شبكة ذي قار
عـاجـل










وافق صندوق النقد الدولي على منح العراق قرضاً مالياً بقيمة 1.2 بليون دولار لتغطية رواتب الموظفين، بعد عجز الحكومة عن تسديدها في شكل منتظم . فقد ألقى هبوط أسعار النفط العالمية بظلاله على الحكومة العراقية، التي قدمت موازنتها السنوية للعام 2016 اعتماداً على سعر 45 دولاراً لبرميل النفط، بينما بلغ السعر العالمي أخيراً ما يقارب 35 دولاراً، أي بتراجع نسبته 70 في المئة مقارنة بالعام الماضي. والمرجّح، أن ينخفض مجدداً وفق بعض التقارير المتخصّصة.

الاقتصاد العراقي يُعتبر اقتصاداً ريعياً يعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل من دون وجود موارد أخرى للبلاد، إذ لم تكن القوى السياسية الحاكمة في مستوى المسؤولية لتنشيط القطاعات الاقتصادية والاستثمارية للبلاد طوال السنوات الماضية، على رغم حصولها على فرص ذهبية بعد رفع الحصار الاقتصادي بعد العام 2003، وإطلاق الأموال العراقية المجمّدة التي كان في الإمكان استثمارها في تنويع مصادر الاقتصاد وتنشيط عجلة الحياة الاستثمارية في شكل كبير، ووضع خطط تنموية وصياغة استراتيجية واضحة للاقتصاد.

لكن ضعف إدراك القوى السياسية المرحلة الجديدة والانشغال بالصراعات من أجل البقاء في السلطة، وعدم مغادرة الحاكم عقلية المعارض السياسي وارتقائه بمستوى المسؤولية المناطة به، وتقديم المصلحة الأجنبية للدول الراعية لهم خلال فترة المعارضة على حساب تحقيق المصلحة الوطنية، واستشراء الفساد بين قادتها الذين شكلوا الطبقة الحاكمة في ما بعد، ذلك كله أدى الى تدهور مستوى الاقتصاد العراقي تماماً، فتحوّل العراق دولة استهلاكية بامتياز.

في الوقت الراهن، يُعتبر استمرار الحرب الدولية على «داعش» استنزافاً حقيقياً لموارد العراق المالية والبشرية، فهكذا حرب طويلة المدى تتطلّب مصروفات مالية كبيرة لشراء الأسلحة وتجهيز المقاتلين من جانب الحكومة، ودفع الرواتب لهم، وتجنيد مزيد من المقاتلين كلما اشتدت الحرب وطال وقتها وتزايد حجم الخسائر البشرية في صفوف المقاتلين، كذلك دفع المعاشات لأسر القتلى منهم. إضافة الى تسيير أمور البلاد وإدامة عجلة الحياة المتردّية أصلاً.

لقد ابتكرت القوى السياسية الحاكمة طوال السنوات الماضية، أساليب لنهب المال العام بغطاء شرعي قانوني، واستمر مسلسل هدر المال العام منذ 13 عاماً بسبب تفاقم ظاهرة الفساد ومأسستها، كجزء أساس من هيكلية الدولة، باستحداث دوائر ومؤسسات، بعضها وهمي لا نشاط له، بهدف الحصول على التخصيصات المالية التي تذهب لمصلحة القوى الحاكمة، إضافة إلى استمرار انخفاض أسعار النفط العالمية الذي شكّل كارثة على العراق، حتى خلال إعداد الموازنة العامة، التي شغلت رواتب الموظفين ميزانيتها التشغيلية، الجزء الأكبر منها خصوصاً التخصيصات المالية المرعبة للرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب والمؤسسات الحكومية المنضوية تحت مبدأ المحاصصة الطائفية السياسية.

دخول العراق في عجز مالي قد يؤدي الى انهيار اقتصادي موجع للمجتمع والى كارثة إنسانية. فبعض الدراسات الاحتمالية يرجح ارتفاع نسبة الفقر في البلاد الى 25 في المئة، وزيادة في نسبة البطالة تتخطى التي عليها الآن والبالغة 31 في المئة، مرتفعة بنسبة تزيد عنها. ناهيك عن الظواهر الاجتماعية التي بدأت بالحدوث فعلاً، كظاهرة الهجرة السكانية بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية، وهجرة الفلاح من الريف الى المدينة بسبب عدم وجود الدعم الحكومي للمزارع، والتحاق الشباب العاطلين من العمل بالجماعات والميليشيات المسلّحة. كذلك ظاهرة تشكيل عصابات مُنظمة للسلب والنهب والخطف، وغيرها من المظاهر التي تتحمل مسؤوليتها بالكامل الطبقة السياسية الحاكمة.

اقتراض العراق المال من البنك الدولي لتغطية معاشات الموظفين ينذر بدخول البلاد في مرحلة الخطر الحقيقي لانهيار الاقتصاد وتفكّك البلاد. لم تقترض الحكومة العراقية المال من أجل مشاريع تنموية طويلة الآمد تسدّد من خلال أرباحها التزاماتها الدولية، وإنما اقترضت من أجل تسديد رواتب الموظفين! هل هو القرض الأخير من البنك الدولي لتغطية معاشات الموظفين؟ وما هي الالتزامات المفروضة على العراق؟ ومن أين سيسدّد التزاماته المالية؟ وإذا كانت الحكومة عاجزة عن تسديد رواتب الموظفين، فهل ستكون قادرة على إدامة الحرب ضد ((داعش))؟!

إن انهيار العراق اقتصادياً هو أقرب الى الواقع من هلاكه بالحرب مع ((داعش))





الاربعاء ١٠ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب خالد ابن الوليد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة