شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ أن أصبح العراق هدفاً عسكرياً لآلة الحرب الأميركية، لم تعد الملاجئ المدنية تشكل ملاذاً آمناً للأبرياء من شيوخ وأطفال ونساء. ففي مناظير الوحشية الرأسمالية كل شيء مستباح طالما أنه يملأ جيوب الرأسماليين من الذهب والفضة. ولا ضير في أن تساوي حياة طفل ملغراماً من الفضة في المناظير الرأسمالية. ولا ضير أيضاً من أن يساوي تدمير أضخم المباني التزام ( إعادة إعماره ) بواسطة رأسمالي جشع لم تشبع نهمه بلايين الدولارات.

ومنذ أن وطأت أول قدم فارسية أرض العراق تحت حماية أميركية، تفجَّرت أحلام حاكم ( ولاية الفقيه ) لبناء إمبراطورية كسرى ثانية. فراح يستبيح دماء أطفال العراق ونسائه وشيوخه، ولم تعد تساوي حياة عراقي في مناظيره أكثر من حصاة تسهم في بناء صرحه الإمبراطوري. فوسَّع من جرائمه على حساب العراق والعراقيين ليبني من جماجمهم قواعد لأحلامه الإمبراطورية.

ومنذ أن استمرأ العملاء والخونة طعم السلطة، بحماية أميركية وإيرانية، حتى تفجَّرت براكين أطماعهم في تجميع الثروات من دماء أهلهم وبني قومهم، ولا ضير بمناظيرهم من أن تساوي حياة طفل أو امرأة أو مسنٍّ درهماً يُضاف إلى ثرواتهم حتى تكدَّست بالحجم الذي لم يروه في أحلامهم.

ونحن نستذكر تلك العقائد التي جُبِلت عليها نفوس الثلاثي الأكثر إجراماً في تاريخ الكون، لم تعد الجرائم التي ترتكب في الموصل لتفاجئنا على الإطلاق. فمن آمن بالجريمة قانوناً لتحقيق رغباته، يمكنه أن يرتكب جرائم أفظع من الجرائم التي يرتكبها الآن، طالما أنها تصب نتائجها في جيوب تجار الإنسانية والدين والأخلاق.

لم تكن المجازر التي يرتكبها التحالف الأميركي – الإيراني في مدينة الموصل المجزرة الأولى ولن تكون الأخيرة. فقد سبقتها جرائم ملجأ العامرية، والحويجة والفلوجة والرمادي وديالى .... وقد ترتكب جرائم أخرى أشد فظاعة وإجراماً، ما لم يقف العالم وقفة جريئة ولو لمرة واحدة، ليقولوا لأباطرة أميركا وإيران: كفاكم سفكاً لدماء الأبرياء، وكفاكم سفكاً بحقوق الشعوب بتقرير مصيرها. وما لم يقف العرب وقفة، ولو واحدة، ليقولوا لتحالف الشر الثلاثي، أميركا وإيران وعملاؤهما: إن أرض العرب للعرب. وثروات العرب للعرب. وحماة العرب هم عرب. وتطبيق الديموقراطية في بلاد العرب لم يطلبها أحد منكم، بل ديموقراطية العرب يجب أن تكون صناعة عربية، وإعمار بلاد العرب بأيد عربية، ولا إمبرطور على العرب غير عربي.

وإذا كان العالم لم يهتز أمام هول جريمة ملجأ العامرية، ولم يهتز أمام جرائم الفلوجة والرمادي والحويجة، فهو لن يهتز أمام هول جرائم ملاجئ الموصل، ولكن على مجرمي العصر أن يتعظوا من دروس الإمبراطوريات التي دالت في التاريخ، من الإسكندر إلى الرومان. من هولاكو إلى جنكيزخان وتيمورلنك. من الحروب الصليبية إلى غزوات نابليون بونابرت. من بريطانيا وفرنسا إلى أميركا وغيرها. وإذا كانت محطات تلك الهمجيات بدأت في هذه المنطقة المقدسة، فهي انتهت أيضاً على أراضيها، وبأيدي أبنائها. وكما دارت الأيام على شعوب المنطقة، ودالت الدول الطامعة فيها، فهي ستشهد دورة أخرى لطرد الطامعين الجدد على أيدي أبطال عرب.

وإذا كانت أرض الموصل اليوم تشهد عرض مسرحية جريمة أخرى، لتطويع إرادة الموصليين، فلن تكون نهايتها غير تلك التي عرفتها نهاية مسرحيات جرائم أخرى عُرضت على مسرح أرضنا.

وإذا كان الحق لا يضيع ووراءه مطالب، فإن تحرير الأرض حق طالما يقف وراءه مقاتل. وإذا كانت إمبراطوريات التاريخ هُزمت في مواجهة الأبطال العرب، فنزعات الأميركيين والإيرانيين الإمبراطورية ستُهزم في مواجهة أبطال عرب نذروا أنفسهم وحياتهم من أجل أمتهم.

وأخيراً إلى الأميركيين الحالمين بشعار ( لكي تعمِّر عليك أن تدمِّر ) . وإلى الإيرانيين الحالمين بشعار ( إذا سيطرت على أرض فاقتل نساءها وأطفالها وشيوخها، واقتلع شجرها، ودمِّر حجرها ) ، ننذرهم بأنهم سوف يدفعون مما جنت أيديهم كرهاً وحقداً من الضحايا الذين فقدوا أبناءهم، أو من الأبناء الذين فقدوا آباءهم. كما أنهم سيدفعون الثمن من لعنات مواطنيهم ممن تستفيق ضمائرهم على هول الجرائم التي ترتكبها إيادي أولي الأمر منهم.

وإلى الذين خانوا وطنهم، وقبضوا من دم الضحايا من أبناء وطنهم عشرين من الفضة، أنه لن يستطيع أحد أن يرد عنهم لعنة التاريخ وعن ذريتهم من بعدهم.

وإلى أبناء الموصل، وإلى أبناء كل مدن العراق، ننتظر منهم أن تتشابك أياديهم، وتتراص صفوفهم، للثأر ممن كانوا السبب في كل الكوارث التي لحقت بهم، سواءٌ منهم الذين أوغلوا في ارتكاب الجرائم بحق أبناء جلدتهم، أو حتى ممن صمتوا على ارتكاب تلك الجرائم.

إنه العراق العربي حتى وإن كبا لفترة من الزمن، فإنه سينتفض من تحت ركام الملاجئ والأبنية التي تهدمت على رؤوس الأبرياء. إنه شعب العراق العربي، الذي إن ارتهن بعض منه لإرادة الأجنبي، فإن الأكثرية الساحقة ستزلزل الأرض تحت أقدام الغزاة.





الاثنين ٢٩ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة