شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ زمن ليس ببعيد حينما نوى الوحوش افتراس براءة بغداد الجميلة , هذه الابية التي لم ترتض أن يطبق الصمت هدوئه أمام أذاها , ولم تقبل الخضوع تحت رحمة الذل والهوان , بل سعت للتحرر من قيوده فجابهت المعتدين وحاربت الأثمين وجاهدت متصدية لجحافل الطامعين , عسى أن لا يسلبوا حريتها , ولكن شاءت الأقدار أن تحل المصيبة وما اعظم مصيبتها فقد غرست انيابهم بجسدها لتفتك ببرائتها حقداً على جمالها , مشوهين بريقها اللامع لترتع دهرا بين طيات الخريف أسيرة للغرباء .

واجه العراق تحديات كثيرة لم تواجه غيره من الامم الا قليل منهم , ويعلم الجميع ان مثل العراق كان ولا زال محط انظار الطامعين يحاولون دوما اجهاض تقدمه ونهش ثقافته لتدمير حضارة لم يُشهد مثلها في الكون بأجمعه .

وما نراه اليوم من استهداف ممنهج لعماد المجتمع وبناة المستقبل بأفات زرعت بيد تنوي به شرا , تحاول دوما اخضاعه بمهدئات الدنيا لتبعده عن قضية ارضه , هذه المهدئات أشبه ما تكون بالإستعباد ولكن هذه المرة ليست جبرا واكراها بل بخطة ذكية تم تخطيطها والترويج لها بدقه على مدى سنوات طوال , حاول العدو الصفوصهيوني زرعها وسط المجتمع العراقي مرات كثيرة ولكن هيهات منها المرور ايام النظام الوطني الرشيد , فشلت كل محاولتهم البائسة حتى حلت سنة 2003 محملة رياحها بأوساخهم , ففتحت الابواب على مصراعيها أمام نواياهم البشعة لتصبح خطتهم الوحشية جاهزة ومعبأة بافات جديدة لتتضاعف سمومها فتلعب لعبتها الشيطانية بحق شعبنا الأبي .

ابتدأت بكسر مناعة الثقافة العراقية وتشويه معانيها من خلال تعميم ثقافة الهمجية الى وطن لم يعرف يوما سوى ثقافة السلام , ثقافتهم المشوهة استهدفت العقلية الشبابية بإبعادها عن طريقها المستقيم فأنشئت الملاهي وأسست مراكز الفساد والقمار وغيرها الكثير لينسى الشباب هموم وطنه منغمسا بملذات الرذيلة الزائلة , ليس هذا فحسب بل وصل الامر الى افراغ المحتوى الاعلامي من مضمونه الوطني والدفع ببرامج الفساد المسلعة بالمرأة , وتخريب المحتوى التثقيفي والحضاري في كافة البرامج المذاعة واستبدالها ببرامج اللهو والاحتيال , اما الصحف فتعاني اليوم من ازمة نقص حادة بالكوادر والخبرات بعد ان اخلاها المحتل من ثروتها الابداعية فبعد ان كانت تهتم بالجوانب الثقافية المؤثرة وتثري صفحاتها بكل ما جد من تطور وعلم اصبحت اليوم مرتع لكل تقليد وتشويه , تبتعد عن كلمة الحق لتسير وفق ما رسُم لها من خطط ساداتها المحتلين , إن هذا الواقع المهني المأساوي لا يبشر بخير اذا استمر على وضعه , فحاله اليوم اشبه ما يكون بحقل مليء بالالغام يحيط به المتربصين فأي محاولة للإرتقاء بواقعه تواجه بالتصفية والتكميم , ما دفع بغالبية خبرات المهنة لترك هذا المجال والاتجاه نحو اعمال اخرى او الهرب الى خارج الوطن , فالمحتل يعرف تمام المعرفة إن حرية الاعلام واستقلاله ستكون الخطوة الاولى المؤدية الى فضح نواياه الخبيثه ثم من بعدها زواله التام فسعى جهده من اجل اخضاعه بقوانين مجحفة وتهديد اي حركة تتم خارج هذه القوانين .

اما المسرح بكافة انواعه الدرامي والكوميدي قد فقد مضمونه واصبحت رسالته عبارة عن ملاذ لفاقدي الموهبة يدخلونه من اوسع ابوابه تستهويهم رياح الفساد بينما يعاني اصحاب المواهب ورسالتهم من الاهمال والبطالة .

والذوق الفني الذي لطالما تميزت به الاذن العراقية اصبح اليوم هجاء وصخب وكلمات فاحشة , لا تربطه بالموسيقى والغناء قرابة او صلة .

وكم رعى نظامنا الوطني الثقافة والمثقفين وأجزل عليهم , هذه الفئات التي كوفئت جهودهم لتكون حافزا نحو بذل المزيد وتطوير الابداعات من اجل الرقي بالوطن بفنهم وعلمهم وسلاح كلمتهم الحقة لتطلق صداها في ارجاء الكون رافعة اسم العراق العظيم .

واليوم يجرم العملاء بحق عيش المثقفين الرغيد ومجدهم التليد بتدمير حضارة الفن والجمال ونهب اثارها وتشتيت تراثها بين المهاجر والمقابر لتزول بلا عودة .

يخجلنا تطور هذه الافات وسط صمت مجتمعات شعبنا الثقافية المتنوعة وفقدان سيطرة الاهل على ثقافة اولادهم حتى أمسوا يقلدون كل ما يروه على قنوات العمالة بل ويدفعون المبالغ الطائلة لغرض التشبه بقدوات الفساد ابتداء من ملابسهم الخالية من الاناقة وعبقها الى طريقة حلاقة الشعر المهينة واطالة اللحى لتحول جمالهم الى رعب وحوش , وغيرها الاخر من الامور التي يرثى لها .

ثقافة الغير لا تخصنا فلم التقليد والتباهي بها أيها الشباب فما هذه بثقافة ولا تطور بل انحدار وتخلف فلم السعي لتحقيق امل الاعداء ليشمتوا في ارثنا بدلا من أن ينال الوطن رفعته على أيديكم , ولم التراجع والتخاذل ولم التبعية والخيانة لصالح زمر لم يعرف يوما ولائها الا لأهواء المال وبحره , يبيعون وطننا بثمن بخس والمتضرر انتم , جيوبهم مُلئت من خيرات الوطن وعيشكم الضنك يؤلم حياتكم بالتعاسة , يرتقون بأصواتكم مقاعد حكمهم بإسم الوطن لنهب خيراته وسرقة ثرواته وتخريب ثقافته الاصيلة وقتل ضمائركم الوطنية , فلم الصمت على جموح اهوائهم .

كل ذلك وغيره الكثير من ضجيج الحياة الذي زرعه الخونة والعملاء قد طغى على مجتمعنا فأصبح كالادمان علاجه صعب ولكنه موجود وواقعي لا يمكن تحقيقه إلا بصحوة ضمير شبابنا الوطني وسعيه لإستعادة مفاتيح الحضارة والثقافة من نهاب المنطقة الغبراء .

الاتحاد العام لشباب العراق في المهجر





الجمعة ١٤ رمضــان ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / حـزيران / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مهند الدوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة