شبكة ذي قار
عـاجـل










هم ليسوا برجال هم أشباه رجال ، هؤلاء الذين يلهثون وراء السلطة ، رغم أنهم مكتفون مادياً ومؤهلون علمياً ، إلا أنهم يصرون على السقوط في وحل السلطة، خاصة والسلطة كالنار تحرق بلهيبها هؤلاء الذين لا يجيدون التعامل معها ، و يتدفأ بها هؤلاء الذين يتقنون توظيفها لخدمة الإنسان ، وبشكل خاص في المجتمعات المهترأة التي تحتاج إلى العون والمساعدة بما فيها رفع الظلم عن كاهل المظلوم .

السلطة ذات وجهين واحدهما مشرق جميل في أيدي الطيبين الخيرين ممن التصق بالمجتمع ، ودأب على سماع أنات المواطنين ، وهمه اغاثة الملهوف والوقوف في وجه الظلم ، يسعى لخدمة الناس لا لخدمة الكرسي الذي يجلس عليه ، فيزداد الكرسي به جمالاً ، وتزداد به السلطة عدلاً ، وأما هؤلاء الذين يتطلعون للسلطة كأنها وراثة عن واحد من والديه ، ولا يجوز أن تفلت من بين يديه ، فيكون جل همه حجبها عن الآخر ، وحتى حجب الخير عن هذا الآخر ، فهو دمار للسلطة ، دمار لذاته المريضة أصلاً بحبه للسلطة على حساب كل قيم الحق والخير والعدالة .

مشكلة الدولة أنها في كثير من الاحيان تجند من لا قيمة له لادارة واحد من جنبات الهم العام في المجتمع ، على الرغم من السقوط الاخلاقي لهؤلاء ، كونهم لا يحترمون قيم المجتمع ، ولا أخلاقياته في حياتهم اليومية ، فكيف بهؤلاء يتعاملون مع السلطة ، خاصة وهم الذين يتمتعون بإكتفائهم مادياً ، ومن المؤهلين علمياً ، وهؤلاء فقدوا مكنونة العلم الذي يحملونه ، لأن العلم بلا أخلاق لا قيمة له ، فالادب دون علم أفضل بكثير من علم بلا أخلاق ، فادب بلا علم أفضل من علم بلا أدب .

نحن نبتلي بالنماذج التي تلهث وراء السلطة ، فهذه النماذج قد جلبت علينا الكثير من المساوئ ، لأنها قادرة على تبرير كل ما تصنعه ، فقد نجحت في خداعنا حتى وصلت إلى السلطة ، ساعدها في ذلك أن النظام السياسي المهترئ الذي لا يعنيه المجتمع بالقدر الذي تعنيه الديمومة في السيطرة على المجتمع يحتاج لهذه النماذج الرخيصة، حتى يبرر وجوده في السلطة ، وامعانه في تجاهل مصالح المواطنين ، والمحافظة على معايير احترام ارادة الناس .

ونحن بدورنا كمواطنين قد ساهمنا في الامعان في ممارسة هذه النماذج لدورهم في امتلاك السلطة ، وتطبيق الوجه السيء فيها ، باستخدامها لتحقيق الذات الفردية لا باستخدامها لخدمة المجتمع ، فلا نشير لممارسة هؤلاء وهم في السلطة إما خوفاً أو تملقاً ، وفي خارج السلطة نهلل ونرحب بهم في كل مناسبة عامة يتوافدون عليها .

الدولة وكذلك المجتمع الذي تكثر فيه هذه النماذج فهي على طريق التهور ، وتحفر قبرها بيديها دون عناء لمهاجمتها من الخارج ، فهي ستنهار من الداخل ، فالامم الاخلاق بما بقيت ، ولكن عندما ندوس على هذه الاخلاق باقدامنا فلا الدولة ولا المجتمع يسيران في ركب النجاة ، ولا يملكان القدرة في تحقيق ما تصبو المجتمعات المتحضرة ، التي تتطلع على الدوام أن تقطع كل مرحلة أفضل من المرحلة التي سبقتها ، فما العمل يا ترى سؤال برسم الاجابة لابد وأن نعي الاجابة عليه ؟ .

التربية هي بوابة اصلاح الفرد والمجتمع ، والحكم الذي يسعى إلى تحقيق الحرية والعدل في المجتمع يعلي من قيمة التربية في حياة الشعب ، ويبذل قصارى جهده في دعم وتعزيز مكانة التربية في كل عناصرها ، عندها لا تزيد نسبة هؤلاء المتسلقين اللاهثين وراء السلطة ، بل هي في تناقص لتعفف الناس عنها، فالسلطة في يد هؤلاء دمار ، لأنها محكومة بمصالح الذين يلهثون وراءها رغم عدم حاجتهم إليها ، ولكنها في يد من يملك قاعدة تربوية أخلاقية ، تعي أخلاقيات المجتمع ، تنزع إلى خدمة المجتمع وتترفع عن خدمة الذات ، خدمتها لوجه الله ولصالح خير الناس لا لكرسي السلطة ، فمتى يا ترى نرى نماذج أكثر من هؤلاء ، رغم أننا لا نعدم وجود مثل هذه النماذج ، ولكنها قليلة جداً ، طغت عليها الفئة التي تلهث وراء السلطة ، بدلاً من الفئة التي تأتي السلطة إليها دون أن تلهث وراءها .

الدول التي إنهارت كان إنهيارها على أيدي هذه النماذج التي تحملت مسؤولية السلطة وهي لا تستحقها ، والدول التي حققت الكثير من الازدهار والتقدم على أيدي هؤلاء الذين جاءتهم السلطة دون أن يسعوا إليها ، فوظفوها لصالح وخير مجتمعهم ، فأي نموذج من هؤلاء الرجال نريد ، رجال يلهثون وراء السلطة ، أم سلطة تلهث وراء الرجال ؟ .

dr_fraijat45@yahoo.com





السبت ١٨ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / تمــوز / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة