شبكة ذي قار
عـاجـل










بحلول القرن الواحد والعشرين اكتشف علماء الجيولوجيا كميات هائلة من النفط والغاز شرق البحر الأبيض المتوسط مما حدا بالقوى العظمى الى التسابق لإستخراج تلك المادة الهايدروكربونية التي اصبحت المحرك الحقيقي لخيارين لا ثالث لهما: اما استقرار المنطقة وتعزيز إقتصاد البلدان المطلة على شرق البحر المتوسط والتي تعد الحلفاء الدائميين للولايات المتحدة الأميركية وشركائها، او انها ستسبب تداعيات كبيرة تؤدي الى صراعات يصعب التكهن بنتائجها خصوصا اذا أرادت دول المنطقة إحتكار هذه الإكتشافات ومنع القوى الكبرى وحلفائها من الإستمتاع بهذا الكنز الإستراتيجي.

الدول المستفيدة من هذه الإكتشافات هي مصر ولبنان وسورية وتركيا واليونان وإيطاليا و( العدو الصهيوني – اسرائيل )، بالاضالة الى الجزر المنتشرة في هذه المنطقة وأهمها قبرص. وتعد هذه المنطقة أساساً مهمة إقتصاديا وسياسيا خصوصا للولايات المتحدة الأميركية وشركائها في حلف شمال الأطلسي ( الناتو )، وها هي تزداد أهمية بعد هذا الإكتشاف الهائل.

ظهرت بوادر تعاون بين الأطراف المعنية والمستفيدة للمباشرة باستثمار هذا الكنز. وهكذا راحت كل من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر البحث عن حلول والشروع بمباحثات للبدء باستخراج النفط والغاز المكتشف وتصديره. أثمرت المباحثات عن عقد المنتدى الاقليمي الأول للغاز في 14 كانون الثاني من عام 2019 في القاهرة بحضور بلدان شرق البحر المتوسط التي ستساهم في أنبوب الغاز الذي سيمتد عبر هذه البلدان المذكورة، بالاضافة الى حضور ممثلين عن الأردن وإيطاليا والسلطة الفلسطينية. ناقش الإجتماع مستقبل أنبوب تصدير الغاز وإمكانيات مصر بإعتبار أنها ستكون مركز التصدير الإستراتيجي للغاز المكتشف.

تمتلك مصر منشآت محلية كبيرة وبنى تحتية للطاقة في دلتا النيل، تتضمن محطتان للغاز الطبيعي المسال ( متوقفة عن العمل ) وأنابيب يمكن ربطها بسهولة بمواقع النفط والغاز المكتشف، مما يجعل من تصدير الغاز المسال الى افريقيا واسرائيل والشرق الأوسط سهلاً ومتاحاً.

يعتقد الإتحاد الأوروبي أن إكتشافات الغاز والنفط في الشرق الأوسط ستزيد من أواصر التعاون بين دول المنطقة، وتدعم إستقرارها السياسي، وترفد التنمية الإقتصادية في دول اوروبية خصوصا إيطاليا واليونان. حيث أن خط الأنابيب المقترح والمزمع إفتتاحه عام 2020 والذي تبلغ تكلفته 7 مليار دولار سيكون الشريان الرئيسي في الإتحاد الأوروبي الذي يسعى الى تنويع الطاقة، وجلب إيرادات تقدر بمليارات الدولارات سنويا، ويحد من هيمنة روسيا على أسواق الطاقة في أوروبا.

إن الولايات المتحدة ومعها حلف الناتو ستسعى الى بسط نفوذها في شرق البحر المتوسط بصورة أكثر مما هو عليه الآن. فقد أثار إكتشاف النفط والغاز في هذه المنطقة إهتمامات دول أخرى لها مطامع تأريخية وربما يكون لها تغييرات محتملة في ميزان القوى في منطقة إزدادت فيها التوترات الى درجة كبيرة قد يصعب السيطرة عليها مستقبلاً.

تسيطر على هذه المنطقة نزاعات اقليمية، بعضها ظاهر للعلن وبعضها باطن، ومثال ذلك الخلافات بين تركيا وإسرائيل، ومصر وتركيا، وتركيا واليونان – خصوصا خلافهما بشأن قبرص، وأشد تلك النزاعات حدة الصراع التاريخي بين العرب واسرائيل. لذلك من الصعوبة بمكان تصور وجود حلول سهلة وجاهزة لفرض السلام في المنطقة مع استمرار هذه الخلافات والصراعات التي تجعل من إستثمار الموارد الطبيعية مشكلة جيوسياسية معقدة.

تركز الولايات المتحدة الأميركية على فرض سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط بسبب حالة عدم الإستقرار، اي حالة التناحر بين دول المنطقة التي تمتلك ثروات هائلة يطمع فيها العالم كله. لذلك، تستهدف الولايات المتحدة زيادة عدد قواعدها العسكرية مما يسهل لها مرونة الرد وبسرعة فائقة على أية أزمة قد تنشأ هنا وهناك. وهذا يعني أن اميركا تسعى الى ان تجعل من حلفائها التفوق على خصومها، وأن تكون المواجهة بين اولئك الحلفاء والخصوم مباشرة وتبقى هي في موقف المتفرج لكي تنأى بنفسها عن المخاطر والخسائر. ولتحقيق هذا التفوق، تدفع أميركا بقواتها العسكرية لأداء وظائف دبلوماسية وإقتصادية بالتعاون مع حلفائها خصوصا بعد ان تتزايد حدة التهديدات وتتحول الى عمليات حربية.

ترى الولايات المتحدة ضرورة تظافر الجهود لفرض الإستقرار والسلام بالمنطقة، ومن هذا المنطلق ابرمت مصر اتفاقيات تعاون مع اسرائيل وقبرص واليونان. وقد ركزت هذه الدول جهودها لتعزيز الانشطة العسكرية والمدنية، بما فيها التمارين العسكرية التي من شأنها ان تؤدي الى استقرار قطاع الطاقة. وعليه، ترى اميركا انها يجب ان تكون طرفا في تلك التمارين المشتركة.

يعد شرق البحر الابيض المتوسط منطقة مليئة بالمشاحنات والنزاعات لاسباب اقليمية وعرقية ودينية. لنأخذ تركيا مثلا وننظر الى خلافاتها مع قبرص ومدى تأثر ذلك على عمليات استخراج النفط والغاز. عارضت تركيا أنشطة إستخراج النفط والغاز من سواحل قبرص وهددت بوضع الشركات التي تشارك في تلك الاتشطة على القائمة السوداء. ولم تقف تركيا عند هذا الحد، بل راحت تتحدى اليونان وقبرص حول ملكية الموارد الطبيعية المكتشفة هناك، وبدأت بأعمال المسح والحفر في المنطقة الإقتصادية الخالصة التي تعترف الامم المتحدة انها تابعة لقبرص. بالاضافة الى ذلك، زادت تركيا من تعاونها مع إيران، فقد أنشات الدولتان شبكة انبابيب لنقل الغاز الى الاسواق الأوروبية، والأن هما في طور التفاوض بشأن مشاريع اضافية في المنطقة، لذلك تخشى الدولتان من أن خط النفط المقترح سوف يؤثر سلبا على جهودهما ويعيق مشاريعهما. وعليه تركز إيران عملياتها العسكرية في سوريا من أجل ضمان وجودها في شرق البحر المتوسط وفرض سيطرتها على المنطقة. من جانبها تسعى روسيا الى ان يكون لها دور كبير كقوة عظمى في المنطقة. وعليه راحت تؤسس قواعد عسكرية في سوريا وتثبت حضورها في شرق البحر المتوسط. والآن تسعى لان يكون لها قول فصل في هذه المنطقة وأن تحافظ على هيمنتها على اسواق الغاز العالمية. اما الصين فقد راحت تزيد من استثماراتها في هذه المنطقة لانها ترى شرق البحر المتوسط البوابة الرئيسية لأستراتيجية طريق الحرير التي رسمتها منذ عقود والتي تؤدي بها الى الأسواق الاوروبية.

ختاما، كانت منطقة شرق البحر الابيض المتوسط من قديم الزمان وما زالت قبلة الانظار لموقعها الاستراتيجي في قلب العالم وقد زاد إكتشاف النفط والغاز من أهمية هذه المنطقة مما زاد من اقبال الدول الطامعة فيها والذي شكل تهديدا كبيرا لتاريخها ووحدتها ووجودها. لذلك ينبغي على الدول العربية المطلة على شرق البحر المتوسط، بالتعاون مع الدول العربية الأخرى، مراجعة استراتيجياتها الجيوساسية ووحدة امتها الواحدة بما يضمن الاستفادة من مخرون النفط والغاز والنهوض بمجتمعاتها واقتصادها. وقد قلناها سابقا، نحن بحاجة الى منظمة حلف العالم العربي لتكون نواة تعمل مع جامعة الدول العربية لتحقيق الشعار الأزلي ( امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ).





السبت ٢ ذو الحجــة ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أب / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عماد عبد الكريم مغير نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة