الشباب هم الجوهرة الثمينة في جيد الأمة ، والنجمة الساطعة في سمائها ، فهم في أمس الحاجة الى النصح والمحافظة عليهم ورعايتهم وتوجيههم ضد الغزو الفكري التي اتسعت دائرته ، ذلك الغزو الموجه من الأعداء الذين لا يريدون بالعراق والأمة خيرا ، بل يثيرون الشكوك ، حتى يباعدوا بينهم وبين مبادئهم وقيمهم بالشبهات وقلب الحقائق في غزو فكري يجعل بين الشباب وبين تعاليم العروبة والاسلام هوة سحيقة .. فان الاهتمام بتحصين عقول الشباب ضد هذا الغزو الموجه ، لما يتوفر للعراق والأمة به جيل صالح يعين على تخطي العقبات ، وينشط معه البناء والتعمير في عقول الشباب حصانة وتعليما للوقوف أمام تيارات الأفكار الهدامة الموجهة ...
ان الأمم تحرص على الاهتمام والعناية بالشباب وتبذل في سبيل رعايتهم وتعليمهم الشيء الكثير من جهدها ومالها ونشاطها لأنها ترى من الضرورة المحافظة على صيانة وسلامة تلك الدرة الثمينة في فترة التفتح لأنهم مناط الأمل وركيزة التصدي لكل ما فيه دفاع عن الوطن .. لكن هل حققت كثير من الأمم ما تريده من الأماني وما ترجوه من ثمرة وخاصة في المجتمع العربي الذي يصارع أبناؤه تيارات فكرية عديدة ، موجهة نحو شبابها ، ومقصود من وراء ذلك تصيد عقولهم بالشبهات ، في محاولة لطمس معالم الهوية العربية والاسلامية ، ونكران أثر حضارتها على البشرية ، وخاصة أثر هذه الحضارة المشرقة على الغرب ، ومن ثم تحصل الآثار السيئة في المجتمع وهذا ما يهدف اليه الأعداء ...
ذلك يجب الأخذ بالأسباب في تنشيط عقول الشباب وتوعيتهم كي يتصدوا للغزو الفكري الهجين الموجه لهذه العقول بطرق شتى وأساليب عديدة ، وحتى لا يتأثر الشاب بما يقصده الأعداء للصغير قبل الكبير ، وللعروبة والاسلام قبل كل شيء ، لأن الأعداء يدركون أن قوة المواطن العربي هو ايمانه بعروبته واسلامه ، وحصانة الشاب في قوة ايمانه وتمكنه ، وادراكه ما تعنيه قيمه ومبادئه ، فهم يغزونه من هذا الجانب لاحداث ثغرة ينفذ منها فكرهم في عقول شباب الأمة ، لتخدم أغراض الأعداء ، وتضر بالمجتمع العربي .. فالجريمة والتفسخ الأخلاقي وذوبان الشخصية المستقلة ، وتوسع دائرة النوازع الكثيرة التي تضر بالشاب وعائلته ومجتمعه ...
ونحن نعيش عصرا تتماوج فيه الاتجاهات الفكرية وتتباين ، ويشهد شبابنا صراعا فكريا ، يأخذ مديات بعيدة ، وجهات شتى تنأى به عن كل المباديء والقيم العربية الأصيلة ، بل ان الساحة العربية يحتدم فيها النزاع ، وتشتد فيها المنافسة بين القنوات الاعلامية المتعددة - المقروءة والمسموعة والمرئية - وتحمل الغث والسمين مما هو مبثوث من داخل المجتمع العربي .. وهي محور الصراع الذي تخطط له القوى الامبريالية الغازية التي تهدف الى العمل على تحويل التوجه الفكري الثقافي لدى الشباب العربي بعيدا عن معطيات العروبة والاسلام كي ينشأ مبتوت الصلة بعروبته وقيمه ، مفتونا بحضارة الغرب ، وأن يظل على هذا الحال لا يملك الفكاك منه ولا الحياد عنه .. وعلى هذا فان حماية النشأ الجديد وصيانتهم من آفات هذا المد الاعلامي الثقافي وأوضاره وخبثه مسؤولية كبيرة تقع على كاهل الأبوين أولا ومن ثم رجال التربية ...
لقد أخذ الغزو الثقافي امتدادا عميقا في أوساط الشباب ، وأحدث شروخا كثيرة في بنيان المجتمع العربي ، الأمر الذي يعطي دلالات على تقصير الكثير من الآباء والتربويين في النهوض بواجباتهم ومسؤولياتهم التربوية نحو الأولاد ، أو أن جهودهم لم تكن في المستوى المواكب المكافئ لهذا الغزو .. فهناك ثلاثة أخطار في بؤرة الغزو الثقافي الذي يعاني منه الشباب في البلاد العربية ، ويتحتم على المعنيين ادراك أبعادها الخطيرة والعمل على تحصين الشباب منها ووقايتهم وهي : خطر المخدرات والبطالة والافتتان بحضارة الغرب .. فيجب ادراك أولياء الأمور والمعنيين بهذا الشأن هذه الأخطار الثقافية وآثار القنوات الاعلامية التي تعمل ليل نهار ، والعمل الجاد في توعية الأولاد وتبصيرهم بأعدائهم ، وما يكيدونهم لهم ، وما يعدونه من خطط وأساليب ، وفي الوقت نفسه تبصير النشأ الجديد بقيم ومباديء العروبة والاسلام لتقوم بذلك الحصانة الكافية واللازمة لوقايتهم من الخطر الثقافي الذي يشهد تناميا على مر الأيام ...
ان القوى المعادية للعروبة والاسلام ما تود أن يكون للعربي خير قط ، فهم يعملون للكيد له والحاق الأذى به بأي طريق يستطيعون عليه .. فان حماية الشباب من تلك الهجمة الشرسة يتطلب تظافر كل الجهود ابتداء من الأسرة ، وبناء علاقة وثيقة بين الآباء وأولادهم تقوم على أسس الحوار والمصارحة والمتابعة والاهتمام اليومي ، وهو ما سيساعد الأهل على توجيه أبنائهم وارشادهم للطريق الصحيح وملاحظة أي تغيير عليهم ، وبالتالي المبادرة في ارشادهم قبل فوات الأوان .
