شبكة ذي قار
عـاجـل










شتان ما بين امس العلم والثقافة واليوم الجهل بتخلفه يسود بلاد الحضارات ,فحين كان العراق يوما مهدا للحضارات وارض لثورات العلم , تنبع من نهريه علوم شتى وترعى على ضفتيه عقول المعرفة , نراه اليوم في غياهب النسيان يعمه الجهل محملا بالدمار , قيل كان يحكم العراق رئيسا يترحم اليوم عليه اعدائه قبل محبيه, يُسَير العراق في يومهم هذا مئات الطغاة لا هم لهم سوى تدمير ارض الرافدين بتراثها .

نعم كان العراق وما عاد مركزا للعلم فبعد ان حصد المراتب الاولى على دول العالم الثالث بأجمعه على المستوى التعليمي وبعد ان شيد في عصر البعث اثني عشر جامعة بمختلف الاختصاصات وبناء ما يزيد على 5500 مدرسة في شتى بقاع العراق وبعد ان كان التعليم مجانيا من رياض الاطفال حتى نيل الدكتوراه ومن منا ينكر قانون محو الامية التي اشادت به الامم والمنظمات كنموذج يحتذى به . ها هو اليوم يرزغ* بشبابه الجميل في مستنقعات الجهالة وضحلها .

وحين كان المدرس يوما محترم في مجتمعه يتحدى العقول بالعلم ويربي الاجيال بالمعرفة يخاف اليوم من طلاب (الواسطة) ويذكرني هذا بحادثة مرت منذ زمن قريب حدثني بها احد المعارف ان هناك طالب من ابناء الـ(السماسرة) لم تتيسر له امور المدرسة ففضل الغياب ولخوف المدير من فصله عن مقاعد الدراسة ابقاه يحمل صفة طالب ثم جاءت الامتحانات وابن اصحاب الرتب لا يزال خفي عن الانظار نوى احد معلميه به شرا وكتب له الرسوب لتطرق باب المغلوب على امره ويبرح ضربا وتوعد بالموت ان لم يسحب قرار الرسوب , نجح الطالب واكمل مسيرته العلمية الرصينة ؟ وحمل شهادة التخرج وها هو اليوم بعد مرور عشر سنوات المدير الاعلامي لمكتب احد الوزراء , قصة غريبة لا وليس بالفعل فقد اصبحت مثل هذه القصص معروفة لدى القاصي والداني وغيرها الكثير كحال تزوير الوثائق والشهادات وختمها بالاعتراف الرسمي وصاحبها الدكتور المخضرم صاحب الاختصاص جاهل بأدنى تفاصيل اختصاصه , في حين يبحث اصحاب العقول ومجتهدي المدارس عن عمل بسيط يسد رمق يومهم بل حتى ان بعضهم قد غادر مقاعد العلم لتجنب الموت , وهذا حال من يحكم اليوم بلاد العلم , بعد ان كان العراق يوما يحتل النسبة الاعلى في العالم من شهادات الماجستير .

وايفادات التخصص اليوم تهيمن عليها سياسية المعارف دون غيرهم وفي زمن الشرعية كان العراق يرسل الالاف من ابناءه للتخصص في العلوم المختلفة حتى ضم جيشا من العلماء ينفعون بلدهم بل وصل الامر الى تقديم الدعم العلمي للأقطار الاخرى بلا قيد وشرط , حتى انه استقبل مئات الالاف من الطلاب العرب تخرجوا بفضل (الدكتاتورية !!!) بلا اي مقابل وتبوأ بعضهم مناصب سياسية بارزة في بلدانهم , بفضل العراق دون غيره .

وماذا عن لغة الضاد فمن سن قانون (سلامة اللغة العربية) وبذل الجهود لتبقى سليمة خالية من الاخطاء بل اصبح الزلل فيها تجاوز يحاسب عليه القانون , كدولة عربية وشعب جله من احفاد عدنان وقحطان وجب مثل هذا القانون حيث لم تسن دولة مثله ولم تشرع حقوقه في امتنا الا في زمن رمزها وسورها الشرقي .

قفز العراق في وقته الى الاعالي وركز جهده على شبابه فخير البلاد بهم , ترتقي الصروح بحضرة عقولهم وتسطع شمس الوطن بإبداعهم , وفي ضل ازمة انخفاض اعداد المتعلمين من الشباب لضيق اليد واضطرار الشباب الى تجاهل طموحه لتدبير لقمة عيش حلال يصرح احد سياسي اليوم بوجوب الغاء التعليم المجاني , حين كان الاولى به ان يدفع بحكومته كأحد رؤوسها للعناية بهذه الفئة العمرية , دعا بدعوته هذه ولا عتب فهو قد دفع المال لشراء وثيقته الدراسية او من يعلم ربما هدد وتوعد لحيازتها بلا جهد , فلم يبال بشباب الوطن وهو ليس منهم .

خيرة الطبقات تشكوا حاضرها وسط تجاهل وحظر وتعاني من أرق ليلها وجوع العقول ومأساة جيل جهل مستقبله في مثل هذه الازمة , نعبر عن ضمائرنا ونسعى بماضينا وحاضرنا لنعيد لأرض الرشيد مجدها .

بالفعل شتان يشق ما بين الصبح وليله وان بعد الليل فجرا .

* استضعفه واحتقره ... المصدر معجم المعاني والكلمات





الاربعاء ٣٠ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أب / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مهند الدوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة