شبكة ذي قار
عـاجـل











في مثل هذه الأيام لثلاثة وسبعين سنة خلت، كانت الأمة العربية على موعد مع ميلاد حزب الثورة العربية، حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي لخص في ثلاثية الوحدة والحرية والاشتراكية، أهداف الأمة العربية في توقها نحو التحرر والتقدم والوحدة.واليوم إذ نستحضر هذه المناسبة بكل ما انطوت عليه من دلالات وأبعاد نضالية، فإنما نستحضرها ونحن نعيش مرحلة تنوء فيها الامة تحت ثقل اعباء التحديات، التي أفرزها معطى الصراع في الأمة وعليها، حيث تتلاقى وتتكامل بالنتائج، مشاريع العدوان المتصاعد من الخارج القومي، مع مصالح قوى الرجعية ونظم الاستبداد والقمع والارتهان في الداخل العربي، للنزول بالواقع العربي دون ما هو قائم من التجزئةٍ الكيانية التي أفرزتها اتفاقية سايكس - بيكو، وصولاً لتقسيم المقسم وتفتيت المفتت، وإسقاط الهويات السياسية على الاثنيات والطوائف المذاهب والجهويات القبلية التي استنفرت عصبياتها وغرائزيتها، لتلعب دور مخلب القط في تخريب وتدمير البنى المجتمعية العربية، والتي تندرج فيها قوى الترهيب والتكفير الديني التي تم ويتم الاستثمار بها، من قبل أعداء الأمة المتعددي المشارب والمواقع، لضرب عوامل المناعة القومية، وإضعاف قدرتها على مواجهة كل من يهدد أمنها القومي من الداخل والمداخل.

إن قيادة قطر فلسطين لحزب البعث العربي الاشتراكي، والتي ترى في الأمن القومي العربي بأبعاده الوطنية ومضامينه الاقتصادية والاجتماعية، وحدة عضوية، تعتبر أن أي تهديد لأيٍ من المكونات الوطنية العربية ولتماسك نسيجها الاجتماعي، هو تهديد لأمن الأمة برمتها.

إن هذه الحقيقة التي أكد عليها الحزب، قبل نيف وسبعة عقود، إذ يعيد التأكيد والتشديد عليها الآن، فلأن سياقات الأحداث التي شهدها الوطن العربي منذ بدأت تتبلور الهوية القومية للأمة، أثبتت صحة ما ذهب إليه الحزب بتأكيده أن التحرير الوطني إنما يرتبط جدلياً بالتحرر الاجتماعي، وهذا هو السبيل الوحيد لحشد إمكانات الأمة وتوظيفها في سياق مشروع متكامل الأبعاد التحررية لإنهاء الاستلاب القومي والاجتماعي.على هذا الأساس، يكون أي استهداف لأي من المكونات الوطنية العربية، استهداف للأمة برمتها، وضمن هذا السياق يندرج استهداف فلسطين كموقع وتاريخ، وتكفي العودة إلى التوصيات والمقررات التي صدرت عن المؤتمر الاستعماري الذي دعا لانعقاده رئيس وزراء بريطانيا كامبل بانرمان عام ١٩٠٧ ليثبت بالدليل القاطع طبيعة التحالف العضوي بين الحركة الصهيونية ومراكز التقرير في النظام الاستعماري والتي يديرها اليوم الموقع الأميركي.كما أنه بالسياق نفسه، جرى استهداف العراق بالعدوان والاحتلال، لأنه شكل في ظل نظامه الوطني سنداً للنضال القومي وحضناً دافئاً لجماهير فلسطين وانتفاضتها التي جددت الشخصية النضالية للثورة، وتقاسم معها حبة الدواء ولقمة الغذاء وهو تحت الحصار، ذلك لقناعة وإيمان بأن الأمة يحكمها مصير واحد، وأن عدوها واحد وإن تعددت أطرافه وعناوينه السياسية.وعندما يقول شهيد الحج الأكبر القائد الرمز صدام حسين، أن فلسطين بحاجة للحضن القومي الدافئ أكثر من حاجتها للإسناد المادي والسياسي وعلى اهمية ذلك، فلأنه كان يدرك أن فلسطين هي قضية قومية، بقدر ما هي قضية وطنية، وتحريرها وتخليصها من براثن الاحتلال الصهيوني ليست مهمة شعب فلسطين وحسب وإنما هي مهمة الأمة كلها وبنفس المستوى لأن فلسطين لم تكن مستهدفة لذاتها.

إن ما كان يؤكد عليه الشهيد القائد صدام حسين في تعامله مع مفردات القضية الفلسطينية كان الترجمة العملية للمبادئ التي ضبطت الإيقاع البعثي في التعامل مع قضية فلسطين فكراً وممارسة.وعندما يقول القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق، أن الوحدة هي طريق فلسطين، وفلسطين هي طريق الوحدة، وبقدر ما يقترب العرب من الوحدة، يقتربون من تحرير فلسطين، وعندما يقول ان فلسطين لن تحررها الحكومات وإنما الكفاح الشعبي المسلح، فإنما ذلك يرسم خارطة الطريق لتحرير فلسطين انطلاقاً من مركزية موقعها في قضايا الامة العربية، والتي سار دربها المناضلون البعثيون أياً كانت مواقعهم النضالية في مواقع النضال الإيجابي، أو في مواقع النضال الجماهيري بعيداً عن أية نظرة أو مكاسب فئوية.

إن هذه المناقبية النضالية هي التي دفعت الحزب لأن يوجه الرفاق البعثيين من فلسطيني الهوية الوطنية في الداخل وعالم الشتات للانضواء في صفوف الثورة الفلسطينية التي أطلقت الرصاصة الأولى في ١ / ١ / ١٩٦٥، إيذاناً ببدء الكفاح الشعبي المسلح.وعندما أعلن الحزب عن تأسيس جبهة التحرير العربية في التاسع من نيسان عام ١٩٦٩، فليس لإضافة فصيل فلسطيني جديد إلى ساحات النضال وحسب، بل ولدلالة أهم، هو لإعطاء الصراع مع العدو الصهيوني بعده القومي، عبر الصيغ العملية وعلى قاعدة أن تحرير فلسطين هو مشروع قومي بامتياز.وكل من يدعي ويزعم بأنه يعمل لأجل تحرير فلسطين من خارج سياقات المشروع القومي العربي إنما هو للاستثمار السياسي، واستغلال المكانة التي تتبوأها القضية الفلسطينية في الوجدان القومي العربي، للنفاذ إلى العمق القومي وإعمال معاول التدمير البنيوي والتخريب المجتمعي، والتطييف والمذهبة للحياة السياسية وإحداث تغيير في التركيب السكاني، وخاصة في دول الطوق، وتنفيذ عمليات تهجير جماعي في استحضار لمشهديات الترانسفير الذي تعرضت وما زالت تتعرض له جماهير فلسطين.

إن هذا المخطط الجهنمي الذي بدأت تتوضح خطوطه وترتسم معالمه على الارض، دخل مرحلة خطيرة على الأمن القومي العربي والأمن الوطني الفلسطيني، بعد احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني، وبما أدى إلى انكشاف الأمة أمام مطامع القوى التى تضمر عداء للعروبة، وهو الذي أفسح المجال للنظام الإيراني أن يمعن في تغوله في العمق العربي، ويعمل تفتيتاًفي بناه السياسية والاجتماعية ومنها ساحة فلسطين، التي لم تسلم من تخريبه وتدخله في الشؤون الداخلية ووضع العصي في دواليب الوحدة الوطنية الفلسطينية.

إن قيادة قطر فلسطين لحزب البعث العربي الاشتراكي، التي تضع المشروع الإيراني التوسعي وذي الطبيعة العنصرية، في مرتبة المشاريع الشديدة الخطورة على الأمن العربي، ترى بأنه بات يشكل مع المشروع التركي، والذي سبق وما زال يعمل للاستثمار السياسي في القضية الفلسطينية ويرفع من وتيرة تدخله العسكري والسياسي في أكثر من ساحة عربية، مشروعان مكملان بنتائج دورهما للمشروع الصهيوني، حيث الثلاثة ينضوون في حلف غير مقدس، لملء الفراغ في الفضاء العربي تمهيداً لإعادة تشكيل نظام إقليمي تكون إسرائيل وإيران وتركيا من مرتكزاته الأساسية تحت مظلة الرعاية الأمريكية، ولهذا بدأت أميركا تمهيد الأرضية لتمرير هذا المشروع، عبر ضرب العراق وتسهيل العبور الإيراني وطرح صفقة القرن والاعتراف بضم الجولان وبالقدس عاصمة لكيان الاغتصاب واستعمال وسائط الترهيب والترغيب والابتزاز لفرض التطبيع على الأمة، والذي ما كان ليصل إلى هذا المستوى لو لم يتولى النظام الإيراني تنفيذ ماعجز الكيان الصهيوني عن تحقيقه في تفسيخ عرى النسيج العربي سياسياً ومجتمعياً،واضعاف مناعته الوطنية والمجتمعية في مواجهة ما يتهدد الأمة من مخاطر ومنها التطبيع مع العدو الصهيوني.

في هذه المناسبة المجيدة، مناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لتأسيس، حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب الوحدة والحرية والاشتراكية، حزب فلسطين وثورتها والعراق ومقاومته وانتفاضة شعبه، نستحضر البدايات التي سبقت الإعلان عن انطلاق هذه الحركة التاريخية التي ولدت من رحم الأمة، وشكلت قفزة نوعية في مسيرة النضال الجماهيري، بالارتقاء به إلى الفعل المنظم الذي يسترشدبنظرية ثورية، لم يرد لها القادة المؤسسون، أن تكون صيغاً جامدة ومنغلقة على نفسها، بل أرادوها صيغة مفتوحة على الاغناء من خلال العمل النضالي بكل تعبيراته.من هنا، فإن الحزب بقدر ما ساهم في وضع الدليل النظري للحركة الثورية العربية، فإن مسيرته منذ التأسيس، أغنيت بالعمل النضالي في كل الساحات العربية وخاصة في ساحتي فلسطين والعراق، حيث بنى في الثانية صرحاً وطنياً استفز بإنجازاته العظيمة الأبعدين والأقربين فأتلفوا ضده لإسقاط تجربته، وفي الثانية كانت فلسطين تستبطن وجدان البعثيين وما زالت وستبقى، ولهذا يبدي الحزب الحرص الشديد على أن تبقى ثورة فلسطين على نقائها وتوهجها النضالي، كي تبقى جذوة النضال متقدة ،وحتى يخيب فأل كل الذين يراهنون على الهيمنة على الوطن العربي انطلاقاً من تصفية القضية الفلسطينية.

لهذا، فإن القيادة القطرية للحزب في فلسطين، وفي هذه المناسبة المجيدة العزيزة على قلوب البعثيين كما على جماهير الأمة، إذ تشدد على أهمية إعادة الاهتمام لمركزية شعار الوحدة في خطاب وآليات العمل العربي وخاصة الشعبي منه، وإفراد مساحة في آليات العمل العربي للديموقراطية بتعبيراتها الشعبية والسياسية القائمة على التعددية وتداول السلطة، فلأن ذلك هو السبيل لتوحيد طاقات الأمة وتفجيرها من خلال النضال الجماهيري، وحيث تثبت الوقائع أن الجماهير بما تختزنه من طاقات واستعدادٍ عالٍ للتضحية هي عنصر الترجيح لموازين القوى في الصراع الذي تخوضه الامة ضد أعدائها وخاصة على ساحة فلسطين.

في هذه المناسبة، التي نستحضر فيها كل المحطات المضيئة في تاريخ الأمة، ونتوقف عند ما شاب المسيرة النضالية من سلبيات، نتوقف عند الإيجابيات، للبناء عليها وطنياً وقومياً، والأمة في قلب العاصفة التي تهب رياحها من أكثر من جهة.

إن مواجهة التحديات التي تواجه الأمة وخاصة في فلسطين، تتطلب العودة إلى الجماهير وتفعيل نضالها وتعزيز صمودها في داخل فلسطين وخارجها، وعلى أرضية موقف وطني مقاوم متوجه نحو التحرير، ومحمي بوحدة وطنية فلسطينية، مشدودة إلى مركزية القضية التي تحميها ليس فقط الأحقية التاريخية في الأرض والحقوق، بل وبنفس المستوى إلى اعتبارها قضية الأمة العربية في توقها نحو التحرر والتقدم والوحدة.

في هذه المناسبة التي نستحضر فيها ذكرى الشهداء الذين رووا أرض فلسطين بدمائهم الطاهرة والزكية، وذكرى الأيام المجيدة ودرتها يوم الأرض، الذي أصبح يوماً وطنياً فلسطينياً، برزت من خلاله مشهدية أروع ملحمة نضالية في تاريخ شعب فلسطين، الذي اثبت عمق تجذره وتعلقه بأرضه، التي يحاول العدو تهويدها وفرض الصهينة على كل معالم الحياة، فإذ بجماهير فلسطين ترد بمقاومة مدنية، وتطرح مجدداً أمام الرأي العام العالمي عنصرية دولة الكيان الصهيوني، التي بانت على حقيقتها انها دولة ابارتهايد.وهذا ما يجب أن يبنى عليه ليتكامل نضال ومقاومة جماهير فلسطين في الداخل مع الكفاح الذي تخوضه المقاومة بكل أشكاله الشعبي منه، والمسلح لتحرير الأرض واستعادة الحقوق القومية والوطنية المغتصبة.
نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية، ونعم لتوحيد الفعاليات النضالية في عموم أرض فلسطين وعالم الشتات.

لا للتطبيع مع العدو الصهيوني ولتسقط كل الدعوات لفتح الحدود والاجواء أمام العدو الصهيوني.
لا للقواعد الأجنبية على الأرض العربية ولا لأنظمة القمع والاستبداد والتوريث والتأبيد السلطوي.
تحية للرفيق القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق وكل الرفاق الذين ساهموا في إطلاق مسيرة الحزب عشية السابع من نيسان ١٩٤٧.
تحية للشهيد القائد الأمين العام للحزب حبيب فلسطين وجماهيرها شهيد الحج الأكبر الرفيق صدام حسين.

تحية للرفيق القائد عزة إبراهيم الأمين العام للحزب والقائد الأعلى للجهاد والتحرير على رأس مسيرة الحزب والمقاومة لتحرير العراق من الاحتلال ومنظومات الفساد.
تحية للرفيق علي الريح السنهوري الأمين العام المساعد للحزب وللرفاق في القيادة القومية وكل الرفاق المناضلين على مساحة الوطن العربي الكبير.
تحية للحراك الشعبي العربي وللانتفاضات الشعبية في العراق ولبنان والجزائر وثورة السودان المظفرة.
تحية لشهداء فلسطين والعراق وكل شهداء الأمة في ساحات النضال العربي.
الحرية للأسرى والمعتقلين في سجون ومعسكرات الاحتلال الصهيوني وسجناء الرأي في أقبية أنظمة الفساد والاستبداد والقمع في الوطن العربي.
عاش البعث العظيم، عاشت فلسطين حرة عربية، عاشت الامة العربية.
وعهداً على استمرار النضال حتى تحرير فلسطين وكل أرض عربية محتلة وتحقيق أهداف أمتنا العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية.


قيادة قطر فلسطين لحزب البعث العربي الاشتراكي
في السابع من نيسان ٢٠٢٠





الاثنين ١٣ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب قيادة قطر فلسطين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة