شبكة ذي قار
عـاجـل










لا احد يدرك حجم دولة مثل ( العراق ) مهمة بالنسبة لأمريكا والغرب من جانب مختلف تماما عن الذي في تصورات البعض وكيف نجحت بالتضليل والعمل فقط على الترويج لسببين مهمين لأحتلال العراق الذي اقتنع بهما غالبية الراي العام العالمي ولكن هناك من لم " تعبر " عليه قراءة مابين سطور اوراق اللعبة وفهم التعابير الحقيقية عن ماهو ظاهر وماهو هو مخفي . اذن السببين الظاهرين هما :

١- ان العراق، جغرافيا هو مركز الشرق الاوسط. السيطرة عليه تعني السيطرة على قلب الشرق الاوسط، جغرافيا وعسكريا وحضاريا.

٢- وهو كذلك اقتصاديا يمتلك اكبر خزين نفطي، بالاضافة الى النهرين والكثير من المعادن المهمة المكتشفة وغير المكتشفة.

لكن بالحقيقة ان هذين السببين ثانويين ليس لها قدرا كبيرا في استراتجية امريكا الخفية. لو كانا هما الاساسيين كما اوحي للجميع، لما اضطرت امريكا ابدا لاحتلال العراق، لكن لدى الامريكان مصالح استراتيجية سياسية وعقائدية وتاريخية حيث تعتبر هذا البلد من اخطر المناطق في استراتجية امريكا الكبرى للسيطرة على العالم، وبالتالي تتطلب حضور امريكي مباشر و في ارض العراق بالتحديد . ان امريكا من خلال قناعاتها الباطنية السرية المورثة بأن الكون تتحكم به قوى جبارة خفية مجهولة، لغتها هي الرموز الكونية المعروفة، من اهمها ابراج النجوم. ان هذه القوى الجبارة منذ خلق الارض قد اختارت بعض المناطق لتكون مقرات ثابتة لها. يبدوا انها قد اختارت الشرق الاوسط ليكون موطنها وارض نشاطها وابداعها التاريخي والحضاري. وقد اختارت عاصمتين لها: (العراق) ليكون مركز الابداع الناري الفعال والاجتياحي والتوسعي. و(مصر) لتكون مركز الابداع المائي الانكفائي والمستقر. لهذا فأن هذين البلدين بقيا مركزا حضارة وتاريخ الشرق الاوسط وعموم العالم القديم، طيلة آلاف الاعوام. ليس صدفة ابدا انهما كانا مقرا لاولى واعظم حضارات البشرية، لأن تلك الحضارات كانت من صنع تلك القوى الجبارة المجهولة.

من المهم التوضيح: أن الحضارة المصرية لا تخيف الامريكان لانها طيلة التاريخ ظلت حضارة مسالمة، لم تنبثق فيها دولة توسعية ولم تمارس الغزو الخارجي الا لاسباب دفاعية، اذ ظلت دائما معتكفة على ذاتها وعلاقتها مع الجيران قائمة على الحماية والدفاع وليس التوسع والغزو. انها حضارة روحانية أخروية جوهرها تقديس الحياة الاخرى، لهذا فأن اعظم رموزها هي (الاهرام)، اتي هي اساسا قبورا للملوك، وكتابها المقدس هو(كتاب الموتى) الذي فحواه كيفية تجاوز يوم الحساب وبلوغ الآخرة!

بينما حضارة وادي الرافدين هي النقيض تماما، انها مادية دنيوية لا تؤمن بالحياة الاخرى ولا بجنة موعودة، بل غايتها الدنيا والمتعة، لهذا فأن اعظم رموزها هو (برج بابل والجنائن المعلقة) وهي رموز دنيوية غايتها العظمة والمتعة، اما كتابها المقدس فهو(قصة كلكامش) الذي اعلن صراحة استحالة بلوغ الخلود وان غاية الانسان هو التمتع بالدنيا. نعم أن الروح العراقية نقيض الروح المصرية، لأنها نارية استحواذية توسعية، فكان العراق مقرا لامبراطوريات كبرى توسعية منذ البابلين والآشوريين، وصولا لأخطرها امبراطورية العباسيين التي حكمت نصف آسيا وشمال افريقيا طيلة قرون. بل ان هذا البلد كان كذلك مقرا وعاصمة لامبراطوريات اجنبية كبرى، مثل امبراطوريتا الاسكندر المقدوني ثم الساسانيين الذين اختاروا المدائن عاصمة لهم.

وبناء على ماتقدم اجمعت امريكا ومن خلال منظماتها السرية بأن الحضارة المصرية لا يمكنها ان تنافسهم وبقيت دائما في علاقة ايجابية معها بل جعلتها امريكا ركنا مقدسا في عقيدتها الباطنية وتبنيها للكثير من رموزها الدينية. مع الأجتهاد دائما في تسليط الاضواء عليها في وسائل الاعلام والمؤتمرات والجامعات والمتاحف والمكتبات.

اما حضارة بلاد الرافدين تعتبر المنافس الاكبر لأنها الاقرب لهم حسب تصورهم ، حيث يعتقدون ان الحضارة الغربية هي صورة محدثة عنها، أي ذروة الحضارة المادية الدنيوية. مع ان الاعتقاد الامريكي السائد نعرف بأن جذور حضارة الغربية ترجع الى بابل، وهم لا يتنكرون لها، لكن يخشون الاعلان عن ذلك صراحة ، في قناعة الامريكان ان دولة مثل العراق تملك حضارة خطيرة بقدرما هي جبارة تحتاج الى الكثير من القوة والسيطرة والمراوغة والتركيع والتجويع من اجل تدجينها وترويضها والروح العراقية النارية المتحفزة لا يمكن منحها الفرصة التاريخية المنتظرة لكي تقف وتثب وتسجل حالة اقليمية ودوليك

لهذا ومنذ سنوات طويلة تمحورت سياسة الامريكان ازاء هذه الحضارة الخطرة في العراق وفق مايلي :

١- التعتيم عليها في جميع وسائل الاعلام والمؤسسات المعنية، رغم تقديسنا السري لها. بل العمل على تشويهها من خلال التركيز على الموقف التوراتي منها ومسألة(سبي اليهود) ونقمة الله على بابل وتدميرها. والتعتيم ايضا على دور العرب والمسلمين والحضارة العباسية في تنوير اوربا. وجعل(الف ليلة وليلة) وحكايات العبيد والجواري هي الصورة الاعلامية الوحيدة الشائعة في الاعلام العالمي.

٢- بنفس الوقت، بذل كل الجهود من اجل في معرفة تواريخ وتفاصيل وخفايا هذه الحضارة من خلال النبش والتنقيب والدراسات السرية، على امل فك اسرارها والسيطرة عليها والاستعداد لمواجهة كل مفاجأتها الغير منتظرة. هناك ايمان امريكي بالمطلق بوجود اسرار كبرى تحت الارض تركتها القوى الجبارة المؤسسة لها والمتحكمة بالكون. بل ربما هم مقتنعين بتواجد ادوار مفترضة لقوى معينة قادمة من كواكب اخرى قد ساهمت بتأسيس الحضارة في سومر وبابل. لهذا فأن من اهم غايات اجتياح العراق والسيطرة عليه، ان الاستحواذ على آثاره المهمة والتنقيب بصورة سرية عن بعض الآثار الخاصة التي تقودهم الى تلك الاسرار المخفية الخطيرة. ليس صدفة ان اولى خطوات في اول يوم احتلال العراق، تم التهيئة لسرقة المتحف العراقي وتدميره من اجل التعتيم على استيلاء على الكثير من الآثار المهمة. كذلك القيام بالسيطرة على الموقعين الاثريين لمدينتي (بابل) و(اور)، وتحويلهم الى معسكرين خلال عدة سنوات من اجل التغطية على عمليات التنقيب السرية بحثا عن بعض الآثار الهامة التي تساعد على فك اسرار هذه الحضارة الجبارة والسيطرة عليها. ان شعار امريكا الغبي " نبني العراق" كان تضليل ساذج وتفسيره لديهم لا يقل سذاجة ايضا قالوا نبني العراق وفي قرارهم الأصح نبني بعد ان ندمره ونفكك مفاصله وندرسه ونفهم اسراره ونضمن تماما كل مفاجأته ووثباته . فبسيطرتنا الروحية التاريخية على العراق نضمن سيطرتنا الفعلية على الشرق الاوسط كله، وبالتالي عموم العالم .

في مطلع الالفية الثانية اقتضت المرحلة الاخيرة من المشروع التدميري القائم على التقسيم الطائفي وقد وقع اختيار امريكا على العراق حيث تتوفر فيه افضل الشروط الملائمة للصراع الشيعي ـ السني. وانقسامه الطائفي الواضح سبب الأختيار كأفضل ساحة للصراع الشيعي ـ السني ! طبعا هنالك اسباب مكملة داعمة اخرى، فهو ليس فقط ملتقى القطبين الطائفيين، بل ايضا ملتقى التنوعات القومية لبلدان الشرق الاوسط : عرب ، اكراد، تركمان، مسيحيون،

منذ عام 2003 تمكن الامريكان بصورة تفوق التوقع ان تجعل من ارض العراق ساحة مكشوفة ومثال فاضح للصراع الدامي المحتدم بين القطبين الشيعي ـ السني. بل جعلت منه ارضا لعذابات المسيحيين والصابئة وباقي الجماعات، اضافة الى اسطورة عذابات الاكراد قبل ذلك. وبسرعة غير متوقعة ايضا اصبح العراق ارض الخراب ومركزا للظلام الذي ينتظر المنطقة بأجمعها. على ان تبقي مشروعها الوهمي بصنع النظام والاستقرار والبحبوحة ومركزا لشرق اوسط ديمقراطي منسجم مع بعضه في اذهان البسطاء ، لكن في واقع الحال والمخطط له سلفا ان يبقى العراق لسنوات طويلة قادمة تحت سيطرة الاطماع الأمريكة الكاملة ( مباشر وغير مباشر ) سياسيا وعسكريا. والعامل المهم الذي نجح الامريكان بتأسيسه وابقائه، ان تكون العملية السياسية مريضة ومنقسمة طائفيا وقوميا، بحيث لايمكنها ان تكون دولة مركزية قوية، وتبقى عرضة سهلة لتفجيرهاداخليا والتحكم بها. مع اللعب دائما بخيوط الدمى المتحركة فعندما يستقوي الاكراد ويضعف العرب تتم المبادرة الى خلق الخلافات بين الاكراد وتسهيل ضربهم من قبل دول الجوار. وما ان يستقوي العرب حتى يتم التحرك الى تأجيج الصراع الطائفي بينهم ويتم اعطاء المجال لبروز الدور الكردي واستخدام ورقة كركوك. واذا ما تم ملاحظة توحد الاطراف العراقية كلها وبروز نوع من الثقة بالدولة والشعور بالاستقرار وبروز ميول الوطنية المعادية للامريكان، يتم تحريك العملاء وتسهيل الامر للارهابيين للقيام بعمليات تدميرية تزعزع هيبة الحكومة وتحيّ الاحقاد الطائفية وتشجع هجرة الشباب والكوادر، وبالتالي تبرير الاعتماد على الامريكان من اجل حمايتهم من الارهابيين!

امريكا وبالدلائل هي من يشجع التغلغل الايراني في العراق وتعمل مع دوائر ايرانية خاصة في غرفة عمليات واحدة وهي تعتقد بان عامل الأبتزاز يخدمها في اخافة الدول العربية وتركيا ودفعها لكي تتصارع في ارض العراق، وايضا اخافة من جاء مع امريكا من العراقيين ودفعهم للتمسك بها لحمايتهم من الخطر الايراني !

ومن اكبر دلائل نجاح التضليل الكبير والتحكم بعقول بعض العراقيين وباقي العالم، العزم على اهمال العراق بعد ان فشل محاولة العمل السياسي وفشلالمسرحية اعلامية عن انسحاب عسكري كامل . بينما شيدت امريكا في بغداد اكبر واضخم واقوى سفارة في تاريخ البشرية. مساحتها 104 هكتارات وتعد أكبر بستة إضعاف من مجمع الأمم المتحدة في نيويورك، وبعشرة أضعاف من سفارها في بكين. كلفتها حوالي مليار دولار وتكلفة إدارتها السنوية مليار دولار. فيها 20 مبنى و1000 موظف، وهي تعتبر مدينة مستقلة حيث تضم السكن والاسواق وكل وسائل الترفيه ومولدات الطاقة والتنقية والتصفية، حتى يمكنها العيش مستقلة تماما لعدة اعوام !

للمراسلة
alitmula@yahoo.com





الاحد ٣ رجــب ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / نيســان / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الملا نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة