شبكة ذي قار
عـاجـل










في خضم المعناة الحقيقة التي يعيشها شعبنا العربي في كل أقطاره ، ثمة وعي يتجدد وعي يتجاوز حواجز الخوف و التابوهات التي صنعتها كل المنظومة الاستعمارية المتشابكة علي المستوى الداخلي و الخارجي.

لعل التراجيديا التي ظلت علي الدوام تمثلها الدولة الصفوية تحت أكذوبة عداءها للشيطان الأكبر لم تعد تنطلي علي شعبنا العربي في العراق و لبنان.

الشعب العربي الجسور في العراق و لبنان علي قدر عالي من الوعي و بالتالي فأن الشعارات التي رفعها الثوار و ارتفعت سقوفها إلي حد إزالة الهياكل السياسية المتكلسة بعد أن كانت البداية لأسباب تتعلق بالأوضاع الاقتصادية ، فأننا نجد أن المنظومة السياسية التي اعتمدت في وجودها علي الولاءات الطائفية قد اضحت في مهب الريح و أن مفهوم الفكر القومي التدمي في بناء دولة المواطنة علي اساس ( قيمة المواطنين تقدر، بعد منحهم فرصاً متكافئة، بحسب العمل الذي يقومون به في سبيل تقدم الأمة العربية وازدهارها دون النظر إلى أي اعتبار آخر ) هو ذات المفهوم الذي تعبر عنه هذه الجماهير الثائرة في القطرين.

لعل التركيبة السياسية في لبنان بصورتها النمطية القائمة علي المحاصصة الطائفية أقدم من الوضع المستحدث في العراق ، و ظل هذا الوضع في لبنان تحكمه التوازنات السياسية علي اساس التدخلات الخارجية فتارة يغلب الدور السوري الإيراني لصالح طائفة بعينها و تارة يلعب الغرب دوره في إطار دعم الطائفة المارونية و هكذا دواليك.

و أن الدور الإيراني الذي سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلي توطيده في العراق و في المنطقة بشكل عام وفق عمل إستخباراتي و أمني مدروس في هذه اللحظة التأريخية سيؤول إلي الإنحسار ثم حتماً إلي الزوال.

فشعبنا العربي الباسل بات اليوم أكثر وعياً و إدراكاً لمشروع ما يسمى ب" الشرق الاوسط الجديد " الذي تسعى الاستخبارات الغربية لفرضه كواقع جديد في المنطقة بما يعزز حالة التشظي و الانقسامات الطائفية و المذهبية ، هذا الوعي هو الذي عبرت عنه المسيرات و التظاهرات السلمية في كلا القطرين و محور الحراكيين الشعبيين الشبابيين اللذان يرتكزان علي أرضية ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية علي اساس المواطنة بصرف النظر عن اللون او العرق او الطائفة و هو ما يعبر عن البعد القومي و عن الدور التأريخي و الثقافي للأمة العربية في توطيد علاقتها الإنسانية علي اساس حسن الجوار و عدم التبعية و كذلك دورها المحوري في صناعة الفعل السياسي علي اساس المصالح القومية والمصالح الوطنية التي هي بالنتيجة جزء من كل المصالح الكلية للوطن العربي الكبير دون أن تخضع نفسها لسياسة المحاور.

لعلنا لاحظنا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة مسار العملية السياسية في كل من العراق ولبنان حيث الهيمنة و الدور المباشر لإيران عبر أذرعها التخريبية في القطرين ، ففي لبنان بات المتحكم في مسار التسويات السياسية حزب الله و زعيمه حسن نصر الله و الذي عبر بكل وقاحة عن أن لبنان يعد خاضع لولاية الفقيه المزعومة و دونما حياء أو خجل و اصبح حزب الله هو الذي يحكم المشهد السياسي في لبنان و أضحت بقية المكونات عبارة عن قوى سياسية تدور في دائرة ما يفرضه و بالتالي فأن وجود هذا التمظهر للدور الإيراني علي المستوى الأمني و العسكري و الاقتصادي اصبح اليوم في ظل هذه الانتفاضة الشعبية الرائعة المتسمة بالوعي مشكوك فيه.

و من المؤشرات الإيجابية تقديم رئيس الوزراء سعد الحريري لاستقالته و إسقاطه لحكومة حزب الله رغم محاولات ثنيه و الضغط عليه عبر إملاءات مباشرة من حسن نصر الله .

و في ذات السياق نجد أن بعض الكتل السياسية في العراق حاولت الإستفادة من الحراك الجماهيري في العراق عبر محاولات الزج بهذه الجماهير و مطالبها في صراعاتها البينية فدخل التيار الصدري على الخط في محاولة منه لسحب البساط من الحكومة و التماهي مع مطالب الشارع بعد زيارة مقتدى الصدر لإيران إلا أن هذه المحاولات رفضت هي الأخرى من المتظاهرين الذي أكدوا علي أن حراكهم حراك شعبي مستقل من أي توجهات حزبية أو طائفية و هاذا يعني أن الشارع العراقي يرفض فكرة بناء المنظومة السياسية علي اساس المحصصات الطائفية و المذهبية و بالتالي هدف هذا الحراك الجماهيري هو إسقاط العملية السياسية برمتها مما يعني رفض فكرة اي وجود لإيران في المشهد السياسي.

و ذات الاعتراضات و الاعتداءات التي يمارسها حزب الله و انصار حركة امل علي المتظاهرين السلميين في ساحات بيروت و بقية المناطق عبر مختلف الوسائل الترهيبية من استخدام مواكب الدرجات النارية و حرق الخيام و خلافه من مظاهر الاعتداء فأننا نجد أن الصورة بادية في الرسائل التي تبعث بها مجموعات الحشد الشعبي الإرهابية ذات الولاء المطلق لإيران و التي تدار بشكل مباشر من قاسم سليماني.

كل هذ يفضي و يدلل بوضوح إلي رفض الشارع العربي في كل من بيروت و بغداد لوجود أي دور لإيران و عملائها في المشهد السياسي.

و بطبيعة الحال فأن وجود هذه الرؤية السياسية الوطنية الشعبية التي عبر عنها الشارع في كل من العراق و لبنان مؤشر يدلل علي أن الوعي اضحى حاضراً و بقوة في هذه المرة و سيكون لانتصار إرادة الجماهير ما بعدها في شكل بنية الدولة الوطنية علي اساس المواطنة الحقيقة من خلال العدل في جعل خط الشروع واحداً للجميع بعيداً عن أي انتماءات طائفية و مذهبية.

و حتماً أن مسيرة تصحيح مسارات الوضع السياسي الغير ملائم لرغبات و تطلعات الأمة العربية سوف تنداح في عموم ارجاء الوطن العربي لترسيخ مفاهيم جديدة تنسجم مع التطور في مستويات الوعي الجماهيري و التي اسهمت فيها نضالات القوى القومية التقدمية و تضحياتها الكبيرة في تجلياتها علي نحو يرضى تطلعات كل من آمن بها وناضل من اجلها.





الاثنين ٢٠ ربيع الاول ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تشرين الثاني / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المنبر الثقافي العربي الدولي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة