شبكة ذي قار
عـاجـل










لايزال أعداء الأمة العربية والشعوبيون الأغبياء ، يشنون حملة هوجاء على هذه الأمة حسدا وكراهية ويصفونها بأبشع النعوت ،سيما في أوقات ضعفها ـ كما هوحاصل الآن ـ بسبب كثرة الأعدا ء والتحالفات الخبيثة رغم أن هذه الأمة هي مهد الحضارات ومهبط الرسالات ، ومثوى المقدسات ، كما أن الله سبحانه وتعالى قد خصها بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي أعاد صياغة الإنسان ووضع الأساس لبنائه في فترة من التاريخ كانت البشرية فيها بأمس الحاجة إلى رسالة من السماء تنقذ المجتمعات من الانهيار، وتصفي القلوب من شوائب الشرك، وتوجه العقول نحو عقيدة الوحدانية .

وهو ما جعل العرب ينضوون تحت لواء العقيدة الإسلامية التي أفرزت بطولات نادرة، وجعلت المسلمين ينتصرون على كثير من الأمم ، إلى أن بلغ الإسلام أقصى أنحاء العالم ،وبنى قادته العرب دولة حضارية متينة للدين والدنيا معًا ، أخرجت الناس من الظلمات إلى النور، بفضل القرءان الكريم واتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم " (ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق ،ولا نقول بقول الشعوبية وأرذل الموالي، الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون بفضلهم، فإن قولهم بدعة وخلاف."

وهذا ما أكده العالم الموريتاني الكبير والنسّابة الشهير أحمد البدوي ، الذي نظم غزوات النّبيّ صلى الله عليه وسلم نظما جيدا، يدل على تبحره في السيرة ، وأحيا أنساب العرب، بنظمه "عمود النسب" الذي يقول في مستهله :

حمدا لمن رفع صيت العرب ... وخصّهم بيـن الأنـام بالنّبي
وعمّهم إنعامـــــه بنسبتـــه .. . فدخلوا بيمنها في زمرتـه

ودوّخوا بسيفهم غلب العــــجم ... إذ هم بنـو أب وأم بالحـرم
إذ الخيول البلق في فتوحهم .. والرعب والظفرفي مسوحهم
هم صفوة الأنام من أحبّهــــم ... بحبّـــه أحبّـــهم وودّهـــــم
كذاك من أبغضــهم ببـــغضه ... أبغضهم تبّا له من معضـه
أئمّة الديـــن عماد السنّـــــــه ... لسانهم لسان أهل الجنّـــــه.

مع أن هذه المواهب كلها لم تكن منحة للعرب من حركة سياسية ، بحيث يمكن أن تنزعها منهم وتدفعها لأمة أخرى ، تركية كانت ، أوفارسية .. وإنما هي هبة من الله العلي القدير، للأمة العربية ، التي لايقبل الحاقدون أن ينسب لها فضل ، كأنهم لم يسمعوا قوله تعالى : ( أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) ،وقوله : (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وماكان عطاء ربك محظورا ) صدق الله العظيم.

ومما زادني شرفا وتيـــــها وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك ياعبادي وأن صيرت أحمد لي نبيــا

أما في ظلِّ التداعيات القائمة والظروف العربية الراهنة، فقد ظهرت تحذيرات مخيفة ، على أساس رؤية سوسيولوجية تقليدية ، وأدوات ثقافية تصم العقل العربي بالتخلف الابدي ، معتمدة على وقائع التحولات الهيكلية والدولية التي تطورت إلى حروب خارجيَّة وبَيْنيَّة وَأهليَّة، واحتلال مباشر لبعض البلدان العربيَّة ، من خلال أخطر هجمة شرسة من الشرق والغرب تعتمد منطلقات فكرية وطائفية خطيرة ، وفرضيات نشاز كما المعاني والخطاب التابع أو المتماهي الذي أفضى إلى استغلال خبيث لأفكار" هنتنغتون " المتشائمة حول صراع الحضارات التي حرفت رؤية د. مهدى المنجرة حول حوار وصراع الحضارات ، وتنفيذ إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط التي بشر بها " برنارد لويس" في مشروعه "الشرق الأوسط الكبير" حيث نجم عنها ما بات يعرف " بالفوضى الخلاقة " ، بغية تفتيت الوطن العربي إلى أكثر من ثلاثين دويلة اثنية ومذهبية ، من أجل أن تتسنى فرصة حقيقية لفدرالية تقودها دويلة الكيان الصهيوني، باعتبارها الدولة المركزية الوحيدة التي ستحكم المنطقة ، وتلعب دور " كلب الحراسة " وتسعى لتحقيق حلم : " إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات " ، بعد ما تضعف دول الجوار ، وهذا يعني أَنَّ الغربَ سيبقى ضالعاً في الوقوفِ ضِدَّ أَيِّ مشروعٍ يتعلَّقُ بوحْدةِ هذه الأُمةِ وتقدُّمِها العلميِّ .

كذلك فقد أنتهج الإيرانيون بدورهم سياسة تصدير ثورتهم القومية والمذهبية إلى البلاد العربية ، عن طريق استنهاض الروح الطائفية في العديد من الدول العربية ، على غرارأفكار وتطلعات الدولة الصفوية ، وقد مكنهم من هذا الهدف تحالفهم غير المعلن مع الغرب ضد الأمة العربية ، ويؤكد هذا أن جميع ما فشلت إيران في تحقيقه بالحرب مع العراق لمدة ثماني سنوات ، قد حققته بعد الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 ، وبذلك أصبح العراق محتلا من طرف تحالف خبيث يتقن لعبة التقية ، وتم تغييب العديد من العواصم العربية .

لذلك فلم تشهد أي أمة في التاريخ ما شهدته الامة العربية من تآمر وتجزئة وتمزيق ، بسبب الكراهية والحسد والطمع ومع ذلك منح الله هذه الأمة موقعا استراتيجيا حساسا جعلها تتحكم وتشرف على جميع الطرق بين دول العالم ، فضلا عن ما حوته أراضيها من خيرات وكنوز لذلك أصبحت هذه الأمة حلم الطامعين منذ القدم وحتى اليوم.

وهذا ما جعل البعض يعتبر أن خسائرالأمة العربية وهزائمها ومن ثم ارتباك أبنائها بسبب الخيارات المرة ، يتناسب في كل حين مع انتشار الأعداء وكثرتهم ، بل وتركيزهم الدائم على هذه الأمة بالذات ،التي لا يجوز لها من وجهة نظرهم أن تمتلك الأسلحة الاستراتيجية أو أن تنشد الوحدة ، مثل ما سمح للهند وباكستان وألمانيا..

غير أنهم يقولون" انه كلما تفاقمت مواجهة اعداء الشعوب للشعوب كلما أبدعت الشعوب " أي أن عقل الأمة الفاعل قد يتوصَّلُ إلى إبداع ونهجٍ ينقذها من هذه الغمَّة ، كذلك فإن المعارك التي تخسرها أي أمة قد تتحول إلى تجارب وتمارين أثناء المنازلات الحاسمة.

وهذا هو محل الإعتراف بالجميل لأولئك الشرفاء عبر الزمن الذين يرفضون مغادرة الميدان رغم سلطة العقل المجتمعيِّ الراهن باعتبار أن الأفكار تستمد أهميتها، وتاريخيتها، من خلال الوعي النقدي الشمولي للواقع ، حيث ينطلق المناضل الثوري من التاريخي والسياق ويعتمد على التحليل المادي ليستخلص بعدها الرؤى، ليمارس دوره من موقعه الفكري المستقل والمسؤول ، وينزع الى الفعل في مستقبل يتشاركه والجماهير بوصفه واحدا منهم ، ولكنه غير حيادي لأنه منحاز الى الأمة كلها ، ويعمل على نشر قيم التقدم والوحدة والحرية ونبذ التجزئة والفرقة ، بل إن عليه أكثر من ذلك أن يزرع الأمل في النفوس في هذا الظرف بالذات الذي هبطت فيه المعنويات ، وعمت فيه خطيئة التنابز بالألقاب.

وحينها تتحول البلاد إلى كتلة ناهضة بعد أن تمردت على ثقافة اللاجدوى، الشكلانية عند العقل التقليدي التابع الذي يجرّد التحولات المرحلية من كل معنى تحرري، إنساني وأخلاقي في حالة من التفرد و التنائى ، لأن من يبالغ في الخصوصيات والذاتيات ، والانخراط في التعاطي مع الإطار القطري الضيق الذي ارتضاه الاستعمار أصلا ، ويضع البلاد في الإطارالمنعزل ، يكرس دون شك آثارا رجعية ، خصوصا أن شعار الوحدة التي تتخطى الذاتيات صار في كثير من الحالات ممارسة تقدمية فعلية ، وهو ما يشير إلى أن المرحلة تتطلب إعادة إنتاج النموذج البديل المؤهل لتفكيك الخطاب التقدمي غير المستكين .

ولكن استنادا إلى سيرة الأمة العربية مع أعدائها ، وتاريخ بعض الأمم الحية التي تستعيد ألقها بعد المحن ،فإننا نجد أن أمتنا تنهض باستمرار بعد كل كبوة خطيرة ، فقد انتصرت هذه الأمة انتصارات باهرة بعد احتلالها من طرف كل من الفرس والروم ، والأحباش والصليبيين والمغول والأتراك ، والفرنسيين والإنجليز ،والإيطاليين .

وفي المقابل فقد خضعت عشرات الأمم للإحتلال هي الأخرى ، لكنها نهضت بعد ذلك ، مثل الولايات المتحدة ، وفرنسا وألمانيا واليابان والصين والهند .. ومع ذلك فنحنُ ندرك أَنَّ حَضارةَ الغربِ الحديثةِ التي يود الجميع اللحاق بركبها قامَتْ على أَشلاءِ مئاتِ الملايينِ من أبنائها، فضلا عن الإبادةِ الجَمَاعيَّة لسُكَّانِ أَمريكا الأَصليِّين، والشعوبِ المستعمَرةِ في أَفريقيا وآسيا.

لذلك فليس من المستغرب أن يشن الغرب حروبا متواصلة على الأمة العربية من أجل النفط ، لأن البترول هو أهم سلعة في العالم لذلك يسميه البعض بالذهب الأسود،أوشريان الحياة ، ويزيد استخدامه عامًا بعد عام، وإمدادات العالم منه تنفد بسرعة،ولو استمرت معدلات الاستهلاك الحالية على ماهي عليه ، فسيصبح النفط شحيحًا في أواسط هذا القرن .

ولتجنب نقص واسع النطاق في الطاقة، يختبر العلماء ضروبًا اصطناعية من الزيت، وكذلك مصادر أخرى للوقود، ولكن حتى لو ظهرت سريعًا مصادر أخرى للطاقة، سيضطر الناس للاعتماد على النفط لسنوات عديدة، فقدعجزت بدائل البترول التي طرحت للبحث عن بلوغ الهدف الذي حاولت تحقيقه ، والتي كان من بينها :

1ـ محاولة استغلال طاقة الرياح وأمواج المحيطات التي تعد غير اقتصادية .
2ـ الكيمياء الصناعية كالكحول المستخرج من الذرة والشعيروالذي أثبت أنه غير فعال.
3ـ استخراج الطاقة النووية الذي تأكد أنه غير مأمون بعد حادثة "تشرنوبيل" التي وصلت إلى حد الكارثة .
4ـ العودة إلى استخدام الفحم الذي لم يعد يتلاءم مع كل الإعتبارات الجديدة ، كما أنه خطوة إلى الوراء في تكنلوجيا الإنتاج .

غيرأن المستهلك الأمريكي لم يهتم بهذه البدائل، فالسيارات مثلا في الولايات المتحدة تستهلك 14 مليون برميل يومياً من الوقود.

وبينما تقول الإحصاءات أن بقية المنابع التقليدية للبترول تتراوح مدة عطائها الباقي إلى ما بين 25 أو 30 سنة ، فإن بترول العرب أمامه مابين 50 إلى 70 سنة .

كما أن الوطن العربي يتوفر على احتياطيات ضخمة تقدربحوالي 67% من احتياطي البترول العالمي .

لذلك فإن النفط سيبقى سببا حقيقيا ومباشرا في العدوان على الأمة العربية، لأن معظـم البلـدان الصناعيــة تعتمـد بدرجــة كبــيرة على النفـط العربي لاستيفـاء حاجاتها من الطاقة ،وقد اعترف بعض القادة الآمريكيون بأن أحد دوافعهم الحقيقية وراء عدوانهم على العراق سنة 1991 هو استمرار السيطرة على منابع النفط والمحافظة على تدني أسعاره.

، ومع أن المواجهة ظلت مستمرة بين الأمة العربية وأعدائها فقد تأكد أنها أمة كريمة ذات تاريخ مشرف قدمت خلاله للإنسانية مناقب جمة ومحامد كثيرة ،كما أن هذه الأمة ظلت تمتلك روح المقاومة وتحتل موقع القلب من الجغرافيا العالمية ولايمكن القضاء عليها ولا تدجينها مهما بلغت شراسة الأعداء ، لذلك تقول إحدى الفسطينيات :

"ولكني لاأعرف السقوط ولا الإنحناء ،لاأعرف التصفيق ولا الهتافات
أنا فلسطينية أنا من قلت للصمود اصمد وللصبر اصبر أنا فلسطينية

أسيرة لاتذل للسجان ".

وفضلا عن ذلك فإن أمتنا يقف وراءها تراث العروبة والإسلام ، خلافا لأمم أخرى يقتدي بها الكثيرمنا ، مع أنها لاتؤمن بالله الواحد الأحد ، وبناتها لم يحفظن ءاية من سورة النور، و" نحن أمة أعزنا الله بالإسلام ولا نبتغي العزة بغيره"، ونتفاعل بود وإخلاص مع المحيط الإسلامي النقي بعيدا عن " رؤية الفضل على الغير" .





الخميس ٨ جمادي الاولى ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / كانون الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب باباه ولد التراد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة