شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد ركضه طويريج الشهيرة وزيارة الأربعين لمرقد الإمام الحسين المعروفة تحولت كل الزيارات والمواسم الدينية في العراق إلى ظاهرة و ممارسة طقوس غرائبية في فتاواها وتوجهاتها حينما اجتهد بعض أصحاب العمائم بتضخيم درجات الثواب منها وبدعوة العامة من الناس إلى المشي أو الركض والجري لمسافات طويلة وصولا إلى المرقد الحسيني أو العباسي ثم أضيفت لها في السنوات الأخيرة بدعة ركضة الإمام موسى الكاظم نحو مدينة الكاظمية شمال بغداد وأخيرها مشاية زوار العسكريين إلى سامراء التي تحل هذه الأيام.

لا أناقش هنا تفكير بعض الناس في عقائدهم، ولكن ان تتحول مثل هذه المظاهر إلى متاجرة و"بزنزة" تلعب بعقول البسطاء وتتعبهم في متاهاة لا خروج منها وهي تتعمق يوما بعد يوم ، وأضحت مجرد " كرنفالات" احتفالية ومظهرية ، أكثر منها مناسبة أو زيارة دينية، وهي بلا شك بلا شفاعة بها ولا دين يقبلها .

بات البعض يقارنها كرنفالات " ريودو جانيرو" في البرازيل الراقصة الشهيرة، وتجهد وزارة السياحة وبعض مديراتها المنقبات إلى الإشهار والإعلانات للسياحة الدينية الجديدة للمشاركة في المشي والركض والاستمتاع بأطايب الأكل الموزع مجانا على جنبات الطرق الموصلة إلى العتبات والأضرحة والمزارات ؟؟ . وهي ظواهر طلها مرفوضة ومستنكرة أخلاقيا ودينيا طالما ان الدولة تعترف بخسارة المليارات من الدنانير ، وخسارة عمل وجهد مئات الآلاف من المواطنين الغائبين عن العمل في مؤسساتهم وجامعاتهم ومدارسهم ومصادر رزقهم ، فتضيع من العراق المنهوب عشرات الأيام الضائعة من الدوام الرسمي المدفوع الأجرة من خزينة البلاد .

وللأسف تشجع حكومة الارتزاق الطائفي ذلك وتدعمه بكل الوسائل الإعلامية واللوجستية وخاصة بإقرار المزيد من العطل الرسمية الإضافية بقرار من رئيس الحكومة في مثل هذه المناسبات ، ترضية منه للعوام، ولبعض رجال الدين وسلطات الثيوقراط الجدد الحاكمين للعراق.

لا ادري هل ظاهرة " المشايه" كما يسمونها في مثل هذه الزيارات ستعودنا بالذكرى إلى عام 1915 حينما ظهر أول خط قطار بين بغداد وسامراء ، أطلق عليه حينها ( الشمندفر ).

ومن الجدير بالذكر ان بعض رجال الدين حينها أصدروا فتوى دينية ضد ركوب ( الشمندفر ) ، وهذا نص الفتوى :

بسم الله الرحمن الرحيم

) يتركون حمير الله ويركبون الشمندفر ... لعنهم الله ... لعن الله كل من يركب ( الشمندفر ) ويشجع على ركوبه ).
هل من رجل دين متنور وشجاع ، أو حوزة دينية، تخاف الله حقا، وتتجرأ اليوم على استنكار مثل هذه البدع الفارغة والغريبة على الإسلام والعبادات، ويلعن كل من يختلس أموال الدولة، ومن يسرق المال العام، ويبدده ويصرفه على مظاهر تعطيل الدوام الرسمي، والهروب من ساحات العمل والتعليم، ويحرم إطعام وخدمة مثل هذه المواكب و" المشايه" ومعهم ملايين السواح والمتسللين الإيرانيين عبر الحدود ، حيث يتم توزيع مئات الآلاف من ألأطنان مما لذ وطاب من صنوف الطعام والشراب المجاني و ببذخ واستهتار لا مثيل له فيستفز بذلك ملايين الجياع والنازحين من أبناء شعبنا العراقي، وهم جميعا ، شمالا وجنوباً، ضحايا تلكم السياسات الطائفية والإرهاب، يعيشون مجبرين تحت الخيام الممزقة ، وفي العراء في هذا الشتاء قارص البرودة متشردين في عشرات المخيمات والمدن المهدمة من العراق التي تحتاج الماء ورغيف الخبز لإطعام أطفالهم .

عودوا يا سادتي إلى "الشمندفر" المنسي والمهجور فلعل وزارة نقل كاظم فنجان ألحمامي تلتفت إليه وتطوره فيصبح قطارا كهربائيا سريعا معاصراً وصلت به دول العالم إلى سرع اقتربت من سرع الطائرات، ولتحوله إلى قطاع حضري وحضاري يوصل الناس بأمان إلى المدن البعيدة، من دون معاناة المشي والهرولات الفارغة التي لا تنجد حسينا أو تحي ذكرى عباس أو تعيد دفن الكاظم أو تمجد ذكرى وفاة العسكريين في سامراء.
 





السبت ١٠ ربيع الاول ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / كانون الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا. د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة