شبكة ذي قار
عـاجـل










"الدولة العميقة" Deep State اصطلاح سياسي ظهر في السنوات الأخيرة غير محدد المعنى أو المعالم.لذا تطلب معرفة مضمون هذا الاصطلاح وما يحتويه من دلالات سياسية واجتماعية وغيرها.

وعند الاطلاع على ما كتب عنه، تبين انه ينطبق انطباقا مباشراً وشاملاً على بعض الدول ومنها "دولة العراق" الحالية، أي دولة الاحتلال منذ ٢٠٠٣ ولحد وقتنا الحالي.ومن أجل توضيح ذلك، لا بد من تعريف الدولة أولا قبل الدخول في صلب الموضوع. وردت عدة تعريفات للدولة نورد منها تعريفين مختصرين : الأول : الدولة أناسٌ يمارسون الحياة الطبيعية ضمن حدود جغرافية تحت راية ونظام سياسي يتولى تدبير شؤون الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، من أجل التقدم والازدهار وتحسين مستوى الحياة بعيداً عن الجهل والتخلف والمرض. الثاني : الدولة كيان معنوي يرمز إلى شعب مستقر على رقعة جغرافية بحيث يكون لهذا الكيان سلطة سياسية ذات سيادة. مفهوم "الدولة العميقة" يرى الباحثون في هذا الموضوع ان "الدولة العميقة" عبارة عن شبكة سرية متداخلة تغلغلت ضمن مؤسسات الدولة ومفاصلها في الدوائر الحكومة والأمنية والاقتصادية والسياسية وغيرها من مؤسسات يمتلكها أصحاب المصالح ورؤوس الأموال والتجار ورجال الدين، والعملاء، بحيث تسيطر هذه الشبكة على سياسات الدولة "من وراء حجاب"، لكي تبدو المؤسسات والدوائر الحكومية الرسمية الواجهة الرئيسة المسؤولة عن عمليات أولئك الذين يقفون خلف الكواليس، أي ان المسؤولين في دوائر الدولة الرسمية ليسوا الا دمى بشرية تحركها خيوط الشبكة "العميقة".

واذا ما قبلنا بهذا المفهوم، نستطيع القول ان التسمية الفعلية "للدولة العميقة" هي "دولة المكر والدهاء والدجل والخداع"! ربما لا تنطبق هذه التسمية أو الفكرة على العديد من الدول العميقة في العالم، لكن أرى ان هذه التسمية تنطبق قولاً وفعلا على الوضع القائم في عراق اليوم الذي تتحكم فيه قوى خارجية، “إيران" لتحرك خيوط الدمى التي تغلغلت في مرافق الحياة كافة في عراقنا المظلوم. نستنتج إذن أن الدولة العميقة دولة غير منتخبة ( ديموقراطياً ) تعمل بالخفاء، أي أن ما يسمى بالعملية الديمقراطية لم تكن نزيهة وشريفة، انما كانت عملية زنا بالمحارم نتج عنها ولادة غير شرعية.أي ان العملية ( الديمقراطية ) قد شكلت شبكة معقدة من العلاقات والتداخلات بين أجهزة وتكتلات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية ومدنية ودينية لمقاومة أي تغيير من شأنه أن يهدد المصالح الحيوية التي يتوقف عليها وجود الدولة العميقة والقائمين عليها، ونستطيع أن نرى ذلك في أمثلة واقعية عديدة في العراق، من أفضلها وأكثرها وضوحاً وزارة الكهرباء.ست عشرة سنة بعد الاحتلال وما يزال الشعب يئن تحت رحمة هذه المشكلة العويصة ومساوئها وتبعاتها.وزارة الكهرباء دولة عميقة يترأسها زعيم عصابة لا يفقه الا اساليب السرقة والغش والخداع والتآمر على الوطن.بالتأكيد انه ليس الوزير، فهذا دمية تحركها خيوط الشبكة التي أشرنا اليها. الجهات المكونة لدولة وزارة الكهرباء تشمل ديوان الوزارة والمؤسسات التجارية التي يمتلكها تجار همهم الوحيد الكسب غير المشروع وارضاء اسيادهم في ايران وعملائهم في كافة مؤسسات الدولة.يدخل ضمن مكونات الدولة العميقة في هذا المثال تجار الاسلاك الكهربائية التي يحتاجها المواطن لربط مسكنه او معمله بالمولدة الكهربائية؛ ومالك المولدة الذي يعمل بجد واجتهاد لزيادة مكاسبه وأرباحه التي يتقاسمها مع مموليه من الوقود في وزارة النفط.هنا دخلنا الى دولة عميقة ثانية.

دعونا نبقى في الدولة الاولى.يصر مالك المولدة او مشغلها على إبقاء المولدة تعمل لكي تبقى ارباحه المرتبطة بالتاجر قائمة.وكل هؤلاء تحميهم الميليشيات التي يتحكم بها رجال الدين التابعين للحوزة المرتبطة اساسا في إيران.هل يا ترى يرغب كل هؤلاء اللصوص بحل مشكلة الكهرباء ويؤيدون بناء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية؟ إذن تعمل هذه "الدولة العميقة" إدارياَ واقتصاديا وسياسيا وأمنيا دون رادع، بل بمباركة الحكومة ( المنتخبة ) المرتبطة بإيران.دائرة محكمة ومغلقة.لا تريد تعمير الكهرباء ولا تأبه بالمواطن ولا تجرؤ على عصيان أوامر إيران، وبالتأكيد لا تريد التفريط بهذا الكنز الذي يدر اموالا طائلة على حساب الوطن والمواطن.ان مؤسسات هذه الدولة العميقة، والدول المجاورة لها ( الوزارات والمؤسسات الأخرى ) ، ضمن الرقعة الجغرافية – العراق، سواء كانت تلك المؤسسات عسكرية او امنية او قضائية أو إعلامية يجتمعون على هدف واحد هو الحفاظ على مصالحهم ضد أي تهديد قد يقوض عملهم ويطيح بهم ويفكك شبكاتهم المترابطة، ودعواهم هو الحفاظ على الأمن القومي ضد التهديدات الخارجية، بما في ذلك المواطن نفسه.

من المبادئ التي يتحدث فيها مسؤولو الدولة العميقة مبدأ "السيادة"، حيث يحصل رأس الشبكة المشار اليها على موافقة السلطة الحاكمة على استخدام العنف والقوة للحفظ على النظام العام.وهذا يعني ان الدولة العميقة لا تتحكم بالسلطة فقط، بل في المواطن وتسييره حسب رغباتهم واهدافهم واطماعهم.وهذا ينتج عنه تشريع قوانين "مفصلة حسب المقاس" لا يجرؤ أحد على خرقها.وهذا معناه اضفاء طابع قانوني تؤيده المؤسسات الدينية، اي يكون الطابع "شرعي – ديني" يدفع بالمواطن الى الاستسلام والصمت، ولا حول ولا قوة الا بالله. طبقاً لما تقدم فالدولة العميقة شبكة مصالح متشابكة ومترابطة، لا يعرف افرادها بعضهم بعضا، لكنهم يعملون لتحقيق هدف مشترك هو الدفاع عن مصالحهم خارج نطاق القانون، اي انهم دولة داخل الدولة، وبهيئة اقوى منها.ويتحكم في هذه الدولة العميقة أنظمة مبتكرة تبدو مشابهة لأنظمة الحكومة الرسمية، ولكنها تختلف عنها. فهناك النظام السياسي والمالي والتشريعي والقضائي والاعلامي والأمني.

كل من هذه الانظمة يقبع تحت قيادة توجه ذلك النظام وتقوده من اجل مصالحهم ومصالح الجهة الرئيسية المرتبطين بها.وهكذا نجد عدم تضارب في مصالح تلك الانظمة على الرغم من عدم معرفة بعضهم البعض.ولو نظرنا بتمعن الى عمار الحكيم وجماعته، نراهم ظاهريا مختلفين عن مقتدى الصدر، لكنهم يعملون من اجل هدف مشترك هو ارضاء ايران وتحقيق اهدافها.نرى احيانا تحركات مقتدى التي تسبب شللا في مرافق الحياة العامة، لكن كيانات الدولة العميقة الاخرى من عمار الحكيم وهادي العامري يؤدون ما يطلب منهم لغرض تصحيح ذلك الشلل، وبهذا تعود تحركاتهم جميعا متناغمة لتشكل موحدة تهديدا حقيقيا للمواطن والوطن برمته.





الثلاثاء ٢ صفر ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / تشرين الاول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عماد عبد الكريم مغير نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة