شبكة ذي قار
عـاجـل











في الذكرى الميلادية الثالثة والسبعين لإعلان ولادة حزب الأمة العربية – حزب البعث العربي الاشتراكي , يتوقّف الباحث مليا أمام هذه اللحظة السابقة في تاريخ التوأمة بين الحزب والأمة , أبعادها , دلالاتها , خصوصياتها ..

الباحث عن استجلاء مكامن الدوافع الفكرية العميقة لمفكري البعث – الرواد الأوائل , يتلمس غوص هؤلاء في الحفر والمتابعة لمسار الأمة العربية عبر مسارات استكمال مكوّناتها التاريخية , واستلهام خصوصيتها كمجال جيوسياسي استراتيجي لجغرافيتها في الخارطة العالمية من ناحية , ومن عظيم استعدادها للفعل الانساني وحملها لرسالة حضارية قيمية إنسانية لعالم الأرض من ناحية أخرى.

عرفت هذه الأمة مسارات متعدّدة من حيث تشكّلها التاريخي كجماعة بشرية مقيمة في جغرافية طبيعية عربية ممتدة بين جسور تواصل الأمة الأربعة مع العالم من الخليج العربي في الوسط الآسيوي شرقا الى المحيط الأطلسي عند رأس أفريقيا العربية غربا , ومن ساحل الحضارات المتوسطية على المتوسط شمالا الى البحر الأحمر امتدادا الى المحيط الهندي جنوبا.هذه الجغرافية الطبيعية العربية , شكّلت من المنظور الجيوسياسي " قلب العالم " , بحيث انّ مقياس القوّة والعظمة لأية جماعة بشرية , حضارة أم دولة , كان بمقدار ما تتمتع به هذه الجماعة , الحضارة أو الدولة , من حضور في الجغرافية المشار اليها.هذه الخصوصية الجيوسياسية للأمة العربية جعلتها , على مدى الحقبات والمراحل التاريخية , عرضة للغزوات الخارجية القريبة والبعيدة , من الفارسية الى اليونانية , الى الرومانية فالصليبية , وصولا الى المملوكية والعثمانية والاستعمارات الرأسمالية الأوروبية والأمريكية الحديثة والمعاصرة.

الى جانب موقع الأمة في قلب العالم , اكتسبت خصوصية حضارية ليس لذاتها , وانما لإغناء العالم , كل العالم , فكانت رسالتها دائما الفيض على العالم بقيم الحضارة الإنسانية والتفاعل الإيجابي بين البشر على قواعد التسامح والتكافل البشري , والنظر الى الانسان بوصفه مخزونا روحيا بقيم السماء , من هنا , برعت الأمة في انتاج سلسلة من التراكمات الحضارية التي كانت في عمقها تتوخى الإنسان هدفا قيميا لها.فالبابلية قدّمت نموذجها التشريعي ( قانون حمورابي ٢٨٦ مادة ) في قانون شامل طال نظم الحكم ووظائف الدولة والعدالة الاجتماعية والبناء الأخلاقي العام , والفرعونية برعت في الجمع بين المعطيات الحضارية المادية والدينية , والفينيقية صدّرت للعالم الأبجدية والقلم , واستمرت موجات الرسالة العربية تنضح بالمبادىء القيمية من المسيحية بنسختها العربية الأصيلة , الى الاسلامية بخصوصيتها العربية الخالصة.واذا كانت المسيحية قد عبرت الى أوروبا وباقي العالم , واستمرت ظاهرة وافدة الى الخارج , فانّ الاسلام نشأ واستمر خصوصية عربية منطلقا ومحاكاة واستجابة لحاجات الأمة العربية في تحررها من الدخيل الخارجي , وفي توحدها الاجتماعي والسياسي , في بناء الدولة وفي التشريعات الناظمة لسلوك الهيئة الحاكمة والانسان الفرد والمجتمع.

هذه الخصوصية التي شكّلت مرتكزات الرسالة العربية كانت توحي بأنّ الأمة العربية هي أمة قائدة للعالم , لا بل هي الأمة - القطب القادرة على متابعة العالم وانتاج حضارة انسانية متجددة.

فإذا كانت الأرض العربية قد تصدّرت " قلب الموجة " لنشر رسالة الأمة الى العالم , واذا كان الاسلام كفعل تاريخي اجتماعي وسياسي قد احدث انقلابا نوعيا في الهياكل الاجتماعية والس لنظام اجتماعي مع ثلاثينيات القرن الاستعماري التاسع عشر سقطت الجزائر في قبضة الاستعمار الفرنسي ( ١٨٣٠ ) , ليعقبها احتلالات استعمارية متواصلة لمصر ( ١٨٨١ ) , وتونس ( ١٨٨٢ ) , وليبيا ( ١٩١٢ ) , ولسائر امارات الخليج العربي , لتأتي نتائج الحرب العالمية الأولى باحتلال القدس ( ١٩١٧ ) , والعراق ( ١٩١٧ ) , ومن ثمّ سوريا ولبنان وشرق الأردن ( ١٩٢٠ ) , وصولا الى اغتصاب فلسطين وقيام كيان استيطاني إحلالي على ارضها عام ١٩٤٨ , ليس لمجرد تحقيق حلم توراتي في الاغتصاب وحسب , وانما , وهذا هو الأبعد , من اجل قطع جسور التواصل في جغرافية الوحدة العربية بين شطري الأمة في المشرق والمغرب.

في ظل هذه التحديات الضاغطة على مستقبل الأمة العربية كوجود حضاري تاريخي , وهي تحدّيات هادفة الى إلغاء رسالتها الانسانية , ومنعها من ممارسة دورها الحضاري الانساني على مستوى امم وشعوب العالم , في ظل ذلك , راح مفكّرون روّاد من ابناء الأمة , راحوا يغوصون في عمق تاريخها , يتابعون بانتباه حركة تحولاتها في مسارات زمنية متتالية , الى أن خرجوا باستنتاجات يقينية , وأعلنوا عن تصميم مقرون بالوفاء على إعادة التجديد لهذه الأمة ولرسالتها الخالدة.هنا كانت اللحظة التاريخية الحاسمة لولادة حزب الأمة – حزب البعث – في السابع من نيسان ١٩٤٧ , ليكون بمثابة استجابة فكرية سياسية تنظيمية , وليقدّم نظرية عقيدية مستوحاة من واقع الأمة , عقيدة تربط جدليا وبقوّة بين زوايا المثلث البعثي الوحدة والحرية والاشتراكية , على اعتبار الزوايا – المرتكزات , وبعد استلهام الحراك التاريخي للأمة العربية , أنّها خشبة خلاصها من التخلف والاستعمار , وإعادتها من جديد لممارسة دورها الرسالي الانساني , مقدّمة للعالم العروبة هوية حضارية ابدية لا تعرف الموت والفناء.

تحية الى المفكرين الرواد الأوائل ميشال عفلق ورفاقه , الذين أطلقوا حركة البعث العربي في ٧ نيسان ١٩٤٧ , وتحية الى القادة الذين واكبوا مسيرة النضال في سبيل اهدافه العليا , والى الشهداء الخالدين بخلود الرسالة العربية , والى كل البعثيين المنتشرين في ساحات النضال الوطني والقومي , لهم جميعا تحية البعث والصمود , تحية العروبة وخلود الرسالة المجيدة التي ستبقى عصية على الموت والفناء.





الاثنين ١٣ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد مراد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة