شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ 12 سنة، اعتاد أحرار العرب والمسلمين في شتى أصقاع الأرض على استقبال يوم عيد الأضحى المبارك استقبالا مخصوصا، تتداخل فيه المشاعر والأحاسيس وتضطرب اضطراب الأمواج المتلاطمة، وتتمزق الأفئدة بين إحياء سنة مؤكدة وبين استذكار حدث جلل هز الضمير الجمعي لدى العرب والمسلمين هزا شديدا، هو بلا أدنى شك اغتيال صدام حسين فجر العيد في اعتداء سافر وجبان على مشاعرهم ومخالفة لكل الشرائع السماوية والمواثيق والأعراف الوضعية.

فبعد غزو العراق الجائر عام 2003، وبعد تدميره وتخريبه والعبث به أرضا وشعبا وتاريخا وحضارات، وإثر تعقب أركان النظام الوطني فيه وعلى رأسهم صدام حسين وكوكبة الرجالات المحيطة به، وبعد المحاكمة المهزلة التي تعرضوا لها، قضت دوائر البغي والشر ومجاميع الاستكبار والطغيان بضرورة التشفي من صدام حسين الفكرة والإنسان والمناضل والقائد والمقاتل الذي قضى معظم حياته منافحا عن شعبه وأمته ووطنه حيث لم يبخل عليهم بحبة عرق أو فكرة أو وسيلة للرقي بهم والحفاظ على عزتهم ومناعتهم وكرامتهم، فجاء قرار تصفيته بتلك السادية المقرفة وبكل ذلك المخزون العنصري الشعوبي الحاقد.

ولم تكن تلك الجريمة الخسيسة بمعزل عن الرصيد النضالي الخالد لصدام حسين ولحزبه ونظامه، بل إنها كانت ردا عليه وعقابا له، لتتخطى بذلك ما حرص كثيرون من المترددين والمهزومين نفسيا على تثبيته ومفاده أن استهداف الرجل كان بسبب حادث هنا أو قرار هناك. إلا أنه لا يمكن تنزيل اغتيال صدام حسين في دائرة إزاحة خصم عنيد، لأنه لو كان هدف الامبريالية والاستعمار بقيادة أمريكا والصهيونية العالمية فعلا إزاحة صدام الخصم، لكان كافيا الاقتصار على إسقاط نظامه بالقوة التي تجندت لها أكبر الدول وأعتى الجيوش.

ولكن، كان اغتيال صدام حسين غاية في حد ذاته، وكانت له من الرهانات ما لا يعلمه إلا دهاقنة الغزو ومخططوه ورعاته ومنفذوه.

لقد كان المراد من تصفية صدام حسين بتلك العنجهية المترعة أحقادا وثارات تقاسمها رعاة البقر الأمريكان وحلفاؤهم الصهاينة وومتذيلوهم الفرس الصفويون الشعوبيون، اغتيال المشروع الذي حمله صدام طيلة حياته، ونذر عمره لإنجاحه رغم خطورته وصعوبته وما يترتب عنه من دسائس ومؤامرات لم تكن غائبة عنه.

لقد كان الغزاة القتلة يتحسسون ما لفكر صدام وحزبه وبرامجهما ومشروعهما من تداعيات كارثية على مطامحهم التوسعية ونهمهم وتعطشهم لسلب خيرات العرب لحد خرافي، فكان لزاما عليهم ركوب أكبر مغامرة في التاريخ، وتأثيث أشد الجرائم خسة ونذالة.
تصادم صدام حسين المناضل والمفكر والمقاتل، وصدام حسين الفكرة والمشروع، مع المشروع الاستعماري التوسعي الامبريالي بقيادة أمريكا، ولم يكن من بد من ضرورة حسم تلك الحالة وإنهائها.

ولأن صدام حسين سليل حضارة عريقة ضاربة في التاريخ، فلقد اتخذ من الثبات على الحق والانضباط للقيم وللتعاليم الحضارية والروحية والعقائدية والقيمية والأخلاقية لأمته سبيله في الدفاع عن حلمه وهو الذي لا يزيد عن حلم جميع العرب الشرفاء والأحرار.. ولكنه اصطدم في المقابل، بتسلط مشروع مضاد تماما، لا يقيم وزنا لغير الربح المادي مهما كانت الوسائل، ولا يتورع أضلاعه عن ارتكاب مختلف الجرائم.

ومع ذلك، ورغم فظاعة الفوارق بين المعسكرين، معسكر الخير بقيادة صدام حسين ورفاقه وشعبه وأمته، ومعسكر الشر والعدوان بقيادة القوة العظمى في العالم أمريكا ومعها بريطانيا وأكثر من ستين دولة من أعتى الدول مالا وسلاحا وتقنيات، فلم يتخلف صدام عن النزال، ولم تفتر عزيمته ولم يلن تصميمه على الدفاع عن أمته وحقوقها المشروعة متحديا خيانة الأقربين وإعانة الأصحاب والأجوار الماكرين.

في غمار المعركة الكبرى التي كان صدام خبيرا بأسرارها ودوافعها، ظل الرجل والجمع المؤمن من حوله صامدين ثابتين، لم يزيغوا ولم يجبنوا - وحاشاهم أن يجبنوا - ولم يساوموا ولم يسلموا.

ولقد كان صدام حسين أثناء المعركة وقبلها وبعدها، عالما بأن هدف الغزو وأصحابه، أكبر من مجرد طلب رأسه أو إسقاط نظامه. وكان عارفا بما يرنو الأشرار إليه: إنه ببساطة اجتثاث العروبة وإبادة العرب.

ولأن صدام حسين كان يعلم كل ذلك، فلم يخضع أداؤه ونضاله وقتاله لآخر رمق في حياته لمقاييس البشر العاديين، بل كان لا يعنيه في كل ما يحدث من حوله، إلا أن يبقى العرب وينتصروا في النهاية، وتظل رايتهم خفاقة شامخة وإن تراءى للبسطاء خلاف ذلك.

ولذلك كله، وغيره، كان صدام حسين وهو يعتلي المشنقة - مشنقة العز والتحدي والخلود - غير آبه لما ينتظره، ولا مهتم لمصيره، لأنه كان قد عقد العزم على أن يفتدي بنفسه أمته جمعاء، بعد أن نذر في سبيلها ولديه وحفيده وخيرة رفاقه، وداس قبل ذلك مآثر الحكم تحت قدميه الطاهرتين.

لقد تقدم صدام حسين للمشنقة، هيابا شجاعا مقداما مقبلا غير مدبر، مؤمنا ثابتا جلدا صامدا، مستحضرا كل رصيد الأمة في الاصطبار على الأذى، ومستملكا أعظم استملاك لمأثرة أبويه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكان متأكدا بأن الله لن يخذل صبره ولن يخيب رجاءه، وبأنه سينتصر له ولأمته كما انتصر لإبراهيم من قبل وافتدى ابنه إسماعيل وقد هم أن يذبحه بذبح عظيم.. فقط، كان الفرق أن ارتضى صدام حسين أن يكون الذبح الأعظم الذي يصنع بدمائه حرية أمته ومجدها وسؤددها ..

نعم.. هي تلك الأمة التي استوعبت الرسالة جيدا، وأيقنت مغزى ذلك الهتاف والإصرار على التغني بمجدها وحريتها وتحرير عروسها فلسطين.

وما ثبات المقاومة العراقية الباسلة التي أسسها صدام حسين شهيد الحج الأكبر ورفيق دربه ونائبه القائد عزة إبراهيم، واستبسالها في مقارعة الغزاة ومطاردة فلول المحتلين لأكثر من عقد ونصف، وما تصاعد المقاومة الأحوازية البطلة، وما استمرار ألق المقاومة الفلسطينية الصامدة، بما لها من مدلولات، وما إصرار العرب على تخليد نهاية بطلهم وفارسهم الخالد والتغني برجولته وتضحياته، إلا ثمار ذلك الفداء العظيم الذي سار عليه صدام حسين منذ نعومة أظافره إلى أن اجتباه الله إليه شهيدا مجيدا سعيدا..

المجد والخلود للأكرم منا جميعا شهداء العروبة يتقدمهم شهيد الحج الأكبر صدام حسين.

العز والنصر للعروبة.
ولرسالة أمتنا المجد والخلود.





الاحد ١٤ ذو الحجــة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / أب / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة