شبكة ذي قار
عـاجـل










كانت الأوضاع في لبنان بعد مجزرة 23 نيسان 1969، وإستقالة حكومة رشيد كرامي، تمر بمرحلة عصيبة. مع بداية شهر تشرين الأول عاود المكتب الثاني اللبناني الإيعاز لوحدات من الجيش اللبناني بحصار قواعد المقاومة، وقامت مخافر الدرك ومكاتب استخبارات الجيش في المخيمات وخاصة البداوي ونهر البارد، بالتضييق على الأخوة الفلسطينيين وإهانتهم واستفزازهم، وكانت جراح طرابلس لم تلتئم بعد من مجزرة بيروت.

تداعت القوى الوطنية بطرابلس وفي مقدمتهم حزب البعث للدعوة للتجمع والإنطلاق بتظاهرة كبرى عقب صلاة الجمعة من الجامع المنصوري الكبير. على إثر ذلك أعلنت قيادة الجيش في شمال لبنان حظر التجوال في مدينة طرابلس في ذلك اليوم لمنع التظاهرة، مما أدى إلى غضب متصاعد بالشارع الطرابلسي، الذي رفض قرار منع التجول، وأكد على موعد التظاهرة وإنطلاقها، كما دعا المناضلين في الميناء لتنظيم تظاهرة والتوجه بها إلى ساحة التل وسط طرابلس بوقت متزامن حيث تلتقي مع التظاهرة المنطلقة من المسجد المنصوري الكبير.

وصلنا إلى المسجد المنصوري الكبير من الأبواب الخلفية من جهة الأسواق الشعبية وبدأ التجمع يكبر. وما أن إنتهت شعائر الصلاة حتى غصت الباحة الداخلية بآلاف المتظاهرين، وإنطلقنا وسط الهتافات المدوية نحو الباب الرئيسي. ما أن خرجت الصفوف الأولى التي كنت ضمنها حتى إنهال علينا رصاص الجيش اللبناني، وكان غالبنا ما يزال أمام البوابة الرئيسية، وبدأ تساقط الشهداء والجرحى.

كان بعض الشباب من البعثيين ومن أنصار الراحل فاروق المقدم يحملون بشكل فردي أسلحة تحسباً مما جرى ببيروت وللدفاع عن النفس. وإطلقت الرصاصات الأولى من بعض المتظاهرين نحو قوات الجيش، في ذات الوقت وصلت الأخبار أن مظاهرة الميناء تم إعتراضها وفي منتصف الطريق قرب مستشفى المنلا، وتم قمعها بوحشية وقتل المهندس أحمد علم الدين بطلقة على رأسه مباشرة من ضابط حاجز الجيش ومن مسافة قصيرة. أدى ذلك كله إلى توسيع الغضب الشعبي، حيث قامت مجموعات مسلحة ( سلاح قديم من ثورة 1958 وبنادق الصيد ) بالهجوم على مخافر الدرك والشرطة والأمن اللبناني وتم الاستيلاء عليها وعلى كل الأسلحة الموجودة بها، ثم هوجمت سراي طرابلس وأطلق الرصاص عليها بغزارة وتم عزلها وتطويقها.

في ذلك الوقت كان المناضل الراحل عبد المجيد الرافعي يقود المواجهة من داخل الأسواق الشعبية ويدعو البعثيين إلى عدم الإنتقام من عناصر الدرك لأن لا علاقة لهم، والحفاظ على حياتهم وعدم أذيتهم.

في منطقة القبة ( حيث يوجد ثكنات الجيش اللبناني ومقر المكتب الثاني اللبناني ) قام بعض شباب الأحياء بإطلاق الرصاص على الثكنات، وتصاعدت حدة الاشتباكات بعد سيطرة الجماهير على كامل طرابلس و الميناء.

بذات الوقت قامت جموع فلسطينية غاضبة في مخيمي نهر البارد والبداوي بالسيطرة على مخافر الدرك ومكاتب مخابرات الجيش داخل المخيمين وأقامت الحواجز لحماية المخيمات، خاصة البداوي الملاصق لثكنات الجيش بالقبة، وعلى الطريق الرئيسي لمخيم نهر البارد لعزل مطار القليعات العسكري.

وفي خطوة تصعيدية قام الراحل فاروق المقدم مع مجموعات من الشباب بالدخول إلى قلعة طرابلس التاريخية والمشرفة على كامل مدينة طرابلس والمناطق والقرى المجاورة، وتم السيطرة عليها لموقعها الاستراتيجي ومنها أعلن فاروق المقدم عن إنطلاقة "حركة 24 تشرين".

طوال الأيام اللاحقة كانت طرابلس خارج سيطرة الدولة، و تحت سيطرة الجماهير، رافضين الإنسحاب من الشوارع والقلعة، إلا بعد ضمان حرية العمل الفدائي ومحاسبة الأشخاص الذين أعطوا الأوامر بإرتكاب المجازر ضد المتظاهرين المدنيين.

وفي تلك الأيام تحول منزل الدكتور عبد المجيد الرافعي والمستوصف الشعبي إلى مستشفى ميداني، حيث كان يقوم بعلاج الجرحى وإجراء عمليات لهم. ويعطي توجيهاته للصمود بوجه القمع الوحشي الذي طال أبناء طرابلس. وكان يتنقل بين المتاريس التي أقيمت ببعض الشوارع ويشرف على مواصلة الصمود.

تدخلت مصر عبد الناصر، ومارست ضغوطاً على لبنان، في ظل إصرار رشيد كرامي على إستقالته لحين إيجاد تسوية وإتفاقية لتنظيم العمل الفلسطيني المسلح. وهو ما رضخ له الرئيس اللبناني شارل حلو الذي أوفد قائد الجيش إلى القاهرة وتم التوقيع يوم 3 تشرين الثاني 1969 على الإتفاقية التي نظمت العمل الفدائي والشهيرة بأسم اتفاقية القاهرة.

في تلك الانتفاضة الشعبية أكدت طرابلس على عروبتها ومواقفها التاريخية وأثبت أبنائها وفي مقدمتهم الراحل الدكتور عبد المجيد الرافعي مواقفهم المتضامنة مع العمل الفدائي، حيث توجه بعدها العشرات للتطوع مع المقاومة الفلسطينية، لتبدأ مرحلة جديدة نتحدث عنها لاحقاً.





الخميس ٣ ذو القعــدة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تمــوز / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي نافذ المرعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة