شبكة ذي قار
عـاجـل










حين كنت أسأل رفاقي في الحزب الذي انتمي اليه بكل فخر واعتزاز والعراقيين عن مصدر ثقتنا بقدرة مقاومتنا على دحر الاحتلال الأمريكي من بلادنا كانوا يجيبون فوراً: هناك مثل عراقي شائع، انطلق في البادية، ثم زحف إلى الحواضر، يقول: " الأرض تقاتل مع أهلها ".

وكنت أتذكّر هذا المثل الجميل كلما حصلت مواجهة بين العدو الصهيوني والمقاومة الفلسطينية والعدو الفارسي وقادسيه صدام المجيده عندما كنا جنود نحمي البوابه الشرقيه للامة العربيه، فأشعر منذ اللحظة الأولى للمواجهة أن العدو سينهزم، والمقاومة ستنتصر رغم الفارق الكبير في موازين القوى لصالح العدو، وكانت الوقائع في الميدان تثبت صحة ذاك المثل المغمس بدماء العراقيين وتضحياتهم منذ ثورة العشرين حتى مقاومة الاحتلال.

وأثناء العدوان الثلاثيني على العراق لاحظت أن ما نسميه في أيامنا هذه "ثقافة المقاومة" ليس إلا تأصيلاً فكرياً لذاك المثل الشعبي البسيط، لأن الذي انتصر على أرض العراقيين بكل طوائفهم ومسمياتهم وببطولات أهلها وتضحياتهم، هو ثقافة المقاومة،التي استورثناها من سيدنا الحسين عليه السلام وأن شركاء النصر في هذه المواجهة هم كل من ساهم بالكلمة والموقف والجهد وصولاً إلى التزويد بالسلاح والخبرة والمشورة في هذه المعركة، شقيقاً كان أو صديقاً، قريباً أو بعيداً، حزباً كان أو جماعة، أو وسيلة إعلام أو مبادرة تضامنية.

ثقافة المقاومة هي ثقافة الوحدة الوطنية، لأن الانتصار هو عربة، يجرها جوادان هما المقاومة والوحدة الوطنية، فالوحدة الوطنية في أرض محتلة لا تستقيم إلا بالمقاومة، والمقاومة لا تتحصن إلا بالوحدة، ولعل هذا هو الدرس الأول الذي، خرجنا به جميعاً من انتصار العراق، ثم لعل تبديد هذا الانتصار بالانقسام هو أكثر ما يقلق شعب العراق وأبناء أمته وحزبه الصامد.

وثقافة المقاومة هي ثقافة الالتزام بالثوابت والمبادئ، وإن المرونة التي تفرضها الضرورات تبقى تحت سقف هذه الثوابت والمبادئ، وإن المرحلة التي تتطلبها طبيعة الصراع يجب أن تبقى مفتوحة على الأفق النهائي الذي يكرس كامل الحقوق.

وثقافة المقاومة هي ثقافة التواضع يوم النصر، لأن الغرور يتنافى مع عظمة المقاومة، وسمو النصر، ولأن ثقافة التواضع هي الحصانة من العصبيات الفئوية التي تجهض الانتصارات، ومن التعالي على الآخر الذي يُفقدنا الاتصال بالواقع.

وثقافة المقاومة هي التحضير للمواجهة القادمة كأنها حاصلة غداً، والتحضير للمعركة مع العدو كأنها مستمرة أبدا، بل إنها ثقافة تسعى لتحييد الخصوم، وكسب المحايدين، وشد أزر الأصدقاء، وليس العكس، كما نرى أحياناً، كما هي ثقافة ترتيب الأولويات فلا تغليب للتعارضات الثانوية على التناقضات الرئيسية، ولا للحساسيات العابرة على المبادئ الثابتة والمصالح العليا للشعوب والأمم.

وثقافة المقاومة هي حث دائم على انتصار العدل على الظلم، والحق على الباطل، والحرية على العبودية، والكرامة على الذل والهوان، وهي انتصار الحياة على الموت، وأن نجعل الموت إذا فرض علينا طريقاً لصون الحياة.

وهي القدرة على القراءة الدقيقة للواقع، فهذه الثقافة لا تستقيم مع الأفكار المسبقة والنظريات الجاهزة، بل تخضع أفكارها دائما لمراجعة دائمة في ضوء ما يفرزه الواقع من حقائق، وهي تبقى في اعتماد كل أشكال النضال، كما تحرر أهلها من أسر صراعات الماضي، وتعزّز فيهم الانفتاح على آفاق المستقبل.

وثقافة المقاومة لا تكتفي بصناعة النصر مع شعبها، ولكنها تسعى إلى ابتكار السبل والوسائل التي تمكّن الأمة كلها من استثمار النصر لا في العراق وحده، بل على مستوى الأمة، فتضع في رأس أولوياتها إطفاء حرائق مشتعلة في الأمة، ومحاصرة ألسنة اللهيب المتنقلة عبر دعوات التعصب والتطرف والغلو وممارسات الإرهاب والقتل والإبادة الجماعية، وهي دعوات باتت الاحتياطي الاستراتيجي الأخير بيد العدو.

إنها تقود إلى التصرف على قاعدة إن العدو قد يكون، كما قال الزعيم الصيني الكبير ماو تسي تونغ، نمراً حقيقياً على الصعيد التكتيكي، ولكنه نمر من ورق على الصعيد الاستراتيجي، رغم أن المقاومة في العراق قد أثبتت أن العدو كان نمراً من ورق تكتيكياً واستراتيجياً في آن واحد.

وهي استنباط متواصل لوسائل المقاومة وأشكالها، وفي الطليعة المقاومة المسلّحة التي إذا اقترنت في حال العراق اقتربت ساعة التحرير.

وقد زرعت فينا ثقافة المقاومة أن المعركة مستمرة وأن يبقى السلاح صاحياً، وإن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة كما قالها شهيد الحج الاكبر الرفيق المنناضل صدام حسين رحمه الله وبنا جهادها شيخ المجاهدين عزة ابراهيم حماه الله ورعاه.

اخوكم خالد ابن الوليد من مدينه النجف الاشرف
 





الجمعة ١٨ جمادي الاولى ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / شبــاط / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب خالد ابن الوليد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة