شبكة ذي قار
عـاجـل










في خضم الخلاف المتصاعد بين تركيا والولايات المتحدة ادرك المسؤولون الاتراك ان الادارة الامريكية تكيل بمكيالين في القضايا التي تعصف بالمنطقة , وخاصة في موضوع الاكراد . وقد سبق لنا ان اكدنا هذا الامر منذ عقود , اذ ان الادارات الامريكية كانت تكيل بمكياين في الشأن الكردي , ففي الوقت الذي كانت تؤيد اكراد العراق وتقدم لهم الدعم العسكري والفني ضد سلطة بغداد المركزية , كانت ضد اكراد تركيا وتعتبرهم ارهابيين . في حين كلا الطرفين الكرديين يطالبان بحقهما في تقرير المصير , اي الاعتراف بحقهما في حكم ذاتي ان لم يكن استقلالا كاملا

العلاقات التركية الامركية كانت تحكمها المصالح المشتركة بين البلدين , ولا سيما ان تركيا دخلت حلف الاطلسي عام 1952 الذي تقوده الولايات المتحدة . ونفس العلاقة بين تركيا والاتحاد الاوروبي من خلال الحلف , ولم توافق الدول الاوروبية على دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي , وخاصة النمسا التي تعرضت في زمن سابق الى قصف المدفعية العثمانية ايام عز تلك الدولة التي انتهت في عشرينات القون الماضي .

من خلال وجود تركيا في حلف الاطلسي سمحت للولايات المتحدة باقامة قاعدة جوية لها على الاراضي التركية في انجرلك . ولكن العلاقة بين البلدين توترت عقب اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011 , حيث وقفت تركيا الى جانب المعارضة السورية المسلحة وضد نظام بشار الاسد . وطالبت باعتماد منطقة منزوعة السلاع في شمال سورية لاستيعاب اللاجئين السورين الهاربين من جحيم القصف الجوي لطائرات الارسد والذين بلغ عددهم اكثر من مليوني لاجئ .وقد عارضت الولايات المتحدة هذه الفكره بل اخذت الادارة الامريكية تلمح الى اهمية بقاء الاسد في السلطة بدعوى مقاومة داعش .

الامر الذي زاد الطين بلة هو وقوف الولايات المتحدة الى جانب حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يطمح الى اقامة حكم ذاتي في المناطق الشمالية من سوريه اي في منطقة الرقة على الحدود التركية . وتقول تركيا ان هذا الحزب له علاقة مع حزب العمال الكردي التركي الذي وضعته امريكا على قائمة الارهاب انسجاما مع الموقف التركي من هذا الحزب .

هذه هي النقطة القاصمة في العلاقة التركية – الامريكية , وهي ما وصفها المسؤولون الاتراك بالكيل بمكيالين , اي كيف تقف امريكا مع حزب الاتحاد الديمقراطي وتقف ضد حزب العمال الكردي الموضوع على قائمة الارهاب ؟

لقد وضعت الأزمة السورية العلاقات الأمريكية - التركية تحت ضغط هائل، وهو توتر ناتج عن الأولويات المختلفة لدى الدولتين. ولا يزال السؤال يطرح نفسه: إلى أي مدى قد تؤدي هذه الأهداف المتضاربة بين الولايات المتحدة وتركيا إلى تقويض الروابط الثنائية؟

لقد تقدمت تركيا اقتصاديا في ظل حكم "حزب العدالة والتنمية"، وكانت الحكومة التركية تمني النفس بان تصبح قوة اقليمية . لكن الاوضاع في سوريه قوضت ذاك الحلم . لانها انشغلت بدعم قوى المعارضة السورية المعتدلة على امل تقويض نظام بشار الاسد . كما انهكها العدد الكبير من اللاجئين السوريين في المحافظات التركية الجنوبية بحيث صاروا يشكلون نسبة 20% في تلك المحافظات .

كما ان تمرد حزب العمال الكردي , مستغلا الاوضاع في سوريه , دفعه الى تنفيذ اعمال ارهابية ضد مؤسسات الحكومة التركية . ففي أيار/مايو 2013، وقع تفجير في بلدة ريحانلي عند الحدود التركية – السورية , ذهب ضحيته 51 شخصاً، وقد كان هذا التفجير أسوأ اعتداء إرهابي يقع على الأراضي التركية في التاريخ الحديث , وتوالت الاعمال الارهابية في المدن التركية وفي الساحات العامة. وجاء تنظيم داعش ليضيف عبئا جديدا على الحكومة التركية حيث تمكن من اقامة دولة له في العراق وسوريه على الحدود التركية بطول اكثر من الف كم .

هذه الاوضاع المتشابكة اربكت تركيا , ولاسيما بعد توتر العلاقات مع روسيا اثر اسقاط الطائرة الروسية من قبل المقاتلات التركية . وهكذا صار القطبان الدوليان ضد تركيا رغم المصالح المشتركة التي تربط تركيا بكلا القطبين . وقد اشتركا في التوجه الى دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومد تنظيمه المسلح بالسلاح بحيث راهن القطبان على هذه القوات الناشئة في عمليات التصدي لداعش .

وعندما أسقطت الولايات المتحدة الأسلحة لمقاتلي "حزب الاتحاد الديمقراطي" الذين يدافعون عن كوباني، اعترضت أنقرة بشدة في البداية، إذ اعتبرت تركيا "حزب الاتحاد الديمقراطي" ومنظمته الأم القائمة في تركيا، "حزب العمال الكردستاني"، من المنظمات الإرهابية .

وكل التوقعات تشير الى التراجع في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية مع استمرار تقديم امريكا المساعدات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي . وقد قدمت أمريكا 50 طنا من المساعدات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، من أجل أن يحارب داعش في منطقة الرقة .
وكان رئيس الوزراء الاسبق داود أوغلو قد هدد بأنّه في حال وصول هذه الأسلحة لحزب العمال الكردستاني، فإنّ تركيا لن تتردد بتاتا في قصفها وقصف حزب الاتحاد الديمقراطي أيضا. وتقول بعض المصادر التركية ان الحكومة لديها دلائل وقرائن مؤكدة وملموسة، تؤكد وصول أسلحة كانت بيد حزب الاتحاد الديمقراطي لمخازن حزب العمال الكردستاني . وتعتقد الادارة الامريكية ان دعم حزب الاتحاد هو خيارها القوي لمواجهة داعش في سوريه . وسوف يزيد هذا الاعتقاد اذا تمكنت قوات الاتحاد من احراز نصر على داعش في معركة الرقة المقبلة , وبالتالي سوف تزيد من كمية الدعم العسكري الى هذه القوات , وسوف يزداد الشرخ بين واشنطن وانقره . وتسعى الادارة الامريكية الى عدم السماح لروسيا بالسيطرة على حزب الاتحاد الديمقراطي .

كما ان الاحزاب الكردية تسعى من اشتراكها في الحرب على داعش نيل شرعية دولية بوجودها وكسب الراي العام العالمي لتحقيق الاستقلال واقامة دولة كردية في سوريه وتركيا على غرار ما جرى في العراق . وهو ما يخيف الحكومة التركية .وقد شن الرئيس التركي رجب أردوغان هجوما عنيفا على الولايات المتحدة بسبب دعمها لقوات الاتحاد الديمقراطي الكردية التي أعلنت عن منطقة فدرالية وحكم ذاتي على الحدود التركية بسبب ارتباط هذه القوات بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا وواشنطن نفسها منظمة "إرهابية" وهو ما اثار غضب أنقرة لهذه الازدواجية الأمريكية في المعايير والتي تمثل خطرا على أمن تركيا .

وترى تركيا أيضا أن موقف واشنطن من نظام الأسد يفتقد للحسم وأنها لم تقدم الدعم المطلوب للثوار حتى من وصفتهم "بالمعتدلين" ولم تتخذ مواقف رادعة تجاه قوات الأسد والمليشيات الموالية لها رغم المجازر التي ارتكبوها والتي وثقتها منظمات ووسائل إعلام غربية, كما رأت تركيا أنه لا حل للأزمة السورية طالما بقي يشار الأسد في سدة الحكم وهو ما بدأت واشنطن تدريجيا تبتعد عنه بحجة التوحد في مواجهة خطر تنظيم داعش.

من جهتها ترى أمريكا ان تركيا لم تقدم المطلوب منها في مواجهة تنظيم داعش وان موقف تركيا تجاه الحرب ضد هذا التنظيم غير مرضية بالنسبة لها ولبقية حلفاء واشنطن بينما تؤكد أنقرة أنها تعاني أكثر من غيرها من الإرهاب وبالتالي فموقفها واضح منه ولكنها لا تريد التركيز على طرف دون طرف, في إشارة للمليشيات المتعاونة مع الأسد وحزب العمال الكردستاني.

تركيا تحاول أن تغير قواعد اللعبة، على اعتبار انها القوة التي يمكن الاعتماد عليها لقتال داعش ، وتحاول ان تفرض شروطها في هذه اللعبة، الا أن الأمريكيين لا يريدون أي تغيير جذري لقواعد اللعبة، باعتبار أن الخطر الوحيد بالنسبة لهم هو تنظيم داعش .

الخلاف بين الطرفين وصل إلى حد مطالبة بعض جهات في الكونجرس الأمريكي بطرد تركيا من حلف شمال الأطلسي وهو ما يذكرنا برفض الاتحاد الاوروبي لانضمام تركيا له بحجة أنها مسلمة وأن جميع دول الاتحاد "مسيحية" في تأكيد على عنصرية غربية واضحة رغم ادعاءات المساواة التي ترفع كلافتات في بعض المواقف بشكل زائف. يمكن القول إن قوة تركيا ذات الهوية المسلمة الواضحة أصبحت تثير أمريكا على أكثر من صعيد, رغم تصريحات أوباما عن احترام هوية الآخر.. فكيف إذا وصل دونالد ترامب إلى مقعد الرئاسة ؟ .





الاثنين ٢٣ شعبــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / أيــار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبه نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة