شبكة ذي قار
عـاجـل










لأكثر من أربعة عقود من السنين، لم تكن معاناة اللبنانيين مع الكهرباء لتغيب عنهم حتى تعود إليهم من جديد، ويزيد من حجم إحساسهم بغيابها أشهر الصيف من كل عام، لا سيما تموز وآب، حيث تتسع الفوارق بين ما هو مطلوب من طاقة كهربائية للتغذية، وما هو متوفر منها: إنتاجاً، فتدب الصرخة وتعلو كما هو حاصل هذه الأيام، ثم ليخفتالصوت بعد الخامس عشر من شهر أيلول حيث تخف تدريجياً حالات الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، ليعود بعدها اللبنانيون ويتأقلمونمع هذه الأوضاع فيما تبقى من فصول وهكذا دواليك في الوقت الذي تزداد كهرية العلاقات بين الأطراف الرسمية المعنية بذلك وتزيد معها الاتهامات المتبادلة بتحميل كل منهم المسؤولية للآخر إلى حدود التشهير والتخوين والتسبب بالسرقات وهدر المال العام، ثم لتعود الأمور كما بدأت بينهم في تبويس اللحى وتدوير الزوايا وتحميل المواطن كل ما يترتب عن فسادهم، معاناة وهموماً واعباءاً اقتصادية جمة باتت تطال الحياة اليومية للبنانيين وهم يرزحون تحت طاحونة الضغط المعيشي الثقيلة التي لا ترحم ولا يتوقف طحنها على حال.

في واقع الأمور، يمكننا القول أن السلطة اللبنانية وعلى مدى عهود ما بعد الطائف وحكوماتها المتعاقبة، نجحت في دفع المواطنين إلى اليأس والقرف بعد أن عملت على ترويضهم في حرارة الصيف وصقيع الشتاء، على تقبل كل ما تفرضه عليهم من أمرٍ واقع، يساعدها في ذلك راس المال المتوحش الوافد حديثاً على لبنان بعد اتفاق الطائف في تسعينات القرن الماضي، وبالتالي أجبرتهم على التخلي تدريجياً عن كل ما كان مرفوعاً من مطالب حول الرفض القاطع لخصخصة الكهرباء، فإذا بالجميع أمام حالات التيئيس المتتالية، يندفعون مطالبين بشركات الإنتاج الخاصة في مناطقهم، مفضلين على يبدو، الخصخصة على ما عداها من عتمة وظلام وتقنين.

ويزيد من سوريالية المشهد هذا، أن رموز رأس المال المتوحش يتصدرون واجهات المطالبين بالحلول السريعة العاجلة لتوفير الطاقة ليرفعوا بذلك منسوب "الديماغوجية" التي أغرقوا فيها الناس وفق خطابات شعبوية لم تقدم حتى الآن أية دراسات علمية وعملية ودفاتر شروط، أو الاستفادة من تجارب أخرى شهدتها بعض المناطق اللبنانية بقاعاً، يجري اليوم الكثير من اللغط والشبهات حول ما يُدفع من تعرفة عالية للكيلوات فيها، بعد أن تم تجميع المولدات الخاصة في أيدي أصحاب التجربة والاستفادة من الكهرباء الرسمية التي تقدمها شركة كهرباء لبنان فضلاً عن تسخير أعمدة كهرباء لبنان وتمديداتها لتسهيل ذلك، في الوقت الذي كان مطلوباً العمل الدؤوب على بناء وتشييد مصانع جديدة في كل المناطق والمحافظات أو الاستفادة من العروض المتساهلة جداً وضئيلة التكلفة التي قدمتها دول أوروبية على سبيل المثال وتم رفضها لمصلحة من لا يريدون لعملية هذا البلد الاقتصادية أن تدور.

إن ما يحكى عن صفقات وسمسرات بمئات الملايين من الدولارات، على حساب الكهرباء، تكاد لا تصدق، ولكنها الحقيقة التي نمت على جوانبها مافيات المولدات الكهربائية للاشتراكات الخاصة، وشركات المحروقات الموزعة حصصاً على أطراف نافذين لا يتعدون عديد أصابع اليدين، وهؤلاء تحولوا إلى دويلات صغيرة داخل كل حي ودسكرة على طول وعرض أراضي الجمهورية اللبنانية، لهم من يحميهم ومن يمدهم بكل أسباب الاستقواء على الدولة ومؤسساتها، وبالتالي لم يعد من مصلحتهم جميعاً أن ينعم لبنان بكهرباء على مدار الساعة تديرها الدولة وفق المؤسسات الرقابية والتشريعية والتنفيذية الرسمية وتقدم الطاقة للبنانيين بالأسعار المعقولة والعادلة وتدفع بالاقتصاد المتدهور إلى الانتعاش والخروج من حال الغيبوبة القاتلة التي يعيش.

إنها أولى وأهم وأقدس المهام التي تنتظر المواطن اللبناني أمس واليوم وغداً، وأولى واجبات المجتمع المدني اللبناني بنقاباته العمالية والمهنية وحرفييه وطلابه وجامعييه وشبابه وشيبه ونوادية الاجتماعية والرياضية والشعبية وكل القوى التي تبغي التحرر من قبضة فاسدي السياسة والأحزاب الذين يتحملون المسؤولية الكاملة عن كل ما وصل إليه لبنان السهل والجبل والعاصمة والمحافظات والأخضر الذي تغني به الشعراء، من فشل إلى فشل.

وليعلم كل اللبنانيين، ان خصخصة الكهرباء آتية إليهم لا محالة، ولكن على طبق المزيد من تدفيعهم الرسوم لصالح حفنة من "اوليغارشية" تحالف نفوذ السلطة مع رأس المال.

وليتوحد اللبنانيون ولتعمل طلائعهم ونخبهم على إخراج قضية الكهرباء من بازار المتاجرة اليومية بهموم الناس ومعاناتهم، وليتحملوا كل ما يلزم من أعباء وتضحيات للمواجهة حيث أن وجع ساعة أفضل من وجع كل ساعة بالتأكيد، وكي لا يصح فينا قول الشاعر :

ربّ يُومٍ بكيت فيه، ولما صرت في غيره بكيت عليه
 





الثلاثاء ٢ ذو الحجــة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أب / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة