شبكة ذي قار
عـاجـل










عقد في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني 2017 مؤتمر لوزراء دفاع دول ( التحالف الإسلامي ) لمكافحة الإرهاب في الرياض، وصدر عن المؤتمر بيان تضمن خمسة أبواب؛ تناولت الأبواب الأربعة الأولى سبل مكافحة الإرهاب في المجالات الفكرية والإعلامية، والوسائل العلمية والعسكرية، وكذلك محاربة تمويل الإرهاب ومصادر تمويله. أما الباب الخامس فقد تناول آلية عمل التحالف.

واستناداً الى ما ورد في كلمات المشاركين ومحتوى البيان الختامي يظهر أن ما اتخِذ من قرارات يتناول النتائج والحلول الرادعة، ولا يتناول جميع الأسباب والحلول التي تعالج الإرهاب في العالم، وتخفض منسوبه الى درجاتٍ مقبولة، ناهيك عن الإشارة فقط إلى المنظمات الإرهابية الإسلامية دون غيرها في العالم، وهو ما ورد في الفقرة الثانية من الباب الأول " ألتصدي للإرهاب بالوسائل العلمية وإبراز المفاهيم الإسلامية الصحيحة وصولاً إلى إيضاح حقيقة الإسلام المعتدل الذي ينسجم مع الفطرة السويّة ويتعايش مع الآخر بأمن وسلم وإحسان".

يوجد تباين في تعريف الإرهاب في العالم، ومن الجهات التي اعطت تعريفاً للإرهاب هي ( منظمة الدول الإسلامية ) التي جاء في تعريفها عام 1999 : " ألإرهاب هو أي عمل من العنف أو التهديد به، يندرج ضمن مخطط جرمي ويهدف إلى ترويع الناس وتهديدهم في حياتهم وشرفهم وحريتهم وسلامتهم. وبذلك يشكل تهديداً للإستقرار وللوحدة الإقليمية ولسيادة الدول". وعند التوقف عند فقرة : " أي عمل من العنف أو التهديد به" فهذا يعني أن الإرهاب ممكن أن يقوم به فرد أو منظمة أو دولة. وعند تقييم أي عمل إرهابي نجد أنه يستند إلى اسسٍ عديدة أبرزها :

1 - أشخاص ينفذون العملية الإرهابية. هؤلاء الأشخاص تم تدريبهم، وتأمين وصولهم لوجستياً إلى مكان التنفيذ، وتزويدهم بالمتفجرات أو الأسلحة اللازمة للتنفيذ.

2 - بعض أعمال العنف التي تنضوي تحت تعريف الإرهاب يمكن أن يقوم بها فرد أو مجموعة من الأفراد دون أي ارتباط بمنظمة أو دولة. وهكذا أعمال تبقى محصورة في المكان والزمان، لكن معظم الأعمال الإرهابية تنَفَّذ بناءً على أجندات إدارة الحروب والصراعات بين الدول والمنظمات، وفي هذه الحالة يكون العمل الإرهابي مرتبطاً بحالة فكرية أو استرتيجية قصيرة أو بعيدة المدى.

3 - كل أعمال الإرهاب تحتاج إلى سلاح؛ بعض أنواع الأسلحة تصَنِّعُها جميع الدول وحتى منظمات، لكن بعضها الأخر خاصةً تلك التي تحتاج إلى أجهزة تحكُّم لا يمكن تصنيعها إلاّ في أماكن محدَّدة وفي دول تمتلك تقنيات عالية الدقة.

4 - كل الأعمال الإرهابية تحتاج إلى تمويل وهذا التمويل غالباً ما يُؤمَّن من قبل دول معيَّنة.

5 - كل من يقوم بعمليات التنفيذ يقدم على ذلك إما لقناعة فكريّة أو لإغراءاتٍ مادية أو الإثنين معاً.

إنّ معظم العمليات التي تم التوافق على تصنيفها إرهابية في القرن الحالي نفذها أشخاص من دول تنتمي إلى ما عرف بالعالم الثالث ومعظمهم من دول عربية أو يدين معظم شعوبها بالإسلام، أما تلك التي نفذها مواطنون من بعض دول أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا فكانت تصنَّف ضمن أعمال العنف إما لخلل عقلي عند المنفذ أو استيائه من الجهة المستهدَفة أو أي سبب آخر ما عدا الإرهاب.

لا شك أنّ ما صدر عن مؤتمر الرياض وضع عناوين مُتَّفق عليها بين الأطراف المشاركين، لكن المؤتمر خلا من الإشارة إلى عوامل عديدة تشكل أسباباً جوهريةً في نشوء الإرهاب وفعاليته أبرزها :

1 - وضع آلية لإيجاد تعريف دولي موَحّد للإرهاب بدرجاته المختلفة : ألأفراد والمنظمات والدول، وتوحيد المعايير في التعامل معه ومواجهته لوضع حدٍّ للإستثمار السياسي في إدارة النزاعات والحروب، وأبرز مثال على ذلك هو اعتماد معايير متباينة في التعامل مع بعض المنظمات الإرهابيّة؛ إذ أنّه في الوقت الذي تم تغطية منظمات الحشد الشعبي في العراق بفتاوى دينية وتشريعات برلمانيّة وتمويل وتسليح علني وحماية جويّة لأنشطتها، وغض الطرف عن ممارساتها التي تصنف إرهابيّة بكل المقاييس من قبل بعض الدول والأحزاب التي تدّعي أنّها مناهضة الإرهاب، فإنها ركّزت على داعش وبعض منظمات القاعدة، وهذه الأخيرة تباين توصيفها وتقييمها من درجة الجهاد عندما واجهت الوجود السوفياتي في أفغانستان إلى درجة الإرهاب عندما واجهت الوجود الأميركي وحلفائه، ممّا يشير إلى الإستثمار السياسي في هذا المجال. وهذا قطعاً لا يساعد في مكافحة الإرهاب ويدحض مصداقية بعض الأطراف التي تقدم نفسها على أنها رأس حربة في مواجهة الإرهاب.

2 - ألآثار التي تركتها المرحلة الإستعمارية، وضرورة بذل جهود جديّة لمعالجة تردّداتها بإقامة علاقات جديدة حضارية بين الشعوب، وهنا لا بد من التوقف عند استمرار حالة الإحتلال في فلسطين التي تَسَّبَبت في المأساة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ودور ذلك الإحتلال في زعزعة الإستقرار والتقدم والتنمية في معظم الدول العربية وغيرها من الدول التي شهدت نشاطاً للمنظمات الإرهابية، والقرار الأخير الذي اتخذه الرئيس الأميركي حول القدس أضافة إلى كونه يتنافى مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وانتهاكاً لحق الشعوب في تقرير المصير، هو تشجيع للإرهاب الذي يمارسه الإحتلال الصهيوني في فلسطين.

3 - لا إرهاب بدون بيئة حاضنة وأشخاص يقومون بالتنفيذ. وبذلك لا يمكن النجاح في مكافحة الإرهاب وخفضه إلى ادنى مستوى دون عدالة إجتماعية والحد من ظاهرة التهميش التي تستفحل بغياب انبثاق السلطة عن إرادة الشعب من خلال قوانين إنتخاب عصريّة، وشفافيّة في إدارة الإنتخابات لكي يصل من يستحق إلى السلطة، وتأمين تداولها ديموقراطياً.

4 - لم يتم التطرق إلى محاربة الفساد من جهة، والتنمية وتأمين الضرورات الحياتية للناس خاصةً التعليم والعمل من جهة ثانية، إذ أن الفساد والجهل والبطالة هي من أهم نقاط الضعف التي تستغلها المنظمات الإرهابيّة لتجنيد الأفراد وإقناعهم بالسير في مخططاتها. الوعظ والتوجيه والمناهج التربوية تعطي نتائج إيجابية فقط عندما يحصل الناس على مستلزمات الحياة الأساسية المعنوية والمادية، وعندها فقط ترتفع درجة مناعتهم ضد الإنخراط في أية أعمال غير قانونيّة ومنها الأعمال الإرهابيّة.

5 - أنّ كل فكر ديني يتجاوز العقائد الإنسانية والأخلاقية المثلى، ويعمل من أجل بناء دولة ثيوقراطية، ويقوم على تكفير الأنظمة الرسمية المدنية، والتيارات الفكرية الوضعية، يخدم الإرهاب، لأنه يغرق المنتمين إليه في صراعات تستخدم فيها وسائل التحريض والتعصب في الدفاع عن مقدٍّسات دينية، وغالباً ما تكون نتائجها التحريض على قتل الآخر الذي لا يؤمن بها. وهذا النوع هو الذي برز بحدة في الأحداث الأخيرة التي انتشرت في عدد من الأقطار العربية. ولأنها أحد أمراض مجتمعنا العربي فقد استغلتها الدول الأجنبية في تفتيت هذا المجتمع وإغراقه في صراعات دموية دفع بها المجتمع العربي الدم والدمار والخراب. كما استخدمت التيارات المسيحية المعروفة بـ ( اليمين المسيحي المتصهين ) فكرها في تحريض ( اليمين الأميركي المتطرف ) لغزو العراق واحتلاله، كخطوة أولى استعداداً لما أسموه ( معركة هرمجدون ) التي يعتقدون أنّ فصولها ستدور على أرض فلسطين ( بين الخير والشر ) .

ولذلك تتحاشى الدول والأنظمة الدينية في ( منظمة دول التحالف الإسلامي ) الغوص بتعريف حقيقي للإرهاب خشية من إحراجها وإرباكها لأنها ستضطرها لتقديم أجوبة عن امتناعها بالسماح لترويج أفكار تتعلق ببناء الدولة المدنية. كما تتحاشى دول الإقليم الضالعة بمخطط تفتيت المجتمع العربي الإشارة إلى الإرهاب المتعلق بالجانب الديني السياسي، لأنها ستدين نفسها، وتدين الميليشيات التي أنشأتها لهذا الغرض. وهذا ما تفعله أميركا تحديداً لأنها ستضطر لنزع القناع عن إرهابها القائم على تحالف قوى الرأسمال الأميركي مع التيار المسيحي المتصهين، اللذين يجمعهما هدف حماية أمن ( الكيان الصهيوني ) في فلسطين، والذي يلبي حاجتين معاً، وهما : بناء دولة يهودية تستجيب للوعد التوراتي الصهيوني، كما تكون ركيزة جغرافية أساسية للهيمنة العسكرية على الوطن العربي لحماية مصالحها الرأسمالية فيه.
 





الجمعة ٢٦ ربيع الاول ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / كانون الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور علي بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة