شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة : تشير الوثائق التاريخيّة أنّ جانباً من خصائص حياة الإنسان الثابتة على مستوى الأفراد والجماعات هو الصراع الذي يأخذ درجاتٍ مختلفةً بدءاً من التنافس المشروع والمطلوب لتقدم المجتمات وصولاً إلى الإلغاء الذي من أحد أوجهه هو القتل سواءَ كان فرديّاً أو جَماعيّاً. لقد تجلّت الحالة الأخيرة في كثيرٍ من الأحيان في حروب بين الجماعات والدول. هذه الحقيقة المرّة والسلبيّة في تاريخ البشريّة والموجودة بحكم الأمر الواقع المستند إلى رغبة الإنسان في السيادة والسيطرة على كلٍّ ما حوله، وعدم وجود سقفٍ أعلى لإشباع رغباته، والخوف من المستقبل المجهول، وتصدير أزماته الداخليّة دفعت إلى التفتيش عن تأمين مصادر القوّة سواءَ على الصعيد الفردي أو الجَماعي. لقد تمأسس ذلك عند وصول المجتمع البشري الى مرحلة الدولة بإنشاء أجهزة أمنيّة نراها منذ أمدٍ بعيدٍ وحتّى اليوم بصيغة جيوش مناط بها التعامل مع المحيط الخارجي سواءَ بالتوسّع وهذا ما أدّى إلى نشوء الإمبرطوريات عبر التاريخ، أو إلى الدفاع ضدَّ الأخطار الخارجيّة، هذا إضافةً إلى مساندة الأجهزة الأمنيّة الأخرى المولجة بحفظ الأمن في الداخل كأحد أبرز مهامّها. هذه الحالة موجودة الآن في جميع دول العالم باستثناء بعضها الذي صُنّف أو اختار طريق الحياد عند وجود قوتين أو أكثر تتصارع من أجل الإستفراد بالسيطرة على العالم أو الحصول على الحِصّة الأكبر من السيطرة، وأبرز مثال على حالة الحياد هو دولة سويسرا الإتحاديّة التي لم تبنِ جيشاً وإنّما اقتصرت مؤسساتها العسكريّة على الأجهزة الأمنيّة الأخرى.

العوامل الداخليّة والخارجيّة لإستهداف الجيوش العربيّة
إنّ الصراع الوجودي بين الأمة العربيّة والصهيونيّة العالميّة مدعومةً من قبل الإستعمار العالمي وخاصّةً ألولايات المتحدة الأميركيّة، واستعمارها الإستيطاني لفلسطين يضع الجيوش العربيّة في موقع الإستهداف المباشر وغير المباشر. وإضافةً إلى ذلك يوجد عدّة عوامل تسبّب ضعف أيّ جيش وتخفض من قدرته على حماية الوطن الذي ينتمي إليه، بعضها ذاتي وداخلي وبعضها الآخر خارجيّ. وتواجه الجيوش العربيّة بدرجاتٍ متفاوتة بعض أو جميع تلك العوامل ومن أهمّها:

1- خلل في تكريس العقيدة الوطنيّة الجامعة: إنّ المطلوب مؤسساتيّاً وقانونيّاً من المنضوين في سلك الجيش أن يتصرفوا بموجب صلاحياتهم وما يكلّفون به مع كل أفراد الشعب بمعاييرَ واحدة، وأن لا يُستَغلّ الموقع من قبلهم لتحقيق مكاسب شخصيّة خارج نطاق الإستحقاق، أو تمرير مخالفات، أو تسهيل تمريرها. إنّ ضعف التأهيل على مستوى العقيدة الوطنيّة الجامعة تضعف ثقة الشعب بمؤسساته العسكريّة ممّا يؤدّي إلى تراجعها مهما بلغت قدراتها عدداً وعِدّة وتدريباً. وبما أنّ القيادة السياسيّة العليا هي المسؤولة عن تحديد مهمات الجيش تبعاً لتقدير الأخطار الخارجيّة والداخليّة على الأمن الوطني فهي المسؤولة عن وضع الضوابط المفصليّة لتكريس المنهج الوطني الجامع وذلك بوضع استراتيجيّة دفاعيّة تتلاءم مع كلّ مرحلة زمنيّة تحدّد العدوّ أو الأعداء ومتطلبات المواجهة، أمّا التطبيقات فتبقى من مهامّ القيادات العسكريّة المتخصِّصة.

2- خضوع الإنتساب والترفيع إلى المحسوبيّة والرشوة: إنّ خضوع الإنتساب والترفيع والتكليف بمسؤوليات ومهامّ قياديّة داخل المؤسسة العسكريّة إلى المحسوبيّة والرشوة التي قد تصل إلى درجة شراء الرتبة العسكريّة أو الموقع القيادي يضعف الجيش. فمن ينتسب ويتمّ تدرّجه استناداً إلى المحسوبيّة سيكون ولاؤه لمن عيّنه ورفع رتبته فعليّاً وليس لرؤسائه المباشرين في المؤسسة طبقاً لأنظمتها وقوانينها، ومن يعتمد الرشوة سبيلاً لذلك سيخضع لاحقاً لمنطق الفساد تماماً كالنائب الذي يفوز بمقعد في البرلمان بشراء الأصوات وليس بقناعة المواطنين، فيصبح البرلمان بالنسبة له سبيلاً للإستثمار وليس للقيام بواجباته التشريعيّة، ومراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذيّة، ومتابعة قضايا الناس لدى الجهات المختصّة.

3- ضعف رعاية ومتابعة القيادتين السياسيّة والعسكريّة العليا لبعثات التعليم والتدريب: إنّ ضعف القيادتين السياسيّة والعسكريّة في رعاية ومتابعة البعثات التي تُوفد الى الخارج للتعليم أو التدريب قد يوقع بعض الأفراد في شباك قوى معادية، إذ أنّ كلّ دولة تحاول إحداث اختراقات حيثما تستطيع في الدول الأخرى فتحاول استمالة بعض الأفراد المشمولين في البعثات وتجنيدهم لصالحها بالترغيب والوعود، أو أيّة وسيلة أخرى ممّا يودّي إلى زعزعة إستقلاليّة وأمن الجيش والمؤسسات الأمنيّة الأخرى وطنيّاً. كما أنّ إعطاء أرجحيّة للخبراء العسكرييّين الوافدين للتدريب على الخبراء الوطنيّين يعتبر سمةً سلبيّةً في بناء الجيوش خاصّةً وأن الأمة العربيّة بجميع أقطارها تواجه العدوّ الصهيوني الذي له أذرع أخطبوطيّة في أكثر من دولة في العالم، بعض تلك الأذرع قد تكون قادة أو خبراء عسكريّين وأمنيّين.

4- تسييس الجيش : في كلّ دولة من دول العالم أحزاب وقوى سياسيّة تسيطر على قيادة البلاد وتتحملّ مسؤوليةً بدرجات متفاوتة سواء كانت في الموالاة أو المعارضة، وبصرف النظر عن طبيعة النظام يحاول كلّ طرف سياسيّ رفع عوامل قوّته التي يجب أن تعتمد على كفاءته في إقناع أكبر عدد من الشعب بمنهجه السياسيّ وبرنامجه لإدارة البلاد، ولكن يحاول البعض أحياناً شدّ ولاء أفراد من القوات المسلّحة إلى جانبه بدل المحافظة على نهج إبعادهم عن التمحور السياسي الفئوي، والتزامهم كليّاً بالأوامر والتعليمات حسب التسلسل العسكري الهرمي وصولاً إلى القائد العامّ للقوّات المسلّحة الذي غالباً ما يكون رئيساً للسلطة التنفيذيّة والمؤتمن على متابعة تنفيذ الإستراتيجيّة الدفاعيّة المحدّدة من قبل القيادة السياسيّة.

إنّ عدم تسييس الجيش يبعده عن الزاوية القاتلة إذا ما أعتبر حامٍ للنظام أو أطرافاً فيه وليس كما يجب أن يكون حامٍ للوطن. إنّ أعلى درجة من درجات إقحام الجيش في السياسة هي في الدول التي لا تستطيع القوى السياسيّة إدارة البلاد، وأن إمساك الجيش بمفاصل السلطة، أو طموحات لقادة عسكريّين للوصول الى السلطة، تخضع الدولة إلى حكمٍ عسكريّ سواءَ بصيغة الإنقلاب أو إجبار الحاكم المدني على الإستقالة. هذه الحالة تحدث عند التحوّل التاريخي للدولة من مرحلة إلى مرحلة أخرى كالإستقلال بعد انتداب أو إستعمار خارجيّ، أو إرتفاع وتيرة الإضطرابات الداخليّة التي تهدّد وحدة البلاد واستقرارها. وهذا ما يؤدي غالباً إلى استئثار القطاع العسكري بالسلطة دون بذل أيّ جهد أو وضع أيّةَ آليّة لإعادة السلطة إلى حالتها المدنيّة، واعتماد مبدأ تداول السلطة المبني على الأكثريّة التمثيليّة الشعبيّة التي تحظى بها الأحزاب السياسيّة سواءَ في انتخابات نيابيّة أو رئاسيّة. هذا بشكل عام أما في الوطن العربي فقد تفاوتت النسبة المئويّة التي توالى فيها عسكريّون قادمون مباشرةً من المؤسسة العسكريّة على رئاسة الدولة، إذ بلغت في كلّ من جيبوتي (1977-2016): صفر، وجزر القمر (1975-2016): 4، ولبنان (1943-2016): 34، والعراق (1958-2003): 38، وسوريا (1943-2016): 66، والسودان (1956-2016): 88، واليمن (1962-2016): 96، ومصر بعد الإطاحة بحكم الملك فاروق وعزل نجله أحمد فؤاد الثاني في 18 حزيران 1953: 97. وبصرف النظر عن إنجازات وإخفاقات الحاكم القادم من المؤسسة العسكريّة فإنّ ذلك لا يشير إلى حالة طبيعيّة في الدولة، لأن الحكم العسكري ومبدأ تداول السلطة التي يجب أن تنبثق عن إرادة الشعب لا يتماهيان مهما كانت المبرّرات. فإذا كانت البلاد في حالة الأزمات الداخليّة أو التحدّيات الخارجيّة تستدعي تدخّل الجيش لوضع الأمور في نصابها فهذا لا يعفيه من إعادة الأمور إلى حالتها المدنيّة الطبيعيّة وليعود للقيام بواجباته العسكريّة الأساسيّة، وخضوعه للقرار السياسي والإستراتيجي التي تحدّده القيادة السياسيّة في البلاد.

من حقّ أيّ قائد عسكريّ أن يتولّى أيّةَ مسؤوليّة مدنيّة بموجب القانون بما فيها الموقع الأول في الدولة بعد تقاعده، ولكن ليس مبرّراً وطنيّاً أن يستأثر بسلطة كان قد تولاّها لضروراتٍ وطنيّة في فترةٍ إنتقاليّة.

5- زجّ الجيش في الصراعات الداخليّة وعدم الحفاظ على حياديّته: في الدول ذات الأنظمة التي تعتمد توزيع السلطة بين مكونات عرقيّة أو دينيّة ولم تصل إلى مرحلة الدولة المدنيّة بمفهومها العصري القائم على مبدأ المواطنة الفعليّة، وخلال الأزمات الداخليّة أو الإنتفاضات الشعبيّة للمطالبة بالإصلاح ورفض ممارسات السلطة القمعيّة وانتهاكها لمبادئ حقوق الإنسان الأساسيّة قد يتعرّض الجيش لهزّات كبيرة كانشطاره إلى مجموعات تواجه الواحدة الأخرى، أو خروج أفراد أو مجاميع لا ترى في ممارسات الجيش ما يتوافق مع حقوق أو مصالح الفئة التي ينتمون إليها في المجتمع سواء بالمنظور السياسي والفكري، أو الهويّة العرقيّة أو الدينيّة الفئويّة.

لقد شهد لبنان خلال الحرب الأهليّة والإحتلال الصهيوني للجنوب ظاهرتين طالتا وحدة الجيش هما جيش لبنان العربي الذي تماهى مع الحركة الوطنية، وجيش لبنان الجنوبي المتعاون مع قوّات الإحتلال، واحتوى كلا التشكيلين عناصر أو مجاميع من الجيش اللبناني الوطني. وفي سوريا ونتيجةً لفشل النظام والمعارضة في احتواء الأوضاع مبكّراً في عام 2011 والوصول إلى حلّ سياسيّ لمرحلةٍ إنتقاليّة تمهّد لمرحلة جديدة تتميّز بالإستقرار والديمومة، أدت تداعيات الأزمة وإدخال الجيش في قمع المظاهرات السلميّة إلى إنشقاق بعض المجاميع التي شكلت الجيش السوري الحرّ، وإلى تدويل الأزمة على الصعيدين العسكري والسياسي، ودخول ميليشيات مذهبيّة يتم توجيهها وتمويلها وتجهيزها من جهات خارجيّة سواءَ حسِبت في خانة النظام أو المعارضة. أو لها برنامجها الخاصّ وارتباطات متباينة على خطّ الأزمة. ونتيجةً للحرب التي شنها الحلف الأطلسي على ليبيا وتدمير قواتها المسلحة، وإسقاط نظامها الوطني ظهرت ميليشيات إضافةً إلى الجيش الذي يقوده خليفة حفتر والذي لا يزال خاضعاً للتشكيك وعدم الإعتراف به على الصعيد الوطني الجامع من قبل عدد كبير من الأطراف السياسيّة والمجاميع العسكريّة ممّا يشكل مأزقاً مضافاً في تأخير الوصول إلى حلّ سياسيّ شامل في البلاد. إنّ أعلى درجة من درجات حياديّة المؤسسات العسكريّة والأمنيّة في فترات الأزمات السياسيّة تجلّت في تونس خلال وبعد إسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، ممّا كان له تأثير إيجابي على مسار التغيير وحال دون تعميق الشرخ بين أطراف السلطة الجديدة، وحدوث إقتتال داخلي واسع، وتدمير، وتهجير وما إلى ذلك من مظاهر كارثيّة شهدتها أقطار عربيّة أخرى وخاصّةً ليبيا وسوريا واليمن. هذا إن دلّ على شيئ فإنّه يدلّ على النهج المؤسّساتي الذي اعتمده الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبه.

6- حلّ الجيش الوطني وتأسيس ميليشيات: لقد اتخِذ هذا الإجراء في عدد من الأقطار العربيّة عند حدوث حروب أهليّة أو تعرّض الدولة للإحتلال من قبل دولة أخرى تعمل الأخيرة على تدمير كل عوامل القوة لدى الدولة المحتَلّة لتمكنها من السيطرة، ومن ثمّ تركيب قوة أو قوى عسكريّة بديلة أو رديفة تكون إمّا تابعةً لها مباشرةً، أو على الأقلّ لا تشكّل خطراً على ديمومة احتلالها. ففي السودان أنشئ الدفاع الشعبي بعد استلام الرئيس الحالي عمر حسن البشير السلطة في 30 حزيران 1989، وشُرِّعَ بقانون في 5 ت2 من العام نفسه كقوة رديفة للجيش تتمتع باستقلاليّة وتخضع لسلطة رئيس الدولة. وفي الصومال تمّ تسريح القوّات المسلّحة في أعقاب الحرب الأهليّة والإطاحة بنظام الرئس محمد سياد بري عام 1991، وحتّى الآن لم تستطع السلطة في مقديشو أن تبني جيشاً قويّاً لا عدداً ولا عدّةً لتأمين إعادة توحيد البلاد أو حتّى حفظ الأمن في مناطق سيطرتها. أنّ أعلى درجة من درجات استهداف الجيوش العربيّة بطريقة الحلّ حدثت في العراق، إذ حُلَّ الجيش العراقي إضافةّ إلى وزارتي الدفاع والإعلام، وأُلغي عدد من الأجهزة الأمنيّة بقرار من الحاكم الأميركي بول بريمر في 23 أيار 2003 أي بعد أقلّ من شهر ونصف الشهر من الإحتلال وكأنّ القراركان متّخذاً سلفاً. لقد كان حلّ الجيش العراقي مقدّمةّ لتفعيل دور الميليشيات التي تجلّت بإنشاء ما يسمى بـ"الحشد الشعبي" مدعوماً بفتوى "الجهاد الكفائي" الصادرة عن المرجع علي السيستاني في 13 حزيران 2014، وهو الذي رفض الدعوة للجهاد خلال وبعد احتلال العراق. واُقرّ الحشد لاحقاً بقانون صادر عن مجلس النواب في 26 ت2 2016، إذ جاء في البند الأول من الفقرة الثانية للمادة الأولى في القانون ما يلي: " يكون الحشد الشعبي تشكيلاّ عسكريّاً مستقلاًّ وجزءاً من القوات المسلّحة" وأعفي الإنتساب والترفيع من شروط العمر والشهادات. ورغم الإعلان عن أنّ تكوين الحشد الشعبي هو من المتطوعين فإنّ الوقائع تدل على أنّه يتكوّن من 67 فصيلاً من الميليشيات التي لا مجال لذكرها هنا، والتي تشير أسماؤها وأسماء قادتها إلى أنّها فصائل طائفيّة ومذهبيّة وليست تجسيداً لحالة وطنيّة جامعة كما يحاول البعض الترويج له وتغطية إنشائه وممارساته في التدمير والقتل والسرقة والتهجير، وتبعيّة قراره لإيران عبر مندوبها قاسم سليماني.

قد يكون ضمّ عناصر الميليشيات الناشئة، في مراحل الأزمات الوطنيّة والحروب الأهليّة الى الجيش الوطني منطقيّاً، ولكن بوجوب أن يلتحقوا إلى ألوية وفرق الجيش وتشكيلاته الأخرى بشكلٍ فرديٍّ مستقلّ ويوزّعوا على القطاعات بعد إعادة تأهيلهم وفق العقيدة الوطنيّة الجامعة التي تعتبر من أهم مقوّمات بناء الجيوش. أما اعتبار الحشد الشعبي تشكيلاً عسكريّاً مستقلآًّ فإنما يدل على مخطَّط تهميش الجيش العراقي النظامي حتّى بصيغته التّي تكوّنت بعد الإحتلال ما دام يشمل كل العراقيّين. كما أنّ إنشاء تنظيمات ميليشياويّة ذات طابع طائفيّ، أو مذهبّي أو أثنيّ كالحشد الشعبي، والحشد الوطني، والبيشمركة يمهّد لتأسيس هياكل أمنيّة تكون مقدّمةً لتقسيم العراق استناداً إلى مشروع نائب الرئيس الأميركي الأسبق جو بايدن ألمعلن عنه عام 2014 والذي صوّت الكونغرس الأميركي عليه في العام 2007، وكأنّ العراق ولايةً أميركيّةً وليست دولة مستقلّة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة. وقد اقتبس النظام السوري فكرة إنشاء تشكيلات ميليشياويّة فأعلن في 22 ت2 2016 إنشاء الفيلق الخامس إقتحام. وإذا كانت التشكيلات الميليشياويّة في الأقطار العربيّة الأخرى قد اقتصرت على مواطني كل قطر فإنّ الخطورة في إنشاء هذا الفيلق في سوريا تكمن في احتمال ضمّه عناصر غير سوريّة وحتّى غير عربيّة إلى صفوفه بسبب ضعف الإستجابة من المواطنين السوريّين والحاجة إلى العدد الكافي للقيام بمتطلبات القتال.

7- ظهور حركات سياسيّة وعسكريّة لا تعترف بكلّ ما هو قائم: لقد ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين وحتّى الأن حركات سياسيّة وعسكريّة تقع ضمن خانة ما يُسمّى "الإسلام السياسي" ترفض كلّ ما هو قائم، وعملت وتعمل على إنشاء نظم جديدة، وبالتالي يكون من أهمّ أهدافها ضرب مقوّمات القوّة لدى الأنظمة والدول المراد تدميرها ومن أهمّها الجيش. إنّ أبرز تلك القوى وضوحاً في هذا المجال هي داعش، التي، بصرف النظر عن إستقلاليّتها أو إرتباطاتها الخارجيّة المشبوهة، تستهدف الجيوش العربيّة والمؤسسات الأمنيّة الأخرى حيثما كان للتنظيم تواجد كما في مصر (سيناء)، وليبيا (سرت)، وتونس (بن قردان)، وفي أماكن مختلفة في الجزائر، والأردن، ولبنان، وسوريا، والعراق والسعوديّة، واليمن، ودول أخرى غير عربيّة. وفي كثير من الأحيان لا يقتصر استهداف هذا التنظيم وما شابهه المؤسسات العسكريّة والأمنيّة المحسوبة للنظام، بل أحياناً قوىً سياسيّةً وعسكريّةً معارضة، والتي تعتبرها منافساً مستقبليّاً محتملاً يشكل خطراً على استراتيجيتها الخاصة. ولا تتوانى تلك التنظيمات عن استهداف المدنيّين كذلك.

خلاصة : الجيش هو أحد أعمدة الوطن وضمان أمنه واستقراره، ولكي يتمكّن من الحفاظ على هذه السمات وتحقيق الأهداف المناطة به، ويحظى بثقة المواطنين، والإقرار بدوره، من الضروري أن تتحمّل كلّ مكوّنات الوطن، بما في ذلك عناصر المؤسسات العسكريّة في كل دولة من الوطن العربي وفي المقدمة منها الأحزاب السياسيّة سواء كانت في الموالاة أو المعارضة، مسؤوليّة الحفاظ على الجيش الوطني من خلال: الحفاظ على حياديّة الجيش وعدم تسييسه، وإحترام مبدأ الحكم المدني وتداول السلطة استناداً إلى الإرادة الشعبيّة التي تعبر عن نفسها بالإقتراع وفق قوانين إنتخابيّة تؤمن فعليّاً تحقيقها والإقلاع عن منهج الإنقلابات العسكريّة، وتحصين الجيش الوطني ضد الإختراق من قبل المخابرات الخارجيّة والإعتماد على الخبرات الوطنيّة في التدريب ورعاية بعثات التعليم والتدريب العسكري، وتأمين الأسلحة المناسبة بما يتناسب مع التحدّيات الخارجية والسعي إلى الإعتماد على الذات في تصنيع وتطوير الأسلحة، والتأكيد على العقيدة الوطنيّة الجامعة بأنّ الجيش هو حامٍ للوطن وليس للنظام أو فئات في الوطن، واعتبار إنشاء أيّ قوى عسكريّة رديفة للجيش هي ذات طابع مرحليّ ومؤقّت وتطوعي وليس بصيغة مؤسسات مستقلة ذات صفة دائمة، وتحاشي ضمّ الميليشيات بعد الأزمات الداخليّة أو الحروب كتشكيلات، وإنّما بفتح المجال للأفراد للإنضمام للمؤسسة العسكريّة وإخضاعهم للتدريب والتوجيه ليتكامل دورهم في الجيش.





السبت ٢٣ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور علي بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة