شبكة ذي قار
عـاجـل










كانت لبنان وجهة مفضلة لمن اراد قضاء أجازته في أي وقت من اوقات السنة لأن فيها بيروت - باريس الشرق الأوسط، وفيها جبال تشبه جبال الألب بهيئتها وطبيعتها شتاء وصيفا. اللبنانيون شعب رائع بكافة شرائحه واطيافه المتنوعة، يحب الغناء والطرب والحياة البسيطة. ورغم التجانس بين اطياف شعب لبنان، أندلعت فجأة حرب اهلية في عام 1975 واستمرت لعشرات السنين، أحرقت الأخضر واليابس، وما زالت آثارها قائمة لحد الآن، اذ حصل شرخ كبير يصعب إصلاحه في ظل الفرقة والتشرذم العربي في وقتنا الحاضر. ترى من كان وراء تلك الحرب الأهلية وكيف حدث ذلك الشرخ المدمر؟ الأجابة على هذه التساؤلات تستدعي بحوثاً طويلة ومعمقة، لذا سيكون الحديث فقط عن نشوء حزب الله ( حزب الشيطان ) الذي كان السبب الرئيس والمباشر في الحرب الأهلية والذي أدى لحصول الشرخ المذكور. وسنتطرق في نهاية الموضوع الى مدى تشابه هذا الحزب بداعش التي تعد صورة طبق الأصل لعصابات حزب الشيطان في لبنان.

يبدأ الموضوع بموسى الصدر، شخص إيراني المولد والجنسية من مواليد 1928. وصل الى لبنان عام 1958 بعد تخرجه من جامعة طهران، ثم حصل على الجنسية اللبنانية بناء على قرار الرئيس اللبناني آنذاك فؤاد شهاب على الرغم من أنه إيراني المولد والمنشأ! تتلمذ على يد الخميني الذي تربطه به صلة قرابة.

في بداية سبعينيات القرن العشرين بدأ موسى الصدر بزرع الفتنة والطائفية بإلقاء محاضرات في كافة ربوع لبنان وخصوصا المناطق الجنوبية ضاربا على الوتر الحساس، الا وهو معاناة الشعب بعد حرب 1967، وقد تزامن مع وجود الصدر هناك استمرار إسرائيل باعتداءاتها وهجماتها على جنوب لبنان. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود تفاهمات وإتفاقات مع حركة الصدر لشن تلك الاعتداءات الإسرائيلية من اجل تأكيد مصداقية الصدر وتكريس الدعوة للالتفاف حوله. وبتاريخ 12 أيار 1970 شنت إسرائيل عدوان واسع على القرى الحدودية جنوب لبنان مما الحق خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات، وتسبب بنزوح الآلاف من اللبنانيين عن مناطقهم.

إستغل موسى الصدر الموقف وعقد إجتماعات مع رؤساء مختلف الطوائف الدينية في الجنوب لحشد الطاقات لمواجهة العدوان الاسرائيلي. نتج عن الإجتماع تشكيل "هيئة نصرة الجنوب"، وحصل على موافقة المجتمعين ليتولى هو رئاسة تلك الهيئة، يعاونه فيها المطران انطونيوس خريش ( الذي أصبح فيما بعد بطريركاً للطائفة المارونية ) . وراحت الهيئة تنادي بحماية الجنوب وتطالب بمشاريع تنمية فيه. كل ذلك من اجل كسب تأييد اللبنانيين، ليس في الجنوب فقط، بل في كافة ربوع لبنان. وقد حصلت الهيئة على تأييد اللبنانيين فعلا حينما دعا الصدر الشعب اللبناني للتظاهر يوم 26 أيار 1970 لنصرة اهل الجنوب. وقد أعتبر اللبنانيون تلك المظاهرة حدثا وطنياً كبيراً. إجتمع مجلس النواب كردة فعل لتلك المظاهرة وأقر بطلبات المتظاهرين التي جاءت بلسان الصدر، حيث اصدر البرلمان بتاريخ 2 يونيو 1970 قانونا لإنشاء مؤسسة "تلبي إحتياجات أهل الجنوب وتوفر لهم أسباب السلامة والطمأنينة والكرامة". أطلق على تلك المؤسسة إسم "مجلس الجنوب" وقد إرتبطت تلك المؤسسة برئاسة مجلس الوزراء الذي عين لهذا المجلس ميزانية مالية كبيرة "لتعزيز صمود أهالي الجنوب اللبناني وتعويضهم عن الأضرار والإعتداءات الإسرائيلية والإنفاق على مشاريع الخدمات في عموم الجنوب."

بعد أن سارت أمور "مجلس الجنوب"على النحو المطلوب وراحت بذور الطائفية تنمو وتكبر، أسس موسى الصدر في عام 1974 حركة جديدة أسماها "حركة المحرومين" وجاء في تبريراته لتشكيل هذه الحركة أن "مجلس الجنوب" قد إنحرف عن أهدافه وتسلط عليه إقطاع سياسي. لذلك خوفا من سقوطه وسقوط مخططاته الرامية لزرع الفتنة بحصول صرخة شعبية تطالب بإنهاء هذا المجلس والتحقيق في مدى الفساد الذي إستشرى بين أفراد رئاسته وأعضائه وكمية الأموال التي سرقت من أهالي الجنوب، طالب بتأسيس "حركة المحرومين" انطلاقا من "إيمانه بالله، والسعي لصيانة الوطن، والاهتمام بكرامة الانسان"، حسبما يزعم. الا أن الوقائع تشير الى عكس ذلك كلياً، لإن الإيمان بالله يستوجب منع إراقة دماء المسلمين والبشرية جمعاء – قال تعالى "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". اما صيانة الوطن فقد اكدت الوقائع ان الصدر ومن لف لفه إنما جاءوا لتفتيت الوطن العربي برمته وليس لبنان وحده. في حين أن شعارهم "كرامة الإنسان" فهو مزحة يتشدق بها أولئك المعممون لتضليل البشرية.

راح الصدر وأتباعه يؤججون صراع طائفي بين اللبنانيين جميعا على اساس وجود فئة متنعمة وفئة محرومة من الطائفة التي تتبعه. ثم تنامى هذا الصراع لكي يتحول الى حرب اهلية بدأت عام 1975 تشابكت فيها كل القوى اللبنانية. حينها حازت حركة المحرومين على تأييد واسع من أتباع الصدر ( الشيعة ) ، وحصلت على تأييدهم لتشكيل جناح عسكري عام 1975 اطلق عليه حركة أمل - "أفواج المقاومة اللبنانية". حظيت هذه الحركة بتأييد شعبي كبير خصوصا بعد اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان عام 1978، كما حظيت بتأييد إيران بعد تسلم الملالي السلطة في 1979. من الجدير بالذكر ان مصطفى شمران هو مسؤول التنظيم الأول لهذه الحركة، والذي أصبح وزيرا للدفاع في نظام الملالي بأيران بعد 1979.

في قراءة للوقائع بين 1970 و1975، نجد أن أي اعتداء إسرائيلي على لبنان يتزامن مع وجود تحركات لمجلس الجنوب، أو حركة أمل، أو أي حركة أخرى جاءت لاحقا، خصوصا حزب الشيطان.

اجتاحت اسرائيل جنوب لبنان يوم 6 حزيران 1982 لردع هجمات المقاومة الفلسطينة ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتخذ من لبنان قواعد انطلاق لها. وقد قال مناحيم بيغن، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، ان ذلك الإجتياح جاء نتيجة محاولة الفلسطينين قتل شلومو أرجوف، سفير اسرائيل لدى المملكة المتحدة في ذلك الحين. من الجدير بالذكر ان ذلك الاجتياح الإسرائيلي للبنان ادى الى تعاطف العالم الاسلامي بأسره مع الملف اللبناني والى نصرة القضية الفلسطينية، وبالتالي حظي تشكيل حزب الله دعما مباشرا من دول عربية واسلامية عديدة لمقارعة الاسرائيليين.

أحاطت القوات الإسرائيلية أثناء ذلك الإجتياح، بالتعاون مع دولة لبنان الحر التي تزعمها سعد حداد وبعض عملائهم من الموارنة، أحاطوا بمقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من كل الإتجاهات وخصوصا في غرب بيروت. وبعد مفاوضات مطولة، وباشراف فيليب حبيب مبعوث الولايات المتحدة، فتحت القوات الاسرائيلية ممرا لعبور مقاتلي منظمة التحرير وأنسحبت قيادتهم بزعامة ياسر عرفات الى طرابلس. أتاحت هذه العمليات لإسرائيل ان تأتي بحكومة عميلة لها يترأسها بشير الجميّل. وقد أرادت اسرائيل إبرام اتفاقية سلام مع لبنان تستمر لأكثر من 40 سنة. الا ان إغتيال الجميّل في أيلول 1982 قد جعل موقف اسرائيل حرجا خصوصا بعد مجزرة صبرا وشاتيلا. لذلك إنسحبت اسرائيل من بيروت وحافظت على بقاء قواتها في جنوب لبنان الذي كان تحت سيطرة ميليشيات دولة لبنان الحر والتي اصبحت فيما بعد الحزام الأمني لجنوب لبنان والذي تأسس بعد إتفاق 17 أيار 1983 بين لبنان وإسرائيل.

بعد أن إنسحبت القوات الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها في لبنان، اندلعت حرب المخيمات بين الفصائل اللبنانية، وبقايا منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا التي شرعت تقاتل حلفائها الفلسطينيين السابقين. في الوقت نفسه ، بدأت مجموعات من المقاتلين بتوحيد صفوفها بدعم من سوريا وراحت تشن حرب عصابات ضيقة المستوى، ظاهرها موجه نحو الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وباطنها لتصفية رجال المقاومة الأصلاء. إستمر هذا الوضع طيلة 15 سنة من الصراع الدموي بين ابناء الوطن الواحد مما هيأ الوضع امام سوريا لتحتل لبنان بالكامل.

كانت مجموعات المقاتلين المذكورين المدعومين من سوريا نواة حزب الشيطان في لبنان. وكانت شعاراتهم إقامة العدالة والحرية والوحدة الوطنية ورفض الوجود الأجنبي، اضافة الى الإهتمام بقضايا الامة العربية خصوصا القضية الفلسطينية. وركز ذلك الحزب على الشعار الكبير مقاومة الإحتلال والقضاء على اسرائيل. ومما لا شك فيه ان بداية عملياتهم العسكرية التي اكسبتهم تأييد العالم العربي هي نسف مقرات القوات الأميركية والفرنسية في لبنان عام 1983 والتي اسفرت عن مصرع 300 جندي اميركي.

لو تأملنا الموضوع من كل الزوايا، نرى ان اسرائيل تذرعت بمحاولة قتل سفيرها في إنكلترا، وأنها تحاول الإنتقام من المنفذين. فما الذي فعلته حقاً؟ تغلغلت داخل لبنان وضربت ( ضربة معلم ) للتخلص من رجال المقاومة الأبطال، وزرعت الفتنة والطائفية بين أبناء البلد، وتخلصت من المحاربين، وساهمت بتموضع افراد موالين لها في جنوب لبنان، أهمهم من الموالين لإيران. خطة مدروسة!

ساهمت إيران في دعم تأسيس حزب الشيطان بمباركة سورية، حيث تمكنوا من تجميع شراذم مشتتة من ميليشيا دولة لبنان الحر المتمركزين في الجنوب على الحدود مع إسرائيل وشراذم أخرى من الموالين لإيران وجعلوها تحت سقف طائفي واحد. وهكذا اصبح هذا الحزب بتصميم من رجال الدين يعمل بالوكالة عن إيران وإسرائيل.
بعثت إيران عن طريق سوريا التي كانت تحتل لبنان آنذاك وحدة عسكرية مؤلفة من 1,500 مقاتل من الحرس الثوري لتدريب تلك الميليشيات التابعة لحزب الشيطان الذي شرع يخاطب الجماهير بأنه يهدف الى طرد القوات الأجنبية "ووضع حد لأي كيان إستعماري" على ارض لبنان. ولكن الواقع أثبت عكس ذلك، حيث راحت تلك الميليشيات تعمل على زعزعة الداخل اللبناني وزرع الفتنة بين اللبنانيين، عاملين بالشعار الأزلي: فرق تسد. وبعدها بدأت أعمالهم الأرهابية تمتد وتتسع لتشمل عددا من الدول العربية ولتنشر الفوضى فيها خدمة للمشروع الفارسي الذي أطلقه الملعون الخميني ( تصدير الثورة ) .

على الرغم من أن حزب الشيطان رفع شعار محاربة إسرائيل، الا أن أوائل ضحاياه كانت من الداخل اللبناني تصدرتها قيادات من المقاومة الوطنية التي كانت قد شنت سلسة عمليات نوعية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي. وطالت عمليات الاغتيال االتي لم تخدم الا مشاريع خفية قيادات وطنية بارزة في المقاومة الوطنية، منهم المفكر حسن حمدان الملقب بمهدي عامل، والمفكر حسين مروة والطبيب لبيب عبد الصمد، وغيرهم.

كان حزب الشيطان سلاح إيران الأبرز لتصدير "المشروع الإيراني" الديني إلى دول المنطقة، بدءا من لبنان، حيث عمل للسيطرة على البلاد، عبر سياسة الترهيب والترغيب واستخدام شعار مقاومة إسرائيل التي قدمت في أكثر من مناسبة خدمات مجانية له في تقاطع مصالح مشبوه بالحد الأدنى، إن لم نقل تحالفا شيطانيا. لذلك، نستطيع القول أن الأهداف المعلنة للحزب أنه حركة مقاومة إسلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان ورفع شعار تحرير المقدسات الإسلامية في فلسطين للتغرير بالمسلمين وصرف أنظارهم عن مخططات الحزب الخفية، ولاستمالة قلوبهم وتعاطفهم، وقد زادت شعبية هذا الحزب بين الناس بسبب ما قدَّمه من خدمات اجتماعية وإنسانية بدعم من حكومة إيران. أما الأهداف غير المعلنة فهي نشر التشيع في لبنان، والحفاظ على الوجود الشيعي الدائم في هذا البلد، والسيطرة على منافذ القوة فيه، وتهيئة موطئ قدم لإيران للتدخل في المنطقة متى تشاء لتحقيق مصالحها وأهدافها القومية والدينية.وكذلك ضرب البنية التحتية للبنان، وجرّه إلى حرب ليتسنّى لهذا الحزب السيطرة على لبنان وهذا جزء من تصدير الثورة الإيرانية إلى العالم الإسلامي، ومن أجل إقامة دول الهلال الشيعي حسب ما يخططون ويسعون له. ولا اتردد في القول ان حزب الشيطان ومن في شاكلته من خونة الامة هو الدرع الحصين لاسرائيل.

تمضي الأيام والسنين، ويحتل العدو الفارسي العراق في عام 2003 فتنجلي الصورة وتتضح أكثر فأكثر. وإذا بحزب الشيطان يظهر من جديد بهيئة ( القاعدة ) ( وداعش ) للدفاع عن العراق ضد المحتل. تجمعت المليشيات الإيرانية تحت رايات مختلفة مدعية المقاومة ضد المحتل الأميركي، فلم نر خروج الأميركان ولم نشاهد ضربات نوعية ضدهم. بل تجمعت داعش في ربوع محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى. وإذا بالمجرم المالكي ( ذيل إيران الأكبر ) يبعث بالاسلحة جوا الى نينوى لغرض مقاتلة داعش، وإذا بالاوامر تصدر للجيش بالإنسحاب من الموصل، وتحتل ( ميليشيات داعش ) الموصل ويترك الجيش اسلحته وكافة الذخائر هدية لداعش. هل كان ذلك محض صدفة؟ ثم استحكمت داعش ( صورة مطابقة لحزب الشيطان ) وراحت تحرق الأخضر واليابس دون رادع. ان ما فعلته داعش ينم عن حقد فارسي دفين للإنتقام من العراق وشعبه وجيشه الذي اذاقهم السم الزعاف.

أين حزب الشيطان الذي يقف متفرجا على اسرائيل وهي تشن غاراتها ضد مستودعات الاسلحة ومعسكرات ما يسمى الحشد الشعبي في العراق التابعة لإيران؟ الم يجدر بهذا الحزب الملعون ان يرد الصاع صاعين لاسرائيل وهو يبعد عنها مئات الامتار من جنوب لبنان؟

لقد استطاعت اسرائيل وإيران الملالي وحزب الشيطان والحوثي والمليشيات المجرمة المرتبطة بهم بمكرهم وحقدهم الدفين ضد حضارة الامة العربية ومستقبلها أن تدمر أجمل بلدانها ... العراق وسوريا ولبنان واليمن، وخوفنا ان يضاف الى هذه القائمة أسماء دول عربية أخرى إذا ما بقينا متفرقين ومتفرجين لا نعي ما يجري ولا نفعل شيئاً!

imadmugheer@hotmail.com





الاحد ١ محرم ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / أيلول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عماد عبد الكريم مغير نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة