شبكة ذي قار
عـاجـل











جاء مقتل قاسم سليماني، قائد قوات فيلق القدس، ضربة موجعة ومؤلمة للنخاع لحكومة الملالي في طهران ووكلائها في العراق ولبنان واليمن، بل في كل مكان.فقد كان سليماني الرجل الثاني في إيران بعد صنمهم الخامنئي.فقد تهشمت شبكة الجواسيس التي كان يقودها هذا المجرم مما ولد فراغا هائلا بين القيادة وأعضاء تلك الشبكة لا يمكن حل مفاتيحه اطلاقا، على المدى القريب، على اقل تقدير.

قبل شهرين من مصرع سليماني ثار العراقيون ضد الحكومة العميلة ووكلائها من المليشيات التي تدعمها ايران.فقد كسر الثوار والمتظاهرون حاجزا كبيرا وضخما لم يجرؤ احد سابقا على المساس به.انه حاجز المرجعية ومن لف لفها.ومن الأهداف الكبيرة الاخرى التي سلط عليها الشعب غضبه وكسر هيبتها واماط اللثام عنها هي سفارة ايران في بغداد والقنصليات الإيرانية في كربلاء والنجف والبصرة.وجاء النداء المدوي "إيران برة برة، بغداد تبقى حرة".لقد هزت هذه الهتافات اركان النظام الإيراني في مكان.

أحست إيران بالخطر الكبير ومقدار الغضب الشعبي الذي تولد نتيجة تغلغلها في العراق.لذا ارادت ان تغير من مسار الثورة وتقلل من هيبتها وقوتها وتوجه غضب الشارع العراقي الى جهة اخرى، فأصدرت اوامرها الى ميليشياتها في العراق لضرب أحد المعسكرات الأميركية، مما أدى الى مقتل أحد المقاولين الأميركان.اما هدفها الثاني من ضرب المعسكرات المذكورة فهو دفع الولايات المتحدة لشن ضربة انتقامية من شأنها ان تنزع فتيل التظاهرات المناوئة لإيران.
جاء الرد الأميركي على دفعتين : الأولى شن غارة جوية على أحد معسكرات الميليشيات، قتل على اثرها ٥٠ عنصرا منهم وجرح أكثر من ٥٠.لم تتوقع إيران ولا ذيولها استمرار الاميركان بالانتقام.فجاء الرد الثاني بعملية قتل سليماني وخادمه ابو مهدي المهندس، قائد كتائب حزب الله العراقي بالإضافة الى ١٣ عنصرا كانوا معهم في باص صغير بالقرب من مطار بغداد.استخدم الاميركان طائرة مسيرة حديثة لن تخطأ هدفها ابدا.

ماذا فعل الإيرانيون لتغيير اتجاه الثورة والتظاهرات عبر استخدام مقتل سليماني؟ انهم يعرفون جيدا رفض الشارع العراقي لاي اعتداء على ارض العراق.فراحوا يؤججون النار وتغيير العواطف الجياشة لدى الشعب، خصوصا وان فيهم أناس مازالوا ينظرون الى مراجعهم بعين الاحترام.حمل الإيرانيون جثث سليماني وابي المهندس وآخرين وساروا بها في موكب جنائزي باتجاه النجف وكربلاء.كان الهدف الحقيقي من ذلك زيادة غل العراقيين ضد من قصف مطار بغداد أكثر مِن مَن قتل سليماني، أي ضد الوجود الاميركي المحتل لأرض العراق.بعبارة أخرى أرادوا تكتيم افواه الثوار ضد إيران وعملائها وتوجيه تلك الافواه ضد ايران.

يرى البعض ان الضربة الجوية فائقة التكنلوجيا التي قتلت سليماني ومن معه لم تشكل نجاحا استراتيجيا لأميركا.ويأتي استنتاج هؤلاء من استمرار إيران بتحديها لأميركا وقدرتها على تحريك الشعوب ضدها وزيادة غضبهم عليها و انها قادرة على تخطي خسارة سليماني.في الحقيقة هذه الفكرة مخالفة للواقع.لقد كان موت سليماني ضربة قاصمة لإيران.حيث ان اختيار إسماعيل قائاني بهذه السرعة خلفا لسليماني لقيادة فيلق القدس يدل دليلا قاطعا على مدى تأثير الضربة القاصمة.يزيد عمر قائاني على ٦٠ سنة، كما كان عمر سليماني، ولكن، حسب رأي إيران، هذا العمر ليس مثاليا لتولي قيادة مؤسسة سرية لها ذيول وأذرع منتشرة في الشرق الأوسط وغيرها من البلدان.فقبل أكثر من ٢٠ سنة وقع اختيار الخامنئي على سليماني ليقود فيلق القدس على الرغم من وجود قادة أكبر منه سناً وحنكة، لكنه فضل سليماني لصغر سنه.اما السبب الآخر فهو ان مقتل سليماني قد ولد شكوكا مؤكدة وهي ان منظومة الأمن الإيرانية مليئة بالمخبرين والجواسيس الذين يعملون ضد إيران.تعلم هذه المنظومة كل شيء عن تحركات سليماني.وهذه دلالة واضحة عن وجود مئات من المخبرين والجواسيس المرتبطين بالقيادة العليا لفيلق القدس.استطاعت هذه الشبكة من تزويد الأميركان بمعلومات دقيقة للغاية عن تحركات سليماني.لذلك فان مقتل الشخص الثاني في سلطة أي بلد يولد سلسلة من الإخفاقات ويزيد الشكوك ضمن دهاليز الدوائر الأمنية.لذلك لم يكن امام خامنئي الا ان يختار قائداً لفيلق القدس بعد سليماني من بين اشخاص معدودين يثق بهم هو فقط ولا احد غيره، ولم يكن هذا ممكنا الا من خلال الأشخاص الذين يعرفهم وعمل معهم لسنوات طوال.وهذا يعني ان كل الافراد الشباب في جيش القدس والحديثي العهد في هذه المنظومة أصبحوا مثار شك ولا يمكن الوثوق بهم.ومما لا شك فيه ان هذه المنظومة سوف تتخلص من معظم هؤلاء الافراد، ان لم تتخلص منهم دوائر الامن الإيرانية لمنع كشف منظومة الجواسيس كلها.وربما يكون اسقاط الطائرة الاوكرانية بارادة ايرانية حكومية او لطمر حلقة كبيرة من حلقات الجواسيس الايرانية المرتبطة بسليماني وغيره.

من هذا المنطلق وقعت إيران في ورطة كبيرة.من هو البديل لكل فرد من افراد فيلق القدس؟ يدرك خامنئي جيدا ان القوى المعارضة له ولحكمه في ازدياد وتوسع، وهنا يكمن مأزق اختراق منظومات الأمن الإيرانية كلها والمنتشرة في العراق ولبنان ودول اخرى.وعليه، فان تجنيد عراقيين ولبنانيين لاختراق صفوف شبكات إيران وميلشياتها سيمهد الطريق الى دخولهم الى داخل إيران.ولا بد من الاشارة الى ان الالاف ممن يعارضون ايران في الداخل والخارج قد عبروا عن فرحتهم بمقتل سليماني، وان هناك الكثير من الراغبين بالانظمام في خلايا تعمل ضد ايران.اضف الى ذلك هبوط قيمة التومان الايراني هبوطا حادا مما جعل شعوب ايران بحالة اقتصادية يرثى لها، مما سيجعلهم حاقدين على النظام وبحاجة الى تحسين حالتهم المالية والاقتصادية.

النقطة الاخيرة توضح مدى العزلة التي تعرضت لها ايران وذيولها أثناء تشييع سليماني وذيوله.لقد سارت السيارات التي نقلت الجثث في شوارع ضيقة لكي يبدو الحضور الذين لم يتجاوزوا المئات كبيرا وكثيرا، ولو سارت الجنازة في شوارع عريضة لأنكشفت الحقيقة.

ان الحصار الاميركي على حكومة الملالي يأتي اكله فقد اصبحت حكومة الملالي هشة وضعيفة الى ابعد الحدود نتيجة تآكلها من الداخل، وزيادة تدهورها العسكري والاقتصادي والاجتماعي.لقد بدأت ايران تفقد توازنها في كل المجالات ولم يعد امامها الا الاستسلام.وهنا سنحتاج الى النفس الطويل الذي سيوصلنا الى الهدف المنشود :

إيران برة برة، بغداد تبقى حرة.





الاحد ٨ جمادي الثانية ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / شبــاط / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عماد عبد الكريم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة