شبكة ذي قار
عـاجـل










أثارت قضية إعدام المواطن السعودي، الشيخ نمر النمر مع آخرين بلغ عددهم 47 شخصاً عاصفة سياسية هوجاء أين منها ردة الفعل على "عاصفة الحزم" لعشرة أشهر خلت.

هذه القضية رفعت التوتر في العلاقات السعودية – الإيرانية إلى حدها الأقصى. لكن ما يلفت النظر أن ردة الفعل الإيرانية ومن يدور في الفلك، بلغت حداً من الانفعالية تجاوز حدود المعقول، وكانت أولى تداعياتها قطع العلاقات الدبلوماسية كرد سعودي مباشر على اقتحام مقر بعثتها الدبلوماسية في طهران.

في سياق تفاعلات هذه القضية ثمة أمر توقف عنده كثير من المراقبين، وهو أن ردة الفعل الإيرانية تمحورت حول أعدام النمر دون سواه. وهذا ما يجدر التوقف عند دلالاته لمقاربته بهدوء بعيداً عن الانفعالية وقراءة حقيقة الموقف الإيراني بعيداً عن "البروبغندا" الإعلامية التي غالباً ما تحول دون مقاربة الأمور بموضوعية وعليه نسجل النقاط التالية:

أولاً: قد يكون لكثيرين موقف من عقوبة الإعدام، وهذه مسألة فيها وجهة نظر قد يؤخذ بها وقد لا يؤخذ. وإذا كانت بعض الأنظمة القضائية قد أسقطت عقوبة الإعدام من تشريعاتها الجزائية إلا أن كثيراً من التشريعات ما تزال تأخذ بها وتعتبرها من صلب المنظومة العقابية. وأنه على سبيل المثال لا الحصر فإن إيران تعمل بعقوبة الإعدام كما السعودية وكل الدول العربية ودول أجنبية ومنها أميركا والصين وروسيا ولذلك فإن السعودية ليست الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق عقوبة الإعدام على بعض الأعمال الجرمية وان إيران واحة ليست واحة للديمقراطية وبلد لجوء سياسي.

ثانياً: من المعروف أن تطبيق القوانين وأحكام الشريعة في الدولة الوطنية هي مسألة سيادية، وهذا مبدأ عام تنص عليه الدساتير كما أحكام القانون الدولي العام إلا ما اعتبر ماساً بالأمن والسلام الدوليين. وأن تطبيق الأحكام ومنها عقوبة الإعدام لا تندرج ضمن القضايا التي تهدد الأمن والسلام الدوليين. وعلى هذا الأساس، فإن تدخل أي دولة في شؤون دولة أخرى بما يتعلق بالقضايا التي تعتبر سيادية إنما هو تدخل يتناقض وأحكام القانون الدولي وبالتالي هو تعدٍ على السيادة الوطنية.

ثالثاً: قد يكون مفهوماً موقف دولة ما، بانتقاد عقوبة الإعدام، إذا كانت قوانينها الوطنية لا تجيزها، لكن هذا الموقف يصبح ملتبساً ومشبوهاً، عندما تدين دولة، عقوبة الإعدام وسجلها حافل بتطبيقها لأسباب مختلفة. ومن خلال ما هو معروف وموثق، فإن إيران تأتي بعد الصين في عدد الذين تنفذ فيهم عقوبة الإعدام، وإذا ما قورن عدد سكان الصين بإيران، فإن الأخيرة تحتل المرتبة الأولى بامتياز.

رابعاً: في مقاربة موقف إيران من قضية النمر، كان يمكن للموقف أن يكون مفهوماً أو على الأقل مبرراً، لو أن النمر كان مواطناً إيرانياً وله حصانة دبلوماسية ، لكن أن تهوج وتموج لإعدام النمر وهو مواطن سعودي، وسجلها ليس ما يشير فيه إلى احترامها حقوق الإنسان، فالمسألة لا يبدو أنها متعلقة بقضية حقوق الإنسان وحرية إبداء منها، بل تتعلق بقضية أبعد من ذلك. والجزم فيها أنها ترتبط أولاً بخلفية السلوك الإيراني حيال معتقدي المذهب الجعفري والذي هو مذهب رسمي للدولة الإيرانية، كما ترتبط ثانياً بخلفية المشروع السياسي الإيراني حيال العمق القومي العربي.

خامساً: إن النظام الإيراني الذي تحكم سلوكه نظرية ولاية الفقيه، وهي نظرية فقهية خلافية حتى عند المدارس الفقهية الشيعية وهو يريد أن يجعل من نفسه استناداً إلى هذه النظرية مرجعية مذهبية لكل شيعة العالم واستطراداً جعل نفسه مرجعية سياسية لهم . وهذا يعني أن إيران تريد أن تقدم نفسها من خلال ثنائية هذه المرجعية المذهبية والسياسية دولة قومية لكل الشيعة في العالم وهنا تكمن الخطورة. وعندما تعتبر إيران أن الشيعة الذين يأخذون بنظرية ولاية الفقيه مرتبطين بالمرجعية الإيرانية فهذا يعطيها بنظرها مبرراً للتدخل في شؤون الأخرين.

سادساً: في ضوء هذه الخلفية لحقيقة الموقف الإيراني، فإن النظام الإيراني يريد التعامل مع "الشيعة" في العالم وكأنهم جاليات إيرانية، وهنا تكمن إشكالية الموقف الإيراني الذي يعتبر تدخله في شؤون الآخرين مبرراً شرعياً حتى ولو كان على حساب السيادة الوطنية للدول الأخرى التي تتكون شعوبها من مكونات مجتمعية متعددة ومنها من يأخذ بالمعتقد الشيعي مذهباً طقسياً و سلوكياً في نظام المعاملات.

سابعاً: في ضوء هذه الخلفية لحقيقة الموقف الإيراني، تفهم مواقف الأخرين الذين يتصدون لهذا الموقف خاصة إذا ما تعلق الأمر بالأمن الوطني والقضايا السيادية ومنها قضية تطبيق القوانين والأحكام الشرعية النافذة. وموقف السعودية نموذجاً. وأنه بغض النظر عن الموقف من عقوبة الإعدام رفضاً أو تأييداً، فإن الموقف الإيراني من" قضية النمر" وفي ضوء الخلفية الحقيقية لموقف النظام الإيراني وطبيعة مشروعه السياسي، لم يكن صاعقة في سماء صافية، بل أتى في توقيت يحتدم فيه الصراع بين مشروع متعدد الأذرع والذراع الإيراني واحد منه في استهداف واضح للأمة العربية بأمنها القومي وأمن مكوناتها الوطنية. وهذا ما يجعل الموقف الإيراني من "قضية النمر" قضية لا علاقة لها لا من قريب ولا بعيد بقضية حقوق الإنسان، لأنها من الفها إلى بائها إنما ترتبط بالأمن القومي العربي وبالمصدات العربية لقوى المشروع المهدد لهذا الأمن والدور الإيراني واحد من آلياته التنفيذية.

ثامناً: قد يكون لكثيرين موقف من طبيعة النظام في السعودية سواء على المستوى السياسي أو على مستوى الحقوق المدنية، وأن أحداً لا يمكنه القول أن السعودية هي دولة رائدة في احترام حقوق الإنسان، لكن أن تستغل قضية داخلية في بلد يمارس حقه السيادي على مواطنية لأغراض سياسية تتجاوز حدود تسجيل الموقف الحقوقي إلى الانخراط في مشاريع التخريب المجتمعي، فهذا ما يوجب اتخاذ الموقف الذي ينسجم ومستوى الخطورة المهددة للأمن الوطني والتماسك المجتمعي.

ومن يلتبس الأمر عليه ولا يدرك أي بعد سياسي ينطوي عليه الموقف الإيراني من السعودية ودورها على الصعيد العربي بعد انكفائية مواقع عربية أساسية وتدمير أخرى، عليه أن يحكم على موقف السعودية من خلال ردة الفعل الإيرانية.

وبما أن ردة الفعل الإيرانية بلغت حد الانفعالية بعيداً عن كل ضوابط الخطاب السياسي، فهذا يعني أن الدور الذي تضطلع به السعودية اليوم وتحت عنوان التصدي للتغول الإيراني في العمق العربي هو دور إيجابي بانعكاساته على الأمن القومي العربي واستناداً إلى هذه الإيجابية يجب تحديد أسس التعامل معها.

فإذا كان طرف يضمر عدائية تجاه الآخر، وبدا على هذا الطرف الانزعاج من سلوك الآخر، فإن الآخر هو في الاتجاه الصحيح ولهذا يجب تأييد موقف السعودية باعتبارها الآخر في تصديها للدور الإيراني وحبذا لو غير النظام الإيراني من سلوكه لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود !!





الخميس ٢٧ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة