شبكة ذي قار
عـاجـل










 



موريتانيا في مواجهة فساد متعدد الاتجاهات !!

ما الفائدة، يا ترى، من معاودتنا للكتابة قي كل مرة عن ذات المواضيع ، التي ، برغم أهميتها البالغة، لا تجد أدنى إصغاء من لدن حكام البلد الذين ترجع إليهم المسؤولية الأولى في أخذها بين الاعتبار و البحث عن إيجاد حلول لها ، أو العمل على تخفيف آثارها ، أو الحد من اتساع نطاقها لصالح المواطنين ، الذين يصرخون منها بالليل و النهار، و ينادون هل من مغيث !

فلقد كتبنا في الدرب، على امتداد أربع سنوات متتالية، عن تفشي الرشوة و المحسوبية ، و عن انعدام روح المسؤولية لدى موظفي الخدمة العمومية قي كافة مرافق الدولة؛ و كتبنا عن ارتفاع الأسعار المذهل للمواد الضرورية، و عن الخطورة المزدوجة لانعدام الأمن الاجتماعي ؛ و حذرنا من استفحال ظاهرة السطو المسلح على الأسر الآمنة في بيوتها؛ و قلنا إن التمادي في تجاهل نمو هذه الظاهرة و إغفال أسبابها ، و تركها يتسع نطاقها و يتعاظم خطرها على المواطنين سيؤدي ، في نهاية الأمر، إلى يأس المواطنين من أجهزة الأمن الوطنية ؛ و هو ما سيترتب عليه ، حتما، سعي الناس إلى اقتناء السلاح ليؤمنوا أنفسهم و يؤمنوا ممتلكاتهم؛ و هو ما سيقود، أيضا في متتالية سلبية، إلى انتشار السلاح بين البسطاء و العامة و الجهلة داخل البيوتات ، مما يعرض الجميع لاستخدام السلاح في أول خصام ، وفي أتفه نزاع ؛ و الأخطر من ذلك خطورة السلاح على الأطفال و ذويهم من الرصاصات الطائشة !

إن بوادر ما حذرنا منه قد بدأت، و سنشهد تعقدا كبيرا لمشهدنا الأمني في قابل الأيام و الأسابيع و الشهور ، خصوصا و أننا كتبنا عن أن استشراء ظاهرة الخطاب الفئوي التحريضي و تغافل السلطات المريب عنه ، بل و الترخيص السياسي لحملته بين المجتمع ، ستنشأ عنه، هو الآخر، تعقيدات اجتماعية متطرفة ذات طابع شرائحي على مستوى كل شريحة؛ مما قد يسفر عن إشعال نيران فتنة أهلية يصعب على الدولة و أجهزتها المهترئة احتواءها. و كنا ، في سياق التحذير من الفساد متعدد الاتجاهات، كتبنا عن انتشار الأدوية المزورة و المنتهية المفعولية و سيئة الحفظ في الصيدليات المنتشرة كالحوانيت الأهلية في كل زقاق بعيدا عن أية رقابة من الوزارة المعنية ؛ و قلنا إن هذه الأدوية قد تكون من آكد أسباب انتشار أنواع مختلفة من السرطانات بين مواطنينا .. و مع تكرارنا، مع سوانا من أبناء هذه البلاد الذين يألمون لحال شعبهم، و برغم كتاباتنا على أكثر من صعيد عن هذه الظواهر بالغة الخطورة على السلم الاجتماعي ، فلم يلمس الإنسان الموريتاني ، يوما، أي اهتمام من السلطات الحاكمة لهذه المواضيع ، ولم تتحسن ظروفه على أي مستوى من هذه الظواهر الخطيرة كلها؛ بل يكاد الواقع يؤكد من سلوك هذه السلطات أنها إما عاجزة تماما عن مواجهة هذه المخاطر، وإما متواطئة .. أو ماضية في تغافلها و تجاهلها بنية إيصال البلاد إلى حافة الانفجار لهدف سياسي قادم سيجري استثمار رصيد الخوف لصالح أجندة معينة في خضمه، و هو ما يستعصي على صاحب عقل التكهن بمآلاته؛ إذ لا يعقل أن تترك سلطة بلدها ينهار أمام عيونها بفعل فساد متعدد الاتجاهات دون أن تبادر إلى اتخاذ سياسات و إجراءات اقتصادية و اجتماعية و سياسية و أمنية ، وإدارية لمواجهة تحالف هذا الكم الهائل من عوامل الانهيار ؛ أي أن تترك السلطة الأوضاع تسوء باطراد ، والبلاد تتجه نحو هاوية لا تخشى عليها خطر الضياع ، كأنها تتفرج على مشاهد من مسرحية .. فهذا مما لا يستطيع العقل قبوله !

تغيير القاعدة النقدية و الآثار المحتملة :
قرر رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد محمد و لد عبد العزيز في خطاب عيد الاستقلال الوطني ، انه سيعمد ابتداء من فاتح يناير 2017 إلى تعديل العملة الوطنية و ذلك بتغيير قاعدتها من 10 إلي 1 للتحسين من سعر الصرف ، وأملا في أن يساهم ذلك في تحسين و تطوير الاقتصاد الوطني .

و يعاني الاقتصاد الموريتاني من أزمات بنيوية ، تؤثر من حبن لآخر على الوضع الكلي للاقتصاد ، و قد اتخذت عدة سياسات لحلها ، إلا أنها كانت أكثر منها عملية ترقيع للخروج من أزمة مؤقتة بعيدا عن الإصلاحات الجذرية للوضع الاقتصادي المتأزم .

وتعتبر المشاكل و الأزمات التي يعاني منها السوق النقدية في البلد جزءا لا يتجزأ من الإشكالات المالية و الاقتصادية التي تفاقم الوضع ، و لا شك أن سعر الصرف هو جوهر و أساس تقييم العملة ، و قد ظل يتأرجح ارتفاعا وهبوطا حتى و صل به الحال للمستوى الحالي أمام العملات الأجنبية ، حيث بلغ سعر الدولار الواحد في السوق 367 أوقية بينما بلغ سعر الاورو الواحد 437 أوقية مما يبين فعلا حالة تدني حقيقية للعملة الوطنية .

و تشير الإصدارات المستمرة للعملة من فئة 50 و 500 و 2000 و 5000 أوقية إلى انخفاض قيمتها ، وبالتالي حالة من التضخم المستمر يعاني منها الاقتصاد الوطني ، لم يجد لها حل سوى تكثيف القيمة ، و يؤكد وجود فئة 1000 أوقية في العملة الجديدة أي ( 000 10 ) بالعملة القديمة أننا دخلنا وضعا اقتصاديا حرجا ، يرتفع فيه مؤشر التضخم و تنخفض فيه قيمة العملة الوطنية .

و قوة الاقتصاد و قدرته علي مواجهة الأزمات تحدد بالرصيد النقدي من العملات الأجنبية أو المعدن الثمين ( الذهب و الفضة ) ، و هو ما دأب وزير الاقتصاد و المالية علي تأكيده و إقراره بوجود احتياطي نقدي يكفي لعدة أشهر، في الوقت الذي يستمر الوضع الاقتصادي في تدهور و قيمة العملة تنهار ، و يبلغ الوضع مداه ، بقرار رئيس الجمهورية يحذف صفر من أرقام العملة الوطنية للتخفيف من عبء الأرقام و تكديس الأوراق ، و السؤال الذي يطرحه الجميع هو: ما هي انعكاسات هذا الإجراء علي تحسين ظروف حياة المواطن بشكل عام و أثره علي القدرة الشرائية بشكل خاص ؟ لا اثر لهذا الإجراء علي تحسين حياة المواطن ، لأنه لا يمس جوهر العملية ، باعتباره عملية إغفال المواطن عن حالة تضخم مستديمة ، ستستمر إلى أن يأتي اليوم الذي يحتاج فيه النظام لحذف صفرين أو ثلاثة أو أكثر ! ، وعليه فان أثرها سيكون سلبيا على حياة المواطن نظرا لما تؤدي إليه من ضعف للقوة الشرائية

إن الأزمات الاقتصادية حالة طبيعية خاصة في دول العام الثالث المتخلفة ، لكن الخروج منها لا يكون عن طريق السياسات الترقيعية الفاشلة ؟ و إنما يتم من خلال خطط و برامج اقتصادية ناجعة ، تعتمد الاستمرارية ، و تكامل القطاعات ، مما يمكن من خلق اقتصاد تصديري ، يعمل على تقليل الهوة بين الصادرات و الواردات و بالتالي تخفيف العجز في الميزان التجاري .

نحن نعاني من انهيار في عملتنا الوطنية ، لذلك نحتاج إلى استثمار مقنن يخفف من عبء الاستيراد الخارجي و يوفر لنا احتياطيا من العملة الصعبة . لنفترض مثلا أن الأموال التي تنفق في بناء مجاميع الأسواق المغلقة والقصور والعمارات الشاهقة .. الخ وجهت وجهة استثمارية ذات مردود اقتصادي قيمي ، مثلا زيادة العناية بالزراعة حتى يمكن التصدير من خلالها ، و الاستثمار في المعادن من اجل فرز مكوناتها بدلا من تصديرها خاما و كذلك السمك و الثروة الحيوانية .. الخ للاستفادة من عائدات القيمة المضافة ، فانه لاشك سيطور الاقتصاد الوطني ، مما يؤدي بالطبع إلي رفع قيمة العملة الوطنية و حين نحقق التوازن الاقتصادي ، يمكن أن نبني ما نشاء و نشيد ما نريد ..

ثروة الريف في مهب الريح

نبهنا في عدد سابق ـ كان ذلك مع نهاية موسم التساقطات المطرية ـ إلى أن القطاع الريفي ، الذي هو ركيزة الاقتصاد الموريتاني قياسا بالفائدة العائدة إلى المواطن العام، يتعرض لتحدي كبير ناجم عن تراجع نسبة التساقطات المطرية في هذه السنة، وأكدنا في ذلك الوقت على أن الفئات الاجتماعية المستفيدة من هذا القطاع ( المنمين والمزارعين وملحقيهم ) قد تتعرض لأزمة غذائية وصحية ناجمة عن نقص المخزون الغذائي بفعل محدودية المنتج الزراعي بالنسبة للمزارعين، وتراجع ميزان الدخل بسبب تلف الرؤوس الحيوانية بالنسبة للمنمين، إضافة إلى انعكاس الإرهاق البدني ، الذي يسببه علاج المواشي، على صحة الفئة الأخيرة، الشيء الذي قد تنجر عنه كارثة اجتماعية إذا لم تتلافى.

وكنا نتوقع أن يجد تنبيهنا، إضافة إلى غيره من التنبيهات المؤكدة على خطورة الوضع، صداه على صعيد التطبيق من لدن المعنيين بالشأن الوطني؛ غير أن أي ساكن لم يحرك بعد والحال ما زال على نفس الخطورة، بل زاد من حدة خطورته ما أثرت به حركة الرياح التجارية القادمة من الصحراء الكبرى الحاملة معها موجة من البرد القارس والجاف في نفس الآن، والتي تسببت في تعرية المجال مما حصل فيه من الغطاء النباتي فتزامنت التعرية والجدب مع واقع حالة الجو ( البرد ) التي تتطلب وجود الكثير من المراعى لمواجهة تحديها وهو ما حصل عكسه في هذا العام.

ونتيجة لهذا الوضع، أصبحت الثروة الحيوانية التي هي أحد أهم ركائز القطاع الريفي معرضة للتلف لأنها صارت في مهب الريح واقعيا ومجازيا، واقعيا من حيث تجرد الأرض من غطائها النباتي . ومجازيا على افتراض أن المعنيين بإمكانهم أن يجعلوا من إمكانات الدولة غطاء يعوض هذه الثروة غياب الغطاء النباتي.

وليس محو الأرض من الغلاف النباتي وحده هو التحدي الأكثر خطورة على المواشي ومنميهم، وإنما شكل تراجع التساقطات المطرية عاملا فلكيا أثر في نسبة المياه الجوفية القريبة من السطح التي يتم الوصول إليها عن طريق حفر ( الحسيان ) ، التي انتقل عمقها، في بعض المناطق، من حدود أربع أمتار ( قامتين ) إلى مستوى خمس أو ست أمتار ( أربع قامات ) مع ندرة المنسوب المائي ، إذ لا يعني اتساع عمق هذه الآبار توفرها على نفس النسب المائية التي كان يتحصل عليها في المستويات الجوفية القريبة، وإنما فضلا عن طول سمكها هي قليلة المياه وباهظة التكلفة التي تعوض لليد العاملة مقابل الحفر.

إننا اليوم نعيد التنبيه بناء على هذه المعطيات ونلح بالتأكيد على أن الوضع أصبح أكثر خطورة خاصة ما يتعلق بالمنمين الذين أصبحت ثروتهم في مهب الريح أمام ضربات البرد القارس ونقص الكلأ في الشتاء و قلة الماء لمواجهة طبيعة الموسمين القادمين ( الربيع والصيف ) .

ونحن في هذا الصدد لا نستنبط من المتوقع وإنما نقدم المعطيات بناء على مشاهدة الواقع؛ فقد اطلع موفدنا على أماكن رعوية كانت في السابق تمثل ملاذا لكل المنمين لتوفرها على الكلأ والماء في أغلب أيام السنة لأنها واقعة في مجال تأثير الكتل الهوائية لقربها من مصدر هبوب الرياح الموسمية التي تحمل معها بخار الماء في آخر فصل الصف مسببة تساقطات مطرية هامة تغذي مياه الجوف وترفع من مستوى الغلاف النباتي بما يضمن احتياط الفصول غير المطيرة من الحشيش والأشجار، وهي اليوم ، بحكم سيطرة الرياح التجارية القارية القادمة من الصحراء الكبرى على الرياح الموسمية في السنة المنصرمة مما أدى إلى تراجع التساقطات المطرية، أصبحت على وشك الجدب وآبارها عميقة في الشتاء فماذا سيكون حالها في الربيع والصيف؟.

ومن الأماكن التي عاين موفد الدرب العربي أماكن في بلدية " ابلاجميل" بمقاطعة كنكوصه التابعة لولاية لعصابة مثل أعوينت الذهب وتبًل وبدنة وهي أماكن تختلف من حيث وفرة المياه وطرق الحصول عليها؛ فبدنة وأعوينت الذهب توجد بالقرب منهما عيون الماء ( آرواجة بالشعبية ) التي تنبثق من ينابيع في قمم الهضاب المطلة عليها من الشرق مثل " جگم السيال " وقد بدأ ماء هذه العيون في التراجع نتيجة للضغط عليه كما أن الحشيش بالقرب منها بدأ ينفد هو الآخر بنفس السبب أي الضغط.
أما تبل ونواحيه فيُعتمد لجذب المياه هناك على حفر ( الحسيان ) . وقد بلغت تكلفة حفر البئر الواحدة في هذه الأيام، خاصة ( معطن لودي ) ـ والبرد ما زال يحد من زيادة حاجة المواشي في شرب الماء ـ 80 ألف أوقية شريطة أن لا تعمق البئر أكثر من تبيين الماء لا إلزام الوصول إلى عمقه.

وإذا حصل هذا في المناطق الجنوبية الواقعة بالقرب من خط الأمطار فإن ذلك يعني ، بالبداهة، أن المناطق الشمالية والوسطى سيكون وضعها أكثر تعقيدا ومشاكلها أكثر وقعا.

والملاحظ ـ رغم بيان صعوبة الحال ـ أن الفتور والتقاعس الذي كان يطبع الخطاب والعمل الرسميين تجاه سكان الريف في هذه السنة، أيام تنبيهنا الأول الذي مضى عليه ثلاثة أشهر، مازال هو نفسه ذلك الفتور وذلك التقاعس! اللذين يفسران مدى احتقار نخبة البلد الحاكمة لمجتمعها فهل هذا هو قدر المواطن الموريتاني أم أنه يترقب تغييرا قادما هذه إرهاصاته؟.


تفكيك الوطن العربي .. أخطاره و متطلبات مواجهته !!

أصبح من بداهات القول إن مخططات و مشاريع تقسيم و تفكيك الوطن العربي لا تزال مفتوحة و مستمرة في العقل الاستعماري مع تعدد و تنوع أطوارها و تجلياتها و أدواتها و ارتفاع و تيرتها ، و مع اتخاذها لصور أكثر شراسة و عدائية ضد العرب و ظهور أفق و مجال ممكن و متاح في الوقائع الانحطاطية العربية الراهنة لإجراء هذه الجراحات الاستعمارية الاستراتيجية المتوالية التي ستأخذ الأمة العربية إلى الانقراض و الزوال. و تصل الفكرة الاستعمارية المتوحشة الآن إلى تدمير الدولة العربية و بعدها و مدارها القومي و كل المعاني الاندماجية التوحيدية المرتبطة بها و الكامنة في ثناياها ، والسعي الملح إلى تحويلها إلى كانتونات و جزر منعزلة متقاتلة ، و استبعاد الرابطة القومية و طمس الهوية العربية و استبدالها بهويات فرعية هجينة و قاتلة، و تفكيك المجتمعات بإعادتها إلى عصبيات تحتية قبائلية و جهوية و طائفية و إشغالها في حروب أهلية بينية لا تبقي و لا تذر ، و تضع الناس أمام خطر الفناء و الإفناء ، وتعيد الشعوب إلى حالة من الفقر و الجهل و المرض ، و إلى العدم بأسوأ تجلياته و حالاته ( ونأخذ هنا في الاعتبار و الاستدلال ما يفشو في اليمن و سوريا و العارق من أمية و انقطاعات عن الدراسة و الكوليرا و أوبئة متنوعة ، وعدم توفر الخدمات و المتطلبات الأساسية لحياة المواطنين في هذه البلاد ) . و إذا كنا قد أغفلنا هذه الظاهرات في الأعوام السابقة ، جراء الانفجار العربي الكبير و نتائجه الكارثية المغايرة لبداياته و مقدماته و دوافعه، و استسلمنا أمام معطياتها و أخطارها ، وأغفلنا معها الكليات و اهتممنا بالجزئيات ، فإن الحاجة تبدو ملحة الآن لمتابعة مآلات هذه الانهيارات و عدم الوقوف موقف اللامبالاة إزاءها ؛ إذ لا بد من تمعن جديد و اضطراري في أخطارها و تداعياتها لوقف هذه التراجعات و الكوارث الخطيرة التي تتحول الآن إلى معركة وجود و حاضر و مستقبل ، و ليست نزاعات فرعية و هامشية يمكن محاصرتها و التغلب عليها. تطرح الآن على الطاولة الاستعمارية و على الواقع العربي مشاريع تفتيتية أشد و أقوى أثرا و تدميرا من سابقاتها السايسبيكوية ، ذلك أننا نراها تمسك لهذه الغاية بمبضع حاد و بغيض لإحداث ثقوب و تشققات في الروح و التاريخ و الجغرافيا قدمه لهذا الاضطراب العربي الشنيع و هذه الانشطارات و البيئات الانقسامية التي بدأت تتخلق و تتولد في الأقطار التي اجتاحتها حركات الاحتجاج الأخيرة و أنتجت واقعا يريد أن يجعل واقعا يريد أن يجعل من القطر العربي الواحد أقطارا ، و يريد أن يوظف الأقليات و العصبويات المختلفة للتشطير و التذرير ، و سعى إلى إبقاء هذه الطوائف و العصبويات المتناثرة في حالة صراع و اقتتال دائم لكي يفتح المجال لتسيد الكيان الصهيوني عليها و إبقائها تحت مطرقته و نفوذه الطغياني في المنطقة. و لأن ما يتهدد الأمة في المرحلة الراهنة هو حالة نوعية من الانهيار و اللامبالاة مترافقة مع اشتداد الحملة الاستعمارية بكافة أطرافها الدولية والإقليمية لإنجاز مشروعاتها في تفكيك الأقطار العربية و وضع أزماتها البنيوية في خدمة هذا المشروع العريض ، فإن الأمر أصبح يتطلب ردا نوعيا معاكسا في الاتجاه و قويا في معانيه و دلالاته و وقعه ، ذلك أن النوازل الكبيرة تتطلب انتهاضا قويا و أفعالا تاريخية و استجابات شعبية تعرقل و توقف هذا الانهيار و تداعياته ، و تقدم مواقف اعتراضية و احتجاجية تشي بيقظة الوعي ، و تدارك الأخطار و الاستعداد للمواجهة. و لأن ما يجري أصبح يهدد الكثير من الثوابت الوطنية و القومية و الوجود العربي بأكمله ، فإن الضرورات أصبحت تقتضي إدراكات من نوع مختلف و اشتقاق محاولات و مبادرات يمكنها أن تضع تصورات عملية و عاجلة لمواجهة موجة التفتيت القائمة و التمسك بموقف قومي ثابت إزاءها و أصبح من ضرورات البقاء و الاستجابة و التداعي لخلق رأي عام حول هذه المسائل تمهيدا لانبثاق آليات عمل جديدة في الواقع العربي تدفعه إلى ممارسات نوعية تخرجه من حالة التأزم و الانهيار. و محاولة إنتاج وعي جديد و مؤثر حول التأزم العربي و طرق تشخيصه في أطواره المتسارعة الحالية و تجاوزه تقع في صميم المهمات المطلوبة في المرحلة الراهنة ، وتشكل نقطة البداية في التحريك و الفهم المختلف ، وتوليد الضغط المطلوب على الجهات الرسمية و الشعبية للانخراط في حملات جديدة من الاستنهاض أو على الأقل وعي المأساة و السعي إلى تحديد الأسئلة و الأجوبة المطلوبة لفتح الآفاق العربية المسدودة ، و الانتقال إلى عصر عربي جديد فيه إدراكات حادة و فيه توجهات لاقتحام هذا الجدار من الاستعصاء و الردة .. إسماعيل أبو البندورة. ( من صوت الأمة العربية، مصدر سبق ذكره ) .


البعث ضرورة تاريخية لمواجهة مشاريع التقسيم .. ! ( ح 1 )


كثر الحديث ، في الآونة الأخيرة، على مخططات تقسيم الأقطار العربية المنبثقة أصلا عن التقسيمات التي حدثت في نهاية القرن الماضي في إطار مشروع سايس – بيكو الذي قسم الوطن العربي إلى دويلات للهيمنة على ثرواته و خاصة في منطقة الخليج . و على هذا ، بادرت مجموعة من أخيار الأمة و طلائعها الثورية لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947 لمواجهة التحديات الخطيرة التي واجهت الأمة في ذلك الزمن ، من بينها وجود الاستعمار على أجزاء كبيرة من الوطن العربي ، أضف على ذلك حالة التخلف المتفشية في المجتمع نتيجة سياسة التجهيل و التجويع الذي مارسته القوى الاستعمارية في حق الشعب العربي. و أكبر تحدي يهدد كيان الأمة هو التجزئة كحالة غير طبيعية ناتجة عن مشاريع التقسيم التي فرضتها القوى الغربية الاستعمارية ، و على هذه المعطيات طرح البعث المبادئ الثلاثة : الوحدة العربية و الحرية و الاشتراكية كأهداف لتحقيق النهضة العربية و استرجاع الأرض المحتلة و إتاحة الفرصة للمواطن العربي لاستغلال ثرواته من أجل التنمية و التطور و الخروج من التبعية للأجنبي. فالبعث قاوم مشاريع التقسيم و قدم تضحيات كبيرة و متواصلة إلى حد الساعة، متمسكا بمبدأ الدفاع عن القضايا القومية و المبادرة إلى تحقيق بعض المشاريع الوحدوية و خير مثال على ذلك المساهمة في الوحدة بين مصر و سوريا عام 1956 . و في عام 1989، بادر الشهيد صدام حسين إلى العمل على إنشاء مجلس التعاون العربي الذي ضم العراق و مصر والأردن و اليمن ، و يعتبر هذا المجلس كيانا اقتصاديا يدفع باتجاه دعم الجهود الوحدوية الاقتصادية العربية نحو تحقيق الحلم العربي ( السوق العربية المشتركة ) ، كما يهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي التدريجي بين الدول الأعضاء ، وخاصة الميادين الاقتصادية و المالية و الصناعية و الزراعية و النقل و البحث العلمي و الشؤون الاجتماعية و الصحية و السياحية، سعيا نحو إقامة سوق مشتركة بين الدول الأعضاء ، وصولا إلى السوق العربية المشتركة و الوحدة الاقتصادية . . هذا الموقف التاريخي الذي اتخذته القيادة العراقية قيادة الشهيد صدام حسين هو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية و الكيان الصهيوني و معهم الخونة من عرب الجنسية أن يحيكوا المؤامرات تلوى الأخرى للوقوف ضد أي مشروع وحدوي يخدم مصالح العرب إلى أن جاء العدوان عام 2003 لاحتلال العراق و اغتيال قادته و رموز البعث. فاحتلال العراق ليس كما يروج له الأعداء و عرب الجنسية و الخونة لتحرير العراق من الدكتاتورية وإنما احتلال العراق و سن قانون اجتثاث البعث هو تمهيد لتقسيم الأقطار العربية بدءا بالعراق و هو في طريقه إلى سوريا و اليمن وليبيا ، و البقية فهي ضمن المشروع دون استثناء. و اليوم عندما بدأت عملية التقسيم و التفكيك استفاق الكل و أصبحوا يتحدثون عنه كواقع و ليس كوهم ، أو كما يحلو للبعض عن نفي قضية المؤامرة على الأمة ؛ فالمؤامرة موجودة و التقسيم سار المفعول .. و لكن ينبغي أن نضع النقاط على الحروف. ( يتبع )

المصدر : صوت الأمة العربية. جريدة حزب البعث العربي الاشتراكي في الجزائر، العدد 137 ، أكتوبر2017


و حدة المغرب العربي .. ضرورة تاريخية!! ( ح 1 )

إن حزب البعث العربي الاشتراكي يولي اهتماما كبيرا لتحقيق وحدة المغرب العربي ، ويناضل لجمع شمل هذا الإقليم العزيز من الأمة العربية و هو عنصر أساسي يقوي وحدتها و يسرع في إنهاء حالة الانقسام القطري و العرقي ، و يزيل حالة العزل ، التي تفرضه الأجندات الأجنبية و أصحاب النفوس المريضة لقطع جناح هذا الإقليم من الوطن العربي، و ذلك لتعطيل وحدته أو القضاء عليها. و ما تأجيج مشروع ( نزعة المزغنة ) ، من الأمازيغ، في كل الأقطار المغاربية إلا دليل على ذلك . إن الظروف التي تمر بها الأمة العربية ، و معايشتها و مقارعتها لمشاريع الفوضى و التفتيت تلزم البعث بالتحرك الجاد و الميداني ، و بالمبادرة بالانفتاح على القوى الخيرة في الساحة المغاربية ، لأن كثيرا من المؤشرات تؤكد على أن الأعداء و الخصوم يسعون إلى استغلال كل المنافذ قصد زعزعة الاستقرار بالمنطقة ، و من ذلك إدامة الصراع في ليبيا و القضاء على أي أثر للدولة و المواطنة و تمزيق النسيج الاجتماعي ، و تكوين كانتونات متقاتلة ، متشاجرة تستقوي كلها بالقوى الأجنبية ، وجعل الساحة المغاربية ميدانا للصراع الدولي أيضا ، فيما يبقى الشعب العربي الليبي هو حطب هذا الصراع و مخزونه من النفط يشفط ليكون مصدر خطر على الأقطار المغاربية و خطرا كذلك على مصر و السودان ، في حوض النيل. كما أن المشكل في الصحراء الغربية ، و الذي عمر طويلا ، يمثل سكينا مغروسة في خاصرتي المغرب و الجزائر، و مقبض هذه السكين بيد القوى الاستعمارية الكبرى تحركه متى تشاء لينغرس أكثر و يحدث توترا و انزعاجا لدى القطرين، مع استفحال أساليب المساومة و الابتزاز لتقويض سيادتهما و إلهائهما بمشكل النزاع على حساب مصلحة الشعب المغاربي في التنمية و التطور الاقتصادي و الاجتماعي. كما أن مشكل الساحل يصب في نفس الأجندة ، أو من نفس المصدر و يخدم نفس الأهداف ، إلا أنه موجه للجزائر بشكل أكثر إيغالا في السوء ، فهو يستهدف أمنها و وحدتها الترابية من خلال زرع هذه المنطقة بالمنظمات الإرهابية و مجاميع الجريمة المنظمة ، و تدعيم ذلك بالصراعات العرقية في مالي و النيجر ، و إيصالهما بالساحة الليبية كمصدر تمويل بشري و مادي يبقي الخطر قائما يستنزف الطاقات المادية للجزائر ، و يرهق أجهزتها الأمنية المنتشرة على امتداد أكثر من ( 6000 ) كلم . فالمشكل الأمني المهدد لحدود الجزائر يستلزم إعادة بلورة منهج متحرر من هذه الاكراهات ، و بناء علاقة جد متطورة بينها و بين أقطار المغرب العربي في المجال السياسي و الأمني و الاقتصادي ، وإيجاد الحل لمشكل الصحراء و المساهمة الجادة و السديدة للقضاء على الأزمة الليبية ، وإعادة الاستقرار لشعبها. كما أن المغرب ، و دون انفتاحه على شقيقته الجزائر، و بناء علاقات تخدم مصلحة المغرب العربي بإزالة كل المشاكل العالقة ، سيبقيه يعاني ، هو أيضا، من إكراهات خطيرة تنعكس سلبا على الجبهة الاجتماعية ، حيث يعاني هذا البلد الحصار من الشمال على منتجاته الزراعية ، ومن شح موارده الاقتصادية ؛ وحتى هروبه إلى العمق الإفريقي ، فإنه لا يعوضه عن الانتعاش الاقتصادي ، الذي سيستفيد منه بفضل تحسن العلاقات المغاربية ، في فتح الحدود بينه وبين الجزائر و التبادل التجاري معها، مما يساهم في تطوير للشراكة بين القطرين الشقيقين. إن أي تقارب في العلاقات لا يتم إلا بتوفير النية الصادقة ، لذلك فالشروع في إزالة المعوقات، التي تحول دون قيام هذا التقارب ، ينطلق من إيقاف الاستفزازات المتبادلة بين القطرين من تصريحات إعلامية و دبلوماسية ، و كل ما من شأنه أن يثير التوتر، و تفعيل اتفاقية محاربة كل أنواع الجريمة المنظمة من إرهاب و مخدرات و غيرها من الممارسات غير الأخلاقية التي تغذي التوتر، فضلا عن فتح الحدود أمام تنقل الأفراد ، وتنظيم سوق التبادل التجاري و الاقتصادي بين القطرين، و تفعيل ميثاق اتحاد المغرب العربي على المستوى السياسي و الدبلوماسي عبر تنشيط مهام هيآته و مجالسه و مؤسساته، و كذلك إيجاد مواقف موحدة و مشتركة بين دول الاتحاد على ضوئها يتحرك الفعل بإزالة كل المعوقات و التوترات الاعتباطية ، التي تصب جميعها في خدمة و مصلحة القوى الاستعمارية ، و تضر بالعلاقات الأخوية و مصلحة الشعب الواحد .. ( يتبع ) .

العاقل من اتعظ بغيره !!

يحكى أن شيخا من قدماء العرب عاش من عمره زهاء قرن من الزمن ، لكنه امتاز عن غيره من أقرانه بالحكمة و بعد النظر ، فلما بلغ به الكبر عتيا آثر أن يترك بين الأجيال اللاحقة نضحا من تجربته في الحياة لعله ينفعهم في بلايا الحياة. فكان مما نفع به الملوك و الرؤساء و سادة الدول :أن القلب و اللسان هما موضع الاعتبار في تصرفات الإنسان ، وأن عليهم ، إن أرادوا النجاة من الوقوع في مزبلة التاريخ ، أن يفكروا مليا فيما سيقدمون عليه ، لأن الأيام لا محالة ستكشف ما كانوا يصنعون , و واقع الحال أن الشعب الموريتاني خاصة البسطاء منه قد تعودوا على اللهاث خلف عسلي الكلام الصادر من الحكام ؛ فإذا به يردد ذلك صدى ذلك الصوت الرئاسي .. و إذا به يلتمس فيه المخلص من الفقر و الجهل ، تدفعه عقيدته غالبا إلى التيامن بحسن الألفاظ .. أجل ذلك هو حال الناس البسطاء في هذه الأرض الطيبة !لكنهم مع ذلك لا ينسون مقولة أخرى ، وهي أصدق حديثا عن الواقع، مضمونها أن من يكون غنيا و لا يفتأ يتحدث عن غنى أرضه بخيراتها و بعبقرية أبنائها ، و لم يستعفف و تتوالى ، على مرأى و مسمع منه، عبارات السخط ؛ و مظاهر الجوع تسيطر على أجواء حاشيته ، فإن المصير الحتمي هو الزوال بعد الاستغناء عنه. و قد قدم الحكيم، المنوه عنه أعلاه، النصح تفاديا للوقوع في زلل التهافت على تحصيل المال دون إنفاقه في موضعه. لكن المجال لا يزال مفتوحا ؛ إذ من الصفات الحميدة عند العرب، التي جعلها هذا الحكيم منجاة من الكثير من الذنوب التي يقترفها الحاكم ، هي الكرم ! فكلما زاد فيه الإنسان كلما تحبب إلى قلوب الناس ؛ فما بالك بمن أوتي مفاتيح الخزائن الملأى بما لا يملكه أو لا يشاركه فيه الناس ، و قد ألحوا عليه بأن يتكرم عليهم بما في يديه ؛ إنهم سيظلون إلى جانبه طالما أنه ينفق عليهم من هذا المال . فلما ذا هذا التقشف ، إذن ؟. و تزداد الحيرة عند عامة الناس و يسود الظلام في الأفق حين لا يجدون من مجيب ؛ فساعتها يصبح الجواب ممتنعا. فتغيير العملة مألوفة التداول خير معبر عن المصير الذي ينتظرونه، وهم في هذا الارتباك حتى يضرب الحاجب مطرقته معلنا بأن الحاكم مقبل على أمر ما!؛ فيتجمع الناس، أو يتجمدون، في فناء رحب يهمس بعضهم لبعض : يا ترى ما الذي سيناله كل واحد منا ؟ .. فلا شك أن هناك مزايا جديدة ، و سيجعل الله بعد عسر يسرا. و بينما هم في انتظار أن يخرج عليهم القائل : أيها الناس تعلمون أن السلطان يثق فيكم كثيرا .. و تعلمون كذلك تعلقه بكم و قد دعاكم إلى هذا المكان بأن الأمور لم تعد كما كانت ، و عليه فإنه عازم على أمر هام سيغير مجرى الأحداث في القريب العاجل ! .. فهل أنتم كما عهدكم السلطان ! فيصيح أحدهم : أجل .. أجل نلبي النداء ، أجل !.

عندها يستيقظ النوم ، الذين نسوا كيف وصلوا لهذا المكان، فيصيحون مثل صاحبهم أجل، ويهزون رؤوسهم ! فيعود القائل لخطابه : إذن، عودوا لأماكنكم .. و أجمعوا أمركم ، و لا يبخل أحدكم بجهده فنحن في مواجهة مع الفساد و صوتوا بكثرة لصالح البرنامج الذي سيعلن عنه، فهو الحل !

فهل أنتم موافقون ؟ .. فيجيبون : أجل .. أجل!!
و هكذا دواليك إلى أن يتصدر المشهد رجل مهيب ذو رتبة عليا في الحرس ؛ فيعلن أن هذه الجماهير المحتشدة إنما جاءت لتعلن تأييدها للتصحيح و تشبثها بالتغيير الذي حصل ! فيهرع الناس إلى الشارع : نعم .. نعم! لبيك و سعديك و الخير كله بيديك أيها المنقذ الجديد : لا لتعديل الدستور .. نعم للمحافظة على المكاسب ! ثم ينصرفون إلى بيوتهم ليستولي كل منهم على ما أمكن من موجودات السلطنة في انتظار معرفة السلطان الجديد! فاعتبروا .. !!

الامبريالية العنصرية .. العداء الدفين للأمة العربية ( ح 3 )

فحزب البعث العربي الاشتراكي منذ بداية حكمه في العراق ، عمل على تطبيق سياسته العامة ونهجه الإنساني علي كافة مفاصل الحياة و رغم جسامة المسؤوليات وتعقد الأوضاع الداخلية للبلد ، وصعوبة الوضع الدولي ، استطاعت إرادة البعثيين أن تفجر طاقات شعب متخلف و تحررها من براثين الخنوع و الكسل للانطلاق نحو النمو والتطور . حيث تعتبر الوسيلة الوحيدة و الناجعة لتحقيق الاستقلال بالاعتماد علي الذات في كافة المجالات .

كان النظام الوطني في العراق متفهما لواقع الصراعات الإقليمية و الدولية و ضرورة عدم الانجرار و راءها ضمن المحاور الدولية ، و عمل في كل اللقاءات و القمم العربية علي التحذير من خطورة الاصطفاف أو الاعتماد علي احد أقطاب الصراع الدولي آنذاك وفي هذا الصدد يقول الشهيد صدام حسين : ( إن الولايات المتحدة ستسعى إلى استغلال تدخل السوفييت في المنطقة ، بصيغة تخويف الأنظمة في الشرق الأوسط لإعادة نفوذها إلى المنطقة بما يؤثر على استقلالية الأمة و مصالحها الحيوية . و لا يغيب عن أذهاننا ، أن بعض الأنظمة العربية لا تتوفر فيها مستلزمات الصمود الذاتي ، و هذا لا يعود إلى صغر حجمها أوالى قلة إمكاناتها و إنما عائد بالدرجة الأساس إلى عدم توفر الإرادة الصحيحة و الاعتقاد الصحيح و التعامل الصحيح مع الشعب ، مثل هذه الأنظمة سيختل توازنها بما يضعف حالة التميز المطلوبة ) .

و عمل النظام الوطني في العراق على التحسين من واقع الشعب العربي و مساعدته حسب الممكن ، حيث وفر له فرص العمل والتشغيل و التعليم دون التمييز بينه و أبناء العراق .

و قد عاني النظام الوطني في العراق من ابتزاز الأعداء الإقليميين و الدوليين منذ و جوده في الحكم ، فالولايات المتحدة الأمريكية راقبت تطور الأوضاع في العراق منذ البداية ، و عمدت إلى تركيز قوتها في الخليج و إقامة قواعد في الدول المجاورة ، هذا مع تجنيد الاستخبارات الأمريكية و الغربية عموما العديد من عملائها للإساءة للعراق لكن قوة المخابرات العراقية كانت دائما تكتشف هؤلاء قبل الدخول في ميدان العمل مما افشل الكثير من المخططات العدوانية علي هذا البلد .

و الكيان الصهيوني من جانبه كان مصرا علي إفشال ذلك النموذج القومي العربي النهضوي الذي يري في نجاحه نهايته ، فنقلا عن " أدعوت احرانوت " الصهيونية أن الإرهابي شارون كان يكاد لا يأوي إلى فراشه ، فسألته زوجته عن السبب ، فقال لها انه مهتم بالحرب بين العراق و إيران لان رجلا يقال له صدام يريد محو إسرائيل من الوجود ، و على ذلك فانه يربي الأطفال الصغار على أن إسرائيل هي العدو للعرب بينما إيران دولة صديقة .

كما دبر الكيان الصهيوني العديد من المحاولات لاغتيال الشهيد صدام حسين لكنها كلها باءت بالفشل ، حيث كان آخرها ما كشف عنه "روني بريكمن " لجريدة " أدعوت احرنوت " أنه نظرا لخوف الكيان الصهيوني من خطورة الصواريخ العراقية ، فان الإرهابيين رابيين و باراك وضعا خطة لاغتيال الشهيد صدام حسين في التسعينيات من القرن الماضي أطلقوا عليها خطة " نبتة العوسج " تتمثل في استهدافه بصاروخ أثناء تشييع جنازة عمه حسب المخطط ، إلا أن الخطة فشلت بعد مقتل ستة جنود أثناء التدريب .

و لا ننسى استهداف الكيان الصهيوني للمفاعل النووي العراقي كما أوردنا في الحلقة الأولي من هذا الموضوع ، فهذا جزء ضئيل من سلسلة حلقات استهداف من طرف مختلف الأعداء نشأت مع بداية حكم حزب البعث للعراق و استمرت حتى تمت الإطاحة به من طرف الأعداء. فأينما وجدت الإرادة و الإخلاص للأمة العربية كانت نقطة تركيز للامبريالية و الصهيونية و حلفاءهما .




 





الاربعاء ١٤ جمادي الاولى ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / كانون الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة