظل معطى الوضع القائم.

لقد كثرت التحليلات بشأن هذه النتائج. منهم من قال أن ثمة تزوير قد شابها، ومنهم من قال أن لوجستيات العملية الانتخابية التي توفرت للحزب الحاكم لم تتوفر لغيره، ومنهم من قال أن تراجع شعبية القوى المصنفة في خانة المعارضة سواء بخلفياتها السياسية أو تمثيلها الاثني الظاهر والمذهبي المبطن كان بسبب إعادة علاقة السلطة مع الحركة الكردية المعسكرة إلى المربع الأول وتطورات الوضع على الجبهة السورية.

قد يكون لكل هذه الأسباب تأثيرات بنسب متفاوتة على الحياة السياسية لكن ما يجدر التوقف عنده هو المعطيات التالية:

1- أن الانتخابات الأخيرة جرت بعد مدة قصيرة من سابقتها، وأن هذه الفترة غير كافية لتحدث تبديلاً في مواقف الشعب ومزاجه من أداء الحكم. وبالتالي فإن التعديل الذي طرأ على خارطة القوى ليس باعثه الأداء السلطوي الداخلي خلال الفترة الفاصلة.

2- إن نتائج الانتخابات لم تفرز أكثرية موصوفة وهي 2/3، بحيث تمكن أردوغان من الاتكاء إليها لتعديل الدستور وتعزيز صلاحية رئاسة الجمهورية وهذا يعني أن المعطيات الداخلية، لم تفرض نفسها على المزاج الشعبي كي يصوت لأحداث تغيير في بنية النظام.

3- أن الفترة الفاصلة عن الانتخابات السابقة شهدت حدثين كبيرين في الإقليم : الأول هو توقيع الاتفاق النووي مع إيران والثاني الدخول الروسي القوي على الحدث السوري. وكلا الحدتين يؤثران بشكل مباشر على تركيا كموقع إقليمي مهم في خارطة الجغرافية السياسية لشرق المتوسط والشرق الأوسط.

هذان الحدثان ليسا حدثين تفصيليين إذ الأول يمنح إيران حرية حركة أوسع في الإقليم وأن كانت في إطار الاحتواء الدولي عامة والأميركي خاصة، والثاني يدخل قوى جديدة ومؤثرة في مجرى الصراع المتفجر في سوريا وتركيا معنية مباشرة بسياقاتهما ونتائجهما.

إن هذين الحدثين لم يتأخرا بإرخاء ظلالهما السريعة على الداخل التركي وبالتالي يمكن النظر إليهما باعتبارها العامل الأساس الذي أثر في المزاج الشعبي وخاصة على الشرائح الشعبية المتموجة والتي يراهن عليها في ترجيح كفة النتائج السياسية.

هذه الشرائح الشعبية ليست منخرطة في الآليات التنظيمية للأحزاب التي خاضت الانتخابات، وهي في ممارسة دورها الانتخابي أظهرت أنها منشدة إلى عصبيتها الوطنية، وهذا ما جعلها تصوت للحزب الذي ترى أنه في ظل معطى الوضع الراهن، الأكثر قدرة على إدارة شؤون البلاد على قاعدة الندية في العلاقات مع الخارج.وخاصة مع موقعيه الايراني والروسي المتدخل في الشأن السوري.

ولهذا يمكن القول أن الانتخابات وبالنتائج التي افرزتها كان تصويتاً على تقوية الموقع الوطني التركي أكثر منها رفعاً لشعبية الحزب الحاكم. وباعثه أن ذلك يمنح الحكم قدرة أكبر على إدارة السياسية التركية مع الخارج وخاصة الإقليمي ودون أن يكون مثقلاً بأزمة داخلية حادة .

من هنا، فإنه بعيداً عن النظرة والموقف من الأداء السياسي التركي حيال معالجة أزمة الداخل بكل عناوينها وأزمة العلاقة مع الخارج بكل معطياتها، فإن الشعب التركي أثبت أنه يتمتع بحيوية سياسية، وينشد إلى وطنية جاذبة، وأنه أمام خيار تقوية الموقع الوطني وإراحته في التعامل مع الأزمات التي ينخرط بها في الخارج أختار البعد الوطني في تحديد خياراته الوطنية على حساب مماحكات الداخل وهذه نقطة تسجل له.





الجمعة ٢٤ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة