شبكة ذي قار
عـاجـل










ودّعت طهران مرحلة كانت تراها مظلمة في مشوارها المرتبك، وإن لم تفصح عن هذا الارتباك طوال المرحلة، واستعاضت عنه بالتلصص والفضول والخوض بشغب وخبث في شؤون الآخرين، لأنها ترى بشكل مستفز أبوابهم المحترمة، فيما تتناسى عبثاً أو جهلاً وتعامياً أن بابها مخلوع حد الخيبة، مرحلة العقوبات التي رفعت صبيحة السبت الفائت كانت عذراً طازجاً وجاهزاً لكل من يتساءل من الداخل الإيراني عن سر المعيشة الهابطة والاقتصاد المتدني، والمواطن الإيراني لا يزال باحثاً عن حقيقة ومندهشاً من حجم التهور الذي تمارسه بلاده على رغم العزلة المرتفعة المؤشر عاماً بعد عام، ولا أظنه فرحاً جداً برفع العقوبات الاقتصادية لانعدام قيمة التفاؤل لديه منذ زمن على صعيد تحسن وضعه الاقتصادي ورحيل بلاده إلى منطقة الصدق والصراحة لا السباحة في بحر من الضبابية والالتواء.

طهران ستدخل اختباراً مفصلياً في المرحلة ما بعد رفع العقوبات، وقد ترخي آذانها جبراً لشعب ظل مؤمناً بأن بلاده لم تكن على ما يرام في شأنها الاقتصادي، لأنها ذهبت بحسب ما يضخ لأذنه وعينيه ويتجاوز مستوى وعيه لما من شأنه رفعة المواطن الإيراني وحمايته على المدى البعيد، ولكن بعد لعبة الرفع فلن تعد هناك أعذار كافية للنسيان والتهميش وإسكات اللسان الصامت سنوات مضت.

صحيح أن الدفعة الأولى من الأموال المجمدة التي تصل إلى ما يقارب 55 مليون دولار لن تكفي لمعالجة جراح الداخل ومسح الوجع المخفي لمجاهدة الآلة الإعلامية الفارسية في تلميع الصور الملتقطة، لكن هذه الملايين ترسم بكل تأكيد خريطة طريق مبدئية لتفكير السياسة الإيرانية، وهل ستمضي بعمامتها للمستنقعات والخراب وحقن الفتن وتأزيم المواقف؟ وهل تستمر في نفخ عضلات الطائفية وتصعيد المواقف بما يجعل منها نمراً ولو على الورق، أم ستلتفت لداخلها وتعود لسورها الخاص وتهذب حدائقه وتزرع مساحاته بالأمل والفرح؟

ما أخشاه وليس غريباً على دولة غرزت مخالبها في أقطار عربية كثيرة بلا رحمة وبسقوط لن ينساه التاريخ، أن تواصل ممارسة إشعال القلاقل في المنطقة وضخ الأموال لميليشيات العار، كي تحرق ما تضع يدها عليه بشراً وحجراً، وتزيد من كمية الكراهية لها في المنطقة، فمع رفع العقوبات في هذا التوقيت أصبحت دائرة الشك متسعة، وتؤكد أن ثمة من يفكر كثيراً في خلق تطرف جاد وصراع دامٍ في منطقة الشرق الأوسط، على رغم الوعود التي تساق بين حين وآخر عن تصدر سلام المنطقة لطليعة الاهتمام وبؤرة التركيز، إن الطليعة التي تترك الميليشيات تنحر الأبرياء من الوريد للوريد ليست إلا كذبة كبرى، والبؤرة التي نحصد من بعدها دماراً أكبر وإجراماً أفظع مجرد نثر متقن للملح على الجراح الدامية والنازفة وفرش سجاد ملتهب، وربما يصدق القول بأن ضعف السياسة الأميركية في تعاطيها مع ملفات الشرق الأوسط وانحيازها للصمت أو للغباء التقيا مع قدرة الديبلوماسية الإيرانية على بيع الكلام والخداع والتظاهر بالبراءة والظلم «والتم متعوس أهوج مع خائب رجا»، امتحان طهران المقبل ليس سهلاً إذا ما أراد الشعب الإيراني الحياة الهادئة، لا الرضا بحلم منتفخ ومزعج ومخيف من تحت رأس عمائم الوصاية والمذهبية وعلى حساب مواطن إيراني متورط حقاً .





الثلاثاء ٩ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب خالد ابن الوليد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة