شبكة ذي قار
عـاجـل










شغل التّنظيم الإرهابيّ المعروف باسم داعش العالم وأصبح محطّ أنظار جميع المتابعين إعلاميّين وسياسيّين وحقوقيّين وغير ذلك منذ ظهوره في جوان 2014، واتّسم هذا التّنظيم بسمتين مميّزتين هما الغموض والمباغتة.

تمثّلت المباغتة في النّشأة المبتورة التي لم تمهّد لها أحداث سابقة ولا دواعي معروفة باستثناء تزامن خروج التّنظيم للعلن مع أحداث ثورة العراق وتقدّم المقاومة العراقيّة في غرب العراق وشماله وتهاوي الميليشيّات الطّائفيّة التي تسند العمليّة السّياسيّة في بغداد المحتلّة، بينما لفّ الغموض كلّ حيثيّاته وطبع غاياته باستثناء تلك الشّعارات الحماسيّة الداعية لإعلاء راية "الإسلام" والدّعوة للجهاد دون تحديد لمفهومه ولا لساحات عمله، وإحياء دولة الخلافة دون ضوابط. ولقد زاد من الذّهول المسيطر على متابعي طفوق هذا الوليد الغريب السّرعة القياسيّة التي صاحبت مبايعة أغلب التّنظيمات المتطرّفة المنتشرة في كثير من أجزاء هذا الوطن الجريح وخارجه وخصوصا أذرع تنظيم القاعدة وتعهّدها بالانقياد الشّديد لمقرّرات قيادة داعش وخططه ولم تخرج للعلن بعد.

وفي الحقيقة، فإنّ هذه الملابسات الغامضة لم تثن الكثيرين عن التّنبيه لطبيعة داعش والمهامّ القذرة الموكولة إليه، ولم تمنعهم من تعرية الجهات الواقفة خلفه والضّالعة في تأسيسه. إلاّ أنّ هذه الأصوات ظلّت قاصرة عن مجابهة المدّ الإعلاميّ الواسع الذي حرص على تثبيت داعش خطرا داهما على الإنسانيّة ومهدّدا لسلامة الكوكب الأزرق في مساعي حثيثة للتّعمية عن المرامي الحقيقيّة من ظهوره.

إذ لا يخفى على أحد إلاّ من أراد أن يبقى أسير الرّوايات المخادعة للمتحكّمين باللّعبة العالميّة، أن داعش ليس سوى خنجر جديد يغرس في خاصر الأمّة العربية وذلك لمزيد إنهاكها وتمزيق نسيجها المجتمعيّ وغير ذلك من الجرائم المرتكبة بحقّها، كما يبقى الهدف الأسمى من خلق داعش من قبل المخابرات الأمريكيّة والصّهيونيّة والفارسيّة تشويه الإسلام وضربه وتقويضه من الأساس وإلصاق تهم الإرهاب ومعاداة الإبداع والتّطوّر وتقديمه بالتّالي على كونه أكبر الأخطار المتوجّب صدها ومحاربتها.

ولتمرير هذه الألاعيب، باشر داعش بتنفيذ أعمال فاقت في وحشيّتها وبشاعتها وصدمتها كلّ حدود الخيال، وتزامن ذلك مع قدرته الفائقة على التّعبئة والدّعاية اتّضحت في المقاطع المصوّرة التي توثّق أشدّ أعماله ضراوة كحادثة مقتل الطّيّار الأردنيّ أو إعدام السّوريّين والعراقيّين ناهيك عن العبث بالمخزون الحضاريّ في الموصل وتدمر وغيرهما ناهيك عن حادثة الإيزيديّين وتبنّيه لأغلب الأعمال الإرهابيّة المسترابة التي ضربت أصقاعا مختلفة من العالم خصوصا في أروبّا الوطن العربيّ.

هذا ووجد صانعو داعش في هذا التّنظيم الدّمويّ ضالّتهم ليحشّدوا حشودهم ويستجمعوا أحلافهم مرّة أخرى ليزرعوا الموت بلا ورع في سوريّة والعراق وليبعثروا الأوراق مرّة تلو الأخرى. وتنصّلوا بالتّالي من إرثهم الإجراميّ الإرهابيّ متعكّزين على هذا البعبع، وتشدّقوا بمحاربته باعتبارها ضرورة الضّرورات.

وبتتبّع التصّريحات والمواقف الرّسميّة لقوى الشّرّ العالمية الضّالعة في إيجاد داعش، يخلص المرء للنّفاق المسيطر على أدائها وكذبها وسخريّتها من الشّعوب كافّة. حيث تغصّ التّقارير بمئات الشّواهد على مدى التّنسيق بين هذه الأجهزة وبين داعش بل إنّ ادّعاء محاربته لا يزيد في جوهره عن شمّاعة تمرير الخطط الاستراتيجيّة المعدّة للمنطقة والهادفة لمعاودة تقسيمها وإحالتها لإمارات مجهريّة متناحرة.

ويتّضح كذب المجتمع الدّوليّ بهذا الشّأن في العراق وسورية وتحديدا في الموصل والرّقّة، وكذلك في كبريات المدن اللّيبية خاصّة مدينة سرت .. ففي العراق يروّج أقطاب العمليّة السياسيّة لمحاربة داعش في الموصل ويقدّمون روايات كثيرة متناقضة تناقضا صارخا، وتبقى مدّة الحسم مزاجيّة مفتوحة فمرّة تتحدّث رئاسة الوزراء عن شهر ومرّة عن سنة فيما تتدخّل أمريكا لتتكلّم عن عشرين عاما بالتّمام والكمال للقضاء على داعش، وكذلك الرّوس والفرس في سوريّة.

إلاّ أنّ الفاضح والمريب، أنّه للآن لم نلامس رغم حجم النّار المفتوح على داعش مثلا أيّ عمليّة واضحة تفصح عن اعتقال المنتمين إليه ولا قياداته ولا غير ذلك سوى بعض الفقاقيع الإخباريّة ما بين الحين والآخر عن مقتل هذا القياديّ أو ذاك، ليحافظ التّنظيم على الضّبابيّة المطلقة من حيث أعداد عناصره ولا أماكنهم، بل إنّ هناك تقارير تتحدّث عن إشراف مدّعي الحرب عن داعش على توفير الظّروف لإعادة انتشاره بمنتهى الحريّة وبالتّنقّل من مكان لآخر في أرتال ضخمة تنجو من القبضة الرّقاباتيّة.

إنّ الغايات من خلق تنظيم داعش تتّضح يوما بعد يوم، وما كلّ هذا التّراخي والكذب المتواصل بشان التّصدّي لداعش إلاّ مؤيّد لهذا الحكم .. بل إنّ هذا يزداد تأكّدا بعدما رافق تطوّرات الملفّ السّوريّ والذي يسمه شبه إجماع على دحر دواعش سوريّة حسب التّسويق والقراءات الرّاهنة، حيث بات الحديث عن مصير هؤلاء بعد ان تنفض الحرب غبارها، لتطفو للسّطح مشكلة أخرى تشكّل أزمة سياسيّة حقيقيّة في الشّطر الإفريقيّ من الوطن الغربيّ وخصوصا تونس التي تشهد سجالا كبيرا يكاد يعصف باستقرارها حيث يطغى الحديث عن كيفيّة التّعاطي مع عودة الإرهابيّين التّونسيّين من ساحات الصراع خصوصا السّورية.

ففي تونس تتضارب الرّوايات وتتصاعد الأصوات متصارعة عن كيفيّة التّعامل مع هؤلاء ليطلع رؤوس السّلطة بالإجماع على أنّ استقبال الدّواعش يأتي في سياق خطّة عالميّة - والخطّة هي لتلطيف المصطلح المعبّر عن واقع الحال السّياسيّ وهو الإملاءات الخارجيّة خصوصا الألمانيّة - وهو الأمر الذي يشي بأنّ خطّة مّا تدخل طور التّنفيذ تستهدف مزيد تقويض أمن المغرب العربيّ بعد فاجعة ليبيا في الجزائر والمغرب وتكون بذلك تونس حاضنة لعناصر تنفيذ المؤامرة الجديدة من الدّواعش ما يؤكّد طبيعة الأدوار التي أنيطت بهم والتي اكّدنا منذ يومها الأوّل أنّها تهدف لضرب مجهودات المقاومة العراقيّة الباسلة وتعوّق عملها على تحرير العراق ناهيك عن تهيئة الأرضيّة والمناخ لتفتيت الوطن العربيّ مجدّدا لتحقيق الشّرق الأوسط الجديد وهو الذي عبّرت عنه إدارة الشّرّ الأمريكيّة كهدف استراتيجيّ من غزوها للعراق وإثارة الفوضى الخلاّقة في الجسد العربيّ برمّته.

أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في  ٦ / ١ / ٢٠١٧





الثلاثاء ١٢ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة