شبكة ذي قار
عـاجـل










دروس الطبيعة تعلمنا ان كل الزلازل الكبيرة على مقياس ريشتد يتوقع منها بعد كل هزة كبرى وزلزال قوي تعاقب سلسلة من الهزات تسمى المرتدة، تتناوب في الاهتزاز التدريجي بدرجات اقل ثم الأقل، ثم سرعان ما تخفت تماما، رغم بقاء حالات استشعار مرهفة الحساسية لترددات اهتزازات متناهية في الصغر تأتي تباعا من أعماق شرخ الأرض الزلزالي البعيد.

ويبدو ان النظام الفارسي الإيراني الذي تعلم من مكر التاريخ والتجارب المعاصرة، يريد تطبيق قواعد الاهتزاز المرتدة في العراق وتوظيفها بخسة ودناءة، ولو بتحقيق سيناريو معاكس تماما ، بعد استشعاره ويقينه، وتوقعه لحالة مواجهة مرتقبة بزلزال صادم له مع الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب.

ولا شك ان العراق سيكون هو الضحية الأولى في كل الأحوال في أي صدام مرتقب بين أمريكا ترامب وإيران خامنئي، فمسرح العمليات على الأراضي العراقي يحضر الآن بسرعة لكل طرف من طرفي الصراع الإيراني الأمريكي المرتقب.

ان أي هجوم أمريكي مرتقب على ايران لا بد ان يؤمن له الأمريكيون جيدا خلفية وترتيبات جيوسياسية وإستراتيجية محسوبة بدقة، انطلاقا من المحيط الجغرافي الإيراني، وخاصة في مناطق العراق والخليج العربي والجزيرة العربية وباكستان وأفغانستان وحتى تركيا وسوريا ولبنان واليمن.

ولا تستبعد التصريحات الأمريكية ان لعبة الحرب على داعش وأخواتها ستطول لمدة تتجاوز ستة أشهر على اقل تقدير، وقد تمتد إلى سنة أو أكثر، لذا كان لا بد من تعبئة القواعد الأمريكية وإعدادها في مناطق العراق خاصة، ومواجهة كل الاحتمالات.

وكما تشير بعض الأنباء ان القواعد الجوية الأمريكية تستقبل الآن عشرات الآلاف من الجنود والمعدات الجديدة والطائرات والاعتدة، موزعة في قواعد البغدادي والقيارة وصلاح الدين وفي قواعد أخرى جديدة، تُعد بشكل استعجالي في مناطق أخرى في شمال العراق خاصة.

ولكي لا يؤخذ الأمريكيون على حين غرة من قبل ايران ومليشياتها فأن الإدارة الأمريكية قد حذرت خبراءها وموظفي سفاراتها في العراق والمنطقة والابتعاد عن التواجد والإقامة في الفنادق والاقامات الخاصة ببغداد وغيرها؛ خشية التعرض للتفجيرات والخطف والاستهداف من قبل أنصار ايران وتوابعها.

ولا شك ان ايران قد استبقت الاستعدادات الأمريكية في العراق، فبدلت سفيرها السابق في العراق بسفير جديد هو الجنرال إيرج مسجدي، المرتبط مع كبار الشخصيات النافذة في حكومة بغداد، ويعتبر أحد أبرز المقربين لقادة المليشيات الطائفية وعصابات الجريمة المنظمة ومافيات الفساد ، وله رأي يطاع في توجيه هؤلاء ؛ وهو ما أنتج وجوداً قوياً ونفوذا مطلقا للمليشيات في البلاد، خاصة بعد تنصيب قاسم الاعرجي، وزيرا جديدا للداخلية ،وهو احد نواب هادي العامري من فيلق بدر الذي يشرف عليه مباشرة الجنرال قاسم سليماني.

تاريخ إيرج مسجدي في العمل ألاستخباري والعسكري وخبرته الميدانية، وثقة حكومة طهران العالية به جعلته يصل لمرتبة كبير مستشاري قيادة الحرس الثوري الإيراني، مما يؤهله لمنصب السفير الإيراني الجديد في العراق، البلد الذي تعتبره طهران إحدى ساحاتها القتالية لدرء المخاطر عن الداخل الإيراني في حالات نشوب صراع ما مع الأمريكيين وغيرهم ، وليس صدفة أن أعلن عن تعيين مسجدي سفيراً في العاصمة العراقية، في 11 يناير/كانون الثاني 2017، خلفاً للسفير حسن دانائي فر ، بل استباقا مدروسا لتاريخ تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في العشرين من يناير 2017/ كانون الثاني .

الجنرال إيرج مسجدي، مساعد قاسم سليماني، وذراعه الأيمن، باشر باستخدام وتحريك اذرعه المحلية من المليشيات الطائفية وتعبئة الحشد والكتل السياسية المرتبطة به لخلق حالة من الفوضى اللا خلاقة في العراق، استعدادا مع توقيت تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة حيث بدأت بتصعيد حالات الخطف والاغتيال في المناطق التي تراها ايران أنها "سنية" ، وإثارة القلق الطائفي في وسط ومحيط مدينة سامراء والطارمية والتاجي ومناطق محيط بغداد في المدائن وجرف الصخر وشمال بابل، واستمرار هجومات جديدة مجهولة، غالبا ما تنسب إلى فلول داعش، في شرق وغرب محافظة صلاح الدين في الدور والحويجة وغيرها والإعلان عن اكتشاف حالة لمقبرة جماعية جديدة فيها مئات الجثث المجهولة وجدت مرمية ومقطعة الأوصال ومسربة إلى مجاري الصرف الصحي في المحاويل.

كل ذلك يأتي متزامنا مع تسريب خبر قرار الحكومة العراقية بالتنازل عن خور عبد الله، وتلاه تحريك الأدوات المطلوبة لخلق حالة احتجاج وهيجان جماهيري معين، ومفتعل في بعض تفاصيله وجزئياته الملاحظة إعلاميا وميدانيا، وهو احتجاج متحكم به في الشارع، غالبا ما يسند الدور به إلى كومبارس يقوم به جماعة التيار الصدري خاصة، تتصارع فيه ظاهريا إرادات الأجنحة الشيعية المؤتلفة في التحالف الوطني وتكالبها على المناصب والتهيئة لانتخابات جديدة يحضر لها بشكل ما، وتتصاعد الحملات الإعلامية من خلال بعض المزايدات والمهاترات اللفظية الإعلامية بين الكتل الحاكمة، ظاهرها حول صفقات الفساد ، وحتى الاتهامات ببيع أراضي عراقية والتخلي عن مياه إقليمية عراقية من محافظة البصرة، والتنازل عنها لدول الجوار ، وتسريب أخبار عن سرقات أراضي عراقية وآبار نفطية شرق العمارة يوم 9 شباط/ فيفري 2017 ، من قبل ايران ، بما فيها ورود أخبار عن رفع أعلام إيرانية على مناطق لحقول نفطية عراقية في شرق محافظة ميسان،.

ويجري دفع بعض الصدامات إلى الشارع وصولا إلى تنفيذ بضعة اغتيالات مرتبة لرجال الدين السنة والشيعة، منها حادثة خطف وقتل عبد الله الزيدي إمام جامع المشتل غربي بغداد الأسبوع المنفرط، واغتيال باسم الصافي الأمين العام لحزب الله العراقي في منطقة الحيانية في البصرة يوم 8 شباط الجاري، وتصعيد احتجاجات عشائرية ومحلية ضد دولة الكويت لجر الكويتيين نحو ردود فعل تخلق ردود فعل معينة بتصعيد إعلامي وسياسي لخلق حالة التوتر بين العراق والكويت، وآخرها الإيعاز إلى مقتدى الصدر للعودة إلى لعبة التظاهر المليونية يوم الأربعاء 8 شباط 2017 والتمترس في الشارع بذكرى نصب الخيمة الخضراء، واحتلال ساحة التحرير وساحة الحرية والطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء بحجة المطالبة، هذه المرة، بحل المفوضية العامة المستقلة للانتخابات، والتهديد باقتحام المنطقة الخضراء يوم السبت القادم.

ولا يستبعد ان تتدخل المرجعيات العتيدة التي استهدفها الإعلام الأمريكي أخيرا بصراحة غير معهودة ، وخاصة مرجعية السيستاني، المتهمة من قبل وزير الدفاع الأمريكي الجديد جيمس ماتيس بوصفه لها بأنها عش دبابير الفساد المالي والسياسي في العراق ، لتدفع وتحول تلك المرجعيات جمهورها المتظاهر ضد مفوضية الانتخابات وفسادها ، رغم تواجد في إدارتها من أنصار التيار الصدري أربعة مدراء عامين، ومئات الموظفين، ولكي يتم تحويل التظاهرة وشعاراتها إلى الدفاع عن سمعة المرجعية السيستانية والهتاف من جديد " الموت لأمريكا" ، وبذلك تتحقق حالة الضغط المطلوب على محيط وأبواب السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، أملا في أن يراجع دونالد ترامب تهديداته ومخططه الرامي لضرب ايران، كما هو جاري وحاصل في الإعلام.

ان كل ما يجري في مسرح الأحداث في العراق من قبل ايران هو خلق حالة احتراب عراقية شاملة، احتراب شيعي ــ شيعي، و سني ــ سني، وحتى كردي ــ كردي، وتداخلات طائفية واثنيه وجهوية بينها تكون معقدة بصراعات أخرى؛ كي تشغل العراقيين عن أية استجابة وطنية موحدة لانتفاضة شعبية متوقعة، قد تترافق مع أية أحداث عسكرية مرتقبة بين أمريكا وإيران.

وتسعى ايران وأدواتها المحلية في العراق إلى خلق حالة الفوضى المطلوب قيامها في العراق الآن خاصة، لمنع الفرصة التاريخية لخلاص العراقيين من الهيمنة الإيرانية الصفوية، ووضع إدارة ترامب أمام استفزاز وضغط من داخل العراق، تحول عن نيته مهاجمة ايران أو طردها من العراق.

ان القوى الوطنية والقومية والاسلامية في العراق عليها ان تعي كل هذه السيناريوهات الإيرانية منها والأمريكية والإقليمية الأخرى، ولا بد من العمل وبحزم وسرعة على تصليب وحدة قواها الوطنية وتوعية الشعب العراقي من كل هذه الأخطار، وقيادته نحو انتفاضة عراقية حقيقية مستفيدة من حالة الغليان الشعبي الكبير، وتطلع أبناء شعبنا نحو الخلاص والتحرير.

ان قوى المقاومة العراقية عليها الاستجابة لمتطلبات الظرف السياسي والاستراتيجي لتكون حاضرة بقوة على مسرح الأحداث، بعد ان غيبها ،ظرفيا، ظهور داعش ، ولا بد من تجاوز حالة تشتت جماهيرها الحاضنة، ومطاردة كوادرها وتفرقهم في مأساة النزوح والتهجير القسري والملاحقة والاجتثاث والقمع اليومي غير المنقطع.

وما لم تبادر جميع القوى الوطنية المخلصة لشعار تحرير العراق إلى فتح قنوات الحوار والالتقاء وإعلان صيغ سياسية وتعبوية أكثر فعالية في توحيد الصفوف فان المخططات الإيرانية ستحول ساحة اصطدامها مع الأمريكيين على أراضي العراق إلى مذابح ومجازر للعراقيين، يذهب في أتون جحيم الحرب الأهلية المرتقبة ، والمطلوبة إيرانيا، مئات الألوف من الضحايا، وستطال العراق كله حالة الدمار الاشمل.

ولا يستبعد من نتائج ذلك كله تنفيذ مشاريع تقسيم العراق الموضوعة على مذبح وطاولات الأطماع الأمريكية والصهيونية والإيرانية ضد العراق.





الجمعة ١٣ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب هيئة تحرير موقع الجبهة الوطنية نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة