شبكة ذي قار
عـاجـل










ألمقدمة :

منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركيّة في التاسع من تشرين الثاني 2016 ، وإعلانه مشروعه الخاص بالصراع العربي الصهيوني بعد يومين فقط، والذي سمّاه "الصفقة النهائية" وعرف لاحقا" ب " صفقة القرن"، اتّخذت الولايات المتحدة الأميركيّة عدّة قرارت و إجراءات أحاديّة الجانب وخارجة عن سياق القرارات الدوليّة والإتفاقيّات التي تمّت برعايتها، وبتراتبيّة متسارعة وممنهجة. وكان أبرز تلك القرارات والإجراءات:

ـ 6 كانون الأول 2017: ألإعتراف بالقدس عاصمة موحّدة للكيان الصهيوني
ـ 14 أيّار 2018: نقل السفارة الأميركيّة من تلّ أبيب إلى القدس
ـ 31 آب 2018: وقف المساهمة الأميركيّة في تمويل الأونروا
ـ 10 أيلول 2018: إغلاق مكتب منظّمة التحرير الفلسطينيّة في واشنطن

ـ 4 آذار 2019: إغلاق القنصليّة الأميركيّة في القدس والتي تأسّست عام 1844 كبعثة في فلسطين، وتمّ تحديدها كقنصليّة عامّة في عام 1928، واستبدالها بوحدة شؤون الفلسطينيّين {PAU} في السفارة الأميركيّة، وجاء ذلك تنفيذاً للقرار الذي اتّحذه وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبّبيو في 18 تشرين الأول 2018 والقاضي بدمج السفارة والقنصليّة في مهمّة دبلوماسيّة واحدة.

ـ 25 آذار 2019: ألإعتراف بسيادة "إسرائيل" على الجولان وذلك دعماّ للقرار الصهيوني بضمّه في 14 كانون الأول 1981.

يضاف إلى ذلك تغطية الممارسات والإجراءات والقرارات التي يتخذها الإحتلال الصهيوني مثل قانون " الدولة القوميّة للشعب اليهودي" الذي أقرّه الكنيست في 19 تموز 2018، والإجراءات الميدانيّة ضد الفلسطينيّين في الأراضي المحتلّة منذ 1948، وفي الضفّة الغربيّة من إعتقال وإبعاد وهدم منازل وتوسيع الإستيطان المدان والمرفوض استناداّ إلى القرارات الدوليّة، والتضييق الإقتصادي على السلطة الفلسطينيّة في رام الله ومنعها من استثمار حقل غاز غزّة باحتياطاته ال 30 مليار م³، والإعتداءات المتكرّرة على قطاع غزّة.

وقد جاء انعقاد ورشة المنامة " ألسلام من أجل الإزدهار" بناءً على دعوة مشتركة أميركيّة بحرينيّة يومي 25ـ26 حزيران كجزء من خطة "صفقة القرن" استناداً إلى ما صدر عن البيت الأبيض. ورغم كل المعطيات المدرجة أعلاه والتي تبيّن عمق درجة الإستهداف للقضيّة الفلسطينيّة وأبعاد المشروع الإستعماري الصهيوني التي ترعاه في العصر الحالي الولايات المتحدة الأميركيّة، والرفض المعلن من القيادة الفلسطينيّة الذي عبّر عنه الرئيس محمود عباس بقوله: "بالنسبة لورشة المنامة في البحرين قلنا أنّنا لن نحضر هذه الورشة، والسبب أنّ بحث الوضع الإقتصادي لا يجوز قبل أن يكون هناك بحث للوضع السياسي"،و رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه بقوله "ما تحاول إسرائيل والولايات المتحدة القيام به ببساطة هو تطبيع العلاقات مع العرب على حساب الفلسطينيّين وهذا أمر لا نقبل به"، وأمين سر اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة صائب عريقات الذي صرّح: "يسرقون منّا الموارد والسياحة والمياه، وكوشنير لم يذكر الإحتلال والإستيطان وحلّ الدولتين، وأنّ المجتمعين في المنامة يريدون استبدال المبادرة العربيّة بمجالس الإستيطان الإسرائيليّة"، وشرائح عربيّة واسعة داخل الوطن العربي وخارجه فقد أصرّ النظام البحريني على الإستمرار في الدعوة للورشة واستضافتها، وحضر مسؤولون إقتصاديّون وماليّون وإعلاميّون من عدّة دول عربيّة الورشة وإن صدرت تصريحات من السعودية ومصر والأردن تؤكد ألإلتزام بالقرارت الدوليّة ومبادرة السلام العربيّة ذات الصلة بالقضيّة الفلسطينيّة.

ألمشاركة العربيّة والدوليّة
طغى على المشاركة في الورشة الصفة الإقتصاديّة والماليّة والإعلاميّة إذ تشكّل الوفد الأميركي من وزير الخزانة ستيف منوتشين مع مستشارين قانونيّين؛ وكبير مستشاري ترامب وعرّاب خطة صفقة القرن جاريد كوشنير؛ ومبعوث ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات؛ ورئيس مجلس المستشارين الإقتصاديّين كيفن هاسيت؛ والمبعوث الخاص لترامب لإيران براين هوك، وحضر من مصر نائب وزير الماليّة، وترأس الوفد السعوديّ وزير الماليّة، ومن قطر وزير الماليّة، ومن الإمارات وزير الدولة للشؤون الماليّة، وامين عام وزارة الماليّة في الأردن، ومسؤولون إقتصاديّون وماليّون من المغرب. واستناداً إلى ما صدر عن البيت الأبيض فإنّه بسبب عدم حضور السلطة الفلسطينيّة لم تدع الحكومة الإسرائيليّة، وسيشارك وفد صغير من قطاع الأعمال، إضافةً إلى فريق صحفيّ وقف أحد أعضائه حاملا" جواز سفره قرب يافطة مناهضة للتطبيع ممّا يشكّل تحدّياً واستفزازاً ليس لمن وضع اليافطة وإنّما للنظام البحريني الذي تنكّر لدماء شهداء البحرين الذين شاركوا في مواجهة العصابات الصهيونيّة الإرهابيّة في حرب 1948. ومن المشاركين في إدارة الجلسات والنقاش مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، ومندوب البنك الدولي، ومدراء تنفيذيّين لمؤسّسات إقتصاديّة وماليّة وإعلاميّة من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا ونيجيريا والسنغال وكولومبيا والسعوديّة والإمارات، ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير. وقد مُثّل الأمين العام للأمم المتحدة بنائب منسّق الأمم المتحدة لعمليّة السلام في الشرق الأوسط جيمي ماكغولدريك.

وقد نظّمت الأحزاب والمنظمات والقوى الوطنيّة في فلسطين والمخيّمات خارج الوطن، ولبنان، والمغرب، والبحرين، ودول عربيّة أخرى، وفي عدّة عواصم أوروبيّة وقفات إحتجاج ورفض لورشة المنامة وصفقة القرن، والتمسّك بثوابت الحقوق الوطنيّة الفلسطينيّة، كما صدرت بيانات وتصاريح عن أحزاب ومنظمات وشخصيات عربيّة تصبّ كلّها في هذا الإتجاه.

برنامج عمل الورشة ومواقف المشاركين
تهدف الورشة في ظاهرها إلى جذب إستثمارات تتجاوز قيمتها 50 مليار دولاراً أميركيّاً لصالح الفلسطينيّين، وإيجاد مليون فرصة عمل لهم، ومضاعفة ناتجهم المحلّي، وإنشاء خط مواصلات بين الضفة الغربيّة وقطاع غزّة على شكل جسر أو خطّ سكّة حديد، على أن يمتدّ تنفيذها عشرة أعوام حسب البيت الأبيض الأميركي. وقد شملت الورشة ثلاث حلقات نقاش رئيسيّة: ألقطاعات الإستراتيجيّة للنموّ، وتعزيز الإبداع وريادة الأعمال، ونظم الرعاية الصحيّة في المستقبل. بدأت الحلقة الأولى في اليوم الأول بفيديو عنوانه: " تخيُّل منطقة شرق أوسط مزدهر" حيث ظهر فيه تحويل قطاع غزّة إلى ما يشبه مدينة أحلام، وخريطة لفلسطين التي ستكون ضمن " صفقة القرن" والتي سميّت " فلسطين الجديدة" تشمل جزء" من سيناء. تلا ذلك نقاش تمحور حول القطاع الخاصّ الذي يشمل مشاركين محليّين رسميّين وغير رسميّين، ومن الإقليم، ومتعدّدي الجنسيّات للقيام بدور تكامليّ في " الإصلاح والتبشير بعصر جديد من الإزدهار". وفي اليوم الثاني عقدت جلسة الحوار الثانية بعنوان: " إطلاق العنان للطاقة الإقتصاديّة الكامنة" والتي ناقشت كيف تستطيع المنطقة " إحياء النشاط الإقتصادي وخلق نمؤّ مستدام". أمّا الحلقة الثالثة وعنونها " تمكين الناس" فناقشت موضوع "تطوير سعادة وصحّة الفلسطينيّين"برفع الطاقات البشريّة إلى أقصاها.

إنّ أكثر المداخلات والتصاريح التي توضّح مضامين الأهداف المرسومة من وراء الورشة هي تلك التي صدرت عن عرّاب خطّة " صفقة القرن" كوشنير إذ قال أنّ التوافق على مسار إقتصاديّ شرط مسبق ضروريّ لحلّ المسائل السياسيّة التي ستعلن عنها عندما تكون جاهزة. ومن المعروف أن ذلك مؤجلّ إلى ما بعد انتخابات الكنيست الإسرائلي في أيلول المقبل وتشكيل حكومة جديدة أي ربط كل الخطوات بالأجندة الداخليّة للكيان الصهيوني دون الأخذ بأيّ اعتبار لأوضاع الفلسطينيّين والمواقف العربيّة. ودعا كوشنير إلى " ترك خلافات الماضي جانبا" والتركيز على التنمية"، وفي مقابلة مع قناة الجزيرة القطريّة قال أنّ الإتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي الذي تهدف إليه صفقة القرن لن يلتزم بالمبادرة العربيّة بل هي حالة وسط بين المبادرة والمطالب الإسرائيليّة. كلّ ذلك يعني عدم إدخال موضوع القدس واللاجئين والجولان والإستيطان وغيرها من القضايا ذات العلاقة بالحقوق الفلسطينيّة والعربيّة، وعدم الأخذ بالقرارات الدوليّة التي استندت إليها المبادرة العربيّة في أية مناقشات مستقبليّة وذلك بهدف تكريس الأمر الواقع المشار إليه في المقدمة أعلاه. وقال رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في مناظرة مع كوشنير " أنّ حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو سهل ويكمن في أن يعيش الشعبان الجاران بسلام في دولتين". ومن المواقف العربيّة قال وزير الماليّة السعودي: " أنّ القضية الفلسطينيّة مهمّة للملكة، وأن بلاده ستدعم كلّ ما يجلب الإزدهار لهذه المنطقة". من جهته قال وزير الدولة الأماراتي للشؤون الماليّة: " أنّه يتوجبّ على المنظّمات الدوليّة دعم هذه الخطّة للتقليل من المخاطر، وعلينا أن نمنح هذه المبادرة فرصةً، وعلينا أن نناقشها ونحاول الترويج لها". أما وزير خارجيّة البحرين فكان أكثر انبطاحاً وهرولة نحو التطبيع والتخلّي حتّى عن الإلتزامات اللفظيّة بالمبادرة العربيّة حين صرّح في حوار مع صحيفة " تايمز أوف إسرائيل" أن " إسرئيل موجودة وباقية ونريد السلام معها".

ألخلاصة :

من حيث الشكل إنّ تسمية ورشة عمل المنامة {Manama Workshop} بدل مؤتمر المنامة {Manama Conference} تتطابق مع برنامج العمل وحلقات النقاش. ومن حيث المضمون فإنّ ورشة العمل تميّزت بضعف ومحدوديّة التمثيل نظراً لأنّها تهدف إل النقاش بواحدة من أعقد القضايا الدوليّة في العصر الحديث وذلك لمقاطعة وغياب أصحاب الشأن، وقوى فاعلة {دول ومنظّمات}. في ظاهرها ناقشت ورشة العمل مواضيع إقتصاديّة وماليّة وتنمويّة وإنسانيّة تماشياً مع عنوانها: السلام من أجل الإزدهار{Peace to Prosperity}، ولكن في حقيقتها تكمن الأهداف الخبيثة التي يتم العمل على تمريرها من قبل اللجنة الثلاثيّة الصهيونيّة المتابعة ظاهريّاً لخطّة "صفقة القرن" و المؤلفة من كوشنيرـ غرينبلات ـ فريدمان. وأبرز تلك الأهداف هو تكريس الإجراءات والقرارات أحاديّة الجانب المتّخذة من قبل الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني حسبما ورد أعلاه، والتي يراد منها أن تؤدي مستقبلاً إلى الإطباق على الضفة الغربيّة وإعلان ضمّها، والتمهيد للتوسع في سيناء وصولاً إلى النيل، وفي سوريا وصولاً إلى الفرات وذلك لتحقيق حلم الحركة الصهيونيّة والمسيحيّة الصهيونيّة " إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل". لقد بدأ المشروع الصهيوني الإستعماري بوعود لليهود ومؤتمرات إستعماريّة وصهيونيّة، ووصل إلى ما وصل اليه اليوم، وليس مستبعداً تحقيق المزيد إذا لم ترتق القوى الفلسطينيّة إلى مستوى التحدّي فتوحّد برنامج نضالها وتفعّله، وتتوقف الأنظمة العربيّة عن هرولتها نحو التطبيع المجّاني متخلّيةً عن تعهداتها بالإلتزام على الأقل بالمبادرة العربيّة والقرارات الدوليّة ذات الصلة بالقضيّة الفلسطينيّة. وإذا ما اعتقدت تلك الأنظمة أنّه بالإستمرار بالتنازلات تستطيع الحفاظ على نفسها وعلى دولها فهي واهمة لأن ما من حقّ يمكن الحصول عليه في هذا العالم المتوحش إلاّ إذا تأمّنت عوامل القوة اللاّزمة لذلك. ومهما يكن من أمر ومهما ساءت الأمور وارتفعت وتيرة المؤامرات على القضيّة الفلسطينيّة خاصّةً والأمة العربيّة عامّةً فإنّ إرادة الشعب تبقى الأقوى: " إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد للّيل أن ينجلي ولا بدّ للقيّد ان ينكسر" هذا ما اثبتته القوى العربيّة الحيّة الممثّلة الحقيقيّة لتطلعات الشعب العربي الرافض والمقاوم لكل المشاريع الإستعماريّة ومنها خطّة "صفقة القرن" سيئة الأهداف والأبعاد.





الجمعة ٢٥ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة