شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة : يتميز لبنان عن معظم دول العالم بخصوصية استخدام السياسيين والإعلاميين مصطلحات ومرادفات للكلمات والتعابير التي لا تتاوافق في كثير من الأحيان مع المسلمات العلمية وحتى الدستورية. يتم تداول تلك المصطلحات والمرادفات كانها بديهية ومدرجة في القواميس والنصوص الدستورية. من بين تلك المصطلحات والمرادفات شعار: "شعب وجيش ومقاومة" وترادف ( Synonymy ) كلمة مقاومة مع حزب لله. وسوف نتناول هاتين المسألتين مساهمةً في الحد من الإستمرار في الخطأ.

شعار : الشعب والجيش والمقاومة
ورد هذا الشعار والذي يعتبره البعض مقدساً في بيانات صادرة عن عدد من الحكومات بعد تشكيلها. وبصرف النظر عن النوايا وما يراد من هكذا شعار ومن يؤيده ومن يرفضه فإنَه لا يتوافق مع الدستور ولا مع الحد الأدنى من العلميَة وذلك استناداً الى المعطيات التالية :

1- الد ولة بمفهومها القانوني تقوم على ثلاثة مرتكزات : ألأرض المحددة بخريطة معترف بها دولياً وغير الخاضعة للنقض من أية جهة كما هي حال الاعتراف الدولي بالاستعمار الإستيطاني الصهيوني لفلسطين تحت إسم "إسرائيل" والمرفوضة من أصحاب الحق أي الشعب الفلسطيني، وهذه الحالة استثناء في تاريخ البشرية، والشعب الذي يحمل هوية مشتركة يقدمها أفراده كجوازات سفر للتنقل في العالم، وهوية أو إخراج قيد لتسيير أمورهم داخلياً، والمؤسسات التي بموجبها تنتظم شؤون المجتمع داخلياً ويتم التعامل مع الخارج من خلالها.

2- ألأرض والمؤسسات ليستا موضع خلاف جوهري وأساسي وإنما اختلاف فقط في وجهات النظرحول طبيعة المؤسسات وإدارتها. ألمشكلة تكمن في مفهوم الشعب؛ إذ أن من البديهي أن الشعب يشمل كل أبناء الوطن سواء كانوا في القطاعات المدنية أو العسكرية. فاي عنصر في القطاعات العسكرية والأمنية ( جيش، أمن داخلي، أمن عام، أمن دولة، جمارك... ) كان فرداً مدنياً قبل دخوله المؤسسة العسكرية أو الأمنية، وعندما يتقاعد يعود كذلك إلى القطاع المدني. وكل فرد من الحركات والأحزاب التي تعرف نفسها أنها مقاومة هو فرد من الشعب.أكثر من ذلك فإن أفراد القوات المسلحة والأمنية والأفراد المقاومين هم جزء من الشعب خلال خدمتهم والعكس يعني نزع هذه الصفة عنهم. إذن، لا يجوز تصنيف الشعب، والجيش، والأفراد الذين يحملون فكراً وممارسةً مقاومة في ثلاث فئات مختلفة، حيث أن الشعب يشمل الجميع، وإلا، هل يجوز اعتبار كل من هو في المؤسسات العسكرية والأمنية، وكل من ينتمي إلى حركة أو حزب أو تنظيم مقاوم ليسوا من الشعب؟ والأمر المستغرب ألا يعترض أعضاء المكاتب أو اللجان الحقوقية في الأحزاب والتنظيمات التي تتبنى هذا الشعار على السياسسين في أحزابهم أو تنظيماتهم لمراجعة الخطأ، ولا يتوقف المجلس النيابي اعتراضاً أمام أي بيان وزاري يتضمن فقرةً تحتوي الشعار موضوع النقاش لأنه لا أساس دستورياً له.

ترادف مقاومة و"حزب الله"
منذ مدة طويلة ثبت عند الناس بمختلف شرائحهم أنه عندما تذكر مقاومة يتبادر إلى أذهانهم "حزب الله "وبالتالي من يؤيد حزب الله يحب وينشدَ الى مفهوم المقاومة ومن يناهض حزب الله خصومةً ( أو عداءً ) يكره ويبتعد عن مفهوم المقاومة، رغم أن المقاومة لرد العدوان عن الأوطان مفهوم سام وممارسة تستحق التقدير والإعتزاز وتوجب المشاركة على كل المواطنين. تؤكد الوقائع إلى أن مقاومة العدو الصهيوني بدأت قبل ظهور حزب الله من قبل عدد كبير من الأحزاب الوطنية اللبنانية ناهيك عن االمقاومة الفلسطينية والعربية التي خاضت مواجهات نوعية مع العدو واستمرت في منهجها رغم فرض "حزب الله" سيطرته على ساحات المواجهة في الجنوب وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة ورفض أية نشاطات مقاومة خارج مدياته اللوجستية. وبعد التحرير عام 2000 ورد في خطاب لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم فقرة تتضمن أن "زمن الجهاد قد انتهى وحان زمن القطاف". وقد فهم من هذا الكلام أن مرحلة جديدة في استرتيجية "حزب الله" قد بدأت وخلاصتها اقتصار المواجهة مع العدو على الرد على الإعتدءات المحتملة على لبنان والتركيز أكثر على الملفات الداخلية، لكن بعد أسر جنود للعدو وما أعقب ذلك من حرب شاملة عام 2006 والتي انتهت بإصدار وتطبيق القرار 1701. دخلت المواجهة في مرحلة التجاذب الإعلامي واعتبر كل من يقوم باية أعمال عسكرية ضد العدو من الأراضي اللبنانية مرفوضاً ويقع ضمن خانة زعزعة الإستقرارالداخلي . رغم ذلك حافظ حزب الله على نظرة تقدير عالية ليس فقط من قاعدته ومن الأحزاب المتحالفة معه سياسياً، لا بل من خصومه السياسيين في الداخل والقوى التقدمية في الوطن العربي نظراً للتضحيات التي قدمها والأهداف التي تحققت وخاصة إنسحاب العدو من لبنان عام 2000.

لكن ومع ذلك فإن أحداث أيار 2008 والتي تتلخص بالرد العسكري على قرارات سياسية اتخذتها الحكومة أي إستخدام حزب الله وحلفاؤه السلاح في الداخل وما تسبب ذلك من ضحايا واعتداء على الكرامات والأملاك قوض الصورة النمطية الإيجابية لحزب الله وارتفعت هذه الوتيرة بعد تدخله العسكري المباشر في سوريا وما رافق ذلك من إطلاق شعارات طائفية ومذهبية، وتبني الإسترتيجية الإيرانية الواضحة المعالم في استهدافها العدواني للأمة العربية والتي لا تخفى على أحد سواء في تصريحات المسؤولين في النظام الإيراني في هذا الخصوص أو التدخل المباشر في سوريا والعراق واليمن وبدرجة أقل في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية.

كل ما تقدم خلخل الصورة النمطية المثالية لحزب الله كفصيل مقاوم للعدو الصهيوني مع عدم نكران دوره المفصلي والفعال في تحرير الجنوب ومواجهة عدوان تموز 2006. إن حرب تموز هي محطة فاصلة بين مرحلتين في تاريخ حزب الله لا تشبه الواحدة الأخرى أبداً.

إن المقاومة مجال ومفهوم عام وحزب الله مجال ومفهوم خاص قد يستمر جزءاً من المقاومة إذا كانت نشاطاته تصب في خدمة لبنان والأمة العربية وقد لا يكون إذا كان جل ما يصبو إليه هو المساهمة في تحقيق أحلام نظام ولاية الفقيه في إيران في إقامة امبراطورية فارسية عاصمتها بغداد حسب قول بعض مسؤوليها والتي تشمل معظم الأقطار العربية.

خلاصة : إن شعار "الشعب والجيش والمقاومة" هوشعار سياسي يتناقض مع الدستور ومع الحد الأدنى من المنطق العلمي وبالتالي لا يجوز الإستمرار في تداوله، وأن ترادف مقاومة وحزب الله هو كترادف العام مع الخاص وتحمل العام أخطاء الخاص، وبالتالي فالمقاومة مفهوم وممارسة والحزب تشكيل سياسي قد يكون مقاوماً أو قد لا يكون.





السبت ٢٨ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة