شبكة ذي قار
عـاجـل










توهم الكثيرون أن الديمقراطية والازدهار والتقدم والنهضة تجلبها أمريكا وحلفاؤها وعملاؤهم بعد القضاء على الحكم الوطني العراقي، واحتلال العراق عام ٢٠٠٣.

لقد أدى الغزو الأمريكي للعراق إلى تداعيات خطيرة وديمقراطية مزيفة وعملية سياسية مشوهة خُلُقياً وخَلقياً، جلبت أحزاباً مارست الفساد والسرقات الكبرى لأموال الشعب وثروات الوطن، أحزاباً مهمتها إثارة الصراع الطائفي وتدمير نسيج المجتمع العراقي وإثارة الأحقاد والضغائن والثارات والإقصاء والتهميش، أحزاباً دورها تدمير مؤسسات الدولة العراقية التي تم بناءها منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وأفلحت في تدمير مرتكزات الدولة الأساسية الصناعة والزراعة والتجارة والاقتصاد.

إن أهم ما ركزت عليه العملية السياسية وأحزابها هو تدمير اللحمة الوطنية والروح الوطنية لأبناء الشعب، والتدمير الكبير والممنهج لقطاع التعليم بكل فروعه الأساسي والثانوي والجامعي والعالي.

إن الأحزاب التي تحكمت في المشهد السياسي العراقي من خلال العملية السياسية الاحتلالية زادت من التدمير الذي سببه الغزو والاحتلال تدميراً وخراباً لجميع مفاصل الدولة وجميع ميادين الحياة، وخاصة التعليم لما يمثله من أهمية كبيرة في بناء المجتمع وبناء الدولة الحديثة والاستفادة من طاقات الشباب، قادة المستقبل، وتطوير قدراتهم والعلمية والمهنية للنهوض ببلدهم وتطويره والوصول به إلى مصاف الدول المتقدمة، فالتعليم يعتبر المرتكز الأساسي في نهوض الأمم وتقدمها وتطورها.

إن إعادة بناء الدولة وقطاعاتها ومؤسساتها وكل البنى التحتية التي تتعرض للخراب والتدمير هو أمر يتم خلال فترة قصيرة وربما يعود أفضل من سابقه، إلا قطاع التعليم، فإذا ما أصابه الخراب والدمار والانحدار نحو الهاوية، كما هو حال التعليم في عراق ما بعد الاحتلال، فإن الدولة ستتراجع كثيراً في جميع الميادين وستكون نتيجة هذا الدمار كارثية على المجتمع، لأن عملية إعادة بنائه صعبة ومعقدة وتتطلب جهود مضنية وعمل دؤوب وكوادر علمية وأكاديمية متخصصة بالإضافة الى الوقت الطويل الذي تستغرقه عملية إعادة البناء والأموال الكبيرة التي تصرف لهذه الغاية.

لقد وصل التعليم في العراق قبل ٢٠٠٣ إلى مراحل متقدمة جداً، وتمكن العراق آنذاك من القضاء على الأمية وحصل على العديد من الجوائز من المنظمات الدولية كونه من البلدان التي قفزت قفزات نوعية كبيرة في قطاع التعليم بكافة مستوياته، حيث كانت الجامعات العراقية في طليعة التصنيف العالمي للجامعات وكان يقصدها الطلاب العرب والأجانب للدراسة فيها.ولكن وفي ظل العملية السياسية الاحتلالية وحكوماتها العميلة التي تتميز بالفشل والفساد فقد انحدر التعليم بكافة مستوياته إلى مستويات أدنى من الحضيض.

لقد كان لهذا الانهيار المريع للتعليم العديد من الأسباب أهمها : أن أغلب إن لم نقل جميع المدارس الابتدائية متهالكة أو مكتظة بأعداد كبيرة من الطلاب، وأغلب الطلاب يفترشون الأرض ومستوى المعلمين تدنى كثيراً بسبب سوء الإعداد في المعاهد والكليات، كما تفتقد المدارس إلى أبسط الخدمات كالماء والمرافق الصحية وقاعات النشاطات الرياضية والفنية، ولا زالت هناك مدارس طينية ومدارس مبنية من القصب في عراق البترول والمليارات من الدولارات التي تأتي من إيرادات النفط شهرياً، وينطبق هذا الحال على المدارس المتوسطة والإعدادية والجامعات التي انحدر مستوى التعليم فيها إلى مستويات منخفضة جداً، فالجامعات تفتقر إلى قاعات الدراسة المقبولة وليست المثالية، وإلى باقي الخدمات الأساسية الأخرى، وضعف الكوادر التدريسية وقلة خبرتهم، وتبوء عناصر غير كفؤة وغير مؤهلة ولا تمتلك الخبرة والتجربة مناصبَ عمداء الكليات ورؤساء الجامعات، فالمؤهل الوحيد المطلوب لشغل هذه المناصب هو الانتساب للأحزاب المتنفذة.

ولكي تساهم العملية السياسية الاحتلالية بإلحاق أكبر أذى بالتعليم الجامعي فقد سمحت الدولة بفتح جامعات وكليات أهلية لا تتوفر في أغلبها أبسط شروط الجامعة فهي عبارة عن شركات تقبل الطلاب من ذوي المعدلات المتدنية جداً مقابل مبالغ مالية وتمنح الشهادات فيها مقابل مبالغ أيضاً، واستغل بعض المعممين هذه الحالة فأسسوا جامعات وكليات أهلية ولكي يستقطبوا أعداد كبيرة من السذج ومن ذوي المعدلات المتدنية أو من السياسيين والمسؤولين الحكوميين في بغداد والمحافظات فقد أطلقوا أسماء الأئمة ( ع ) على هذه الكليات فأصبحت كلية الإمام الصادق والكاظم والباقر ( ع ) تنتشر في كل المحافظات والأئمة براء من هؤلاء ومن جامعاتهم وكلياتهم التي تقبل المتردية والنطيحة وحتى الذين لا يملكون شهادة الدراسة الإعدادية والمزورين والذين يجلبون شهادات من مدارس دينية من دول الجوار حتى أصبح كل السياسيين والمسؤولين وأبنائهم من أصحاب الشهادات بفضل هذه الكليات، بل ومن ذوي الشهادات العليا الدكتوراه والماجستير، فوقعت المصيبة والكارثة الكبرى في التعليم بعد أن كان مثالاً يحتذى به على مستوى المنطقة والعالم.
فقد غاب العراق عن مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام ٢٠١٥ - ٢٠١٦ لأن التعليم في العراق لا يمكنه الدخول في المنافسة في هذا المؤشر لعدم توفر الشروط والمواصفات اللازمة لهذه المنافسة التي كان العراق قبل ٢٠٠٣ يتنافس عليها وبقوة.

فقد تميز التعليم خلال حقبة الحكم الوطني العراقي بالتفوق على مثيلاته في دول المنطقة والعالم، كما أن مجانية التعليم من رياض الأطفال وحتى الدراسات العليا أتاحت الفرصة أمام جميع طبقات المجتمع للتعلم والتفوق، حيث أصبح بمقدور الطبقات الفقيرة والمتوسطة أن تعلم أبناءها بعد أن كان التعليم قبل حكم البعث حكراً على طبقات محددة من المجتمع العراقي.

إن التعليم في العراق في ظل حكومات الأحزاب الفاسدة أصبح مهزلة يتندر بها العراقيون، وأن الحكومات المتعاقبة منذ ٢٠٠٣ وحتى الآن تسعى بكل قوة لتدمير العقل العراقي والمضي به إلى عالم الجهل والتخلف، حتى تتمكن من السيطرة عليه وتوجيهه حيثما شاءت، فأهملت التعليم الحكومي الذي يضم الطبقات العراقية الفقيرة والمتوسطة، واهتمت بالتعليم الأهلي لأن أصحابه من شركاء العملية السياسية الفاسدة، وكان آخر ما تمخضت عنه العقلية التعليمية الفاسدة في ظل الظروف الراهنة، أن منعت التجمعات الطلابية في المدارس الحكومية إلا يوماً واحداً في الأسبوع خوفاً من تفشي وباء كورونا، وتسمح للطلاب في المدارس الأهلية والخاصة بستة أيام في الأسبوع ما يشكل نوعاً من أنواع العنصرية الواضحة التي تتعمد تجهيل وتفشيل الطبقات الفقيرة في المجتمع العراقي، كما تسعى إلى تجهيلهم وتشريدهم في الشوارع حتى يكونوا عرضة للجهل والخرافة والادمان، علماً أن منع الطلاب من الدوام خوفاً من التجمعات يقابله السماح بالتجمعات اللطمية والزيارات والمقاهي والأسواق والمطاعم.

إن الهدف من التعليمات التي أصدرتها الحكومة الفاسدة هو تدمير المجتمع العراقي من خلال تدمير التربية والتعليم في العراق وتجهيل شعبه.

إن العملية التعليمية في العراق وفي ظل العملية السياسية الاحتلالية وصلت إلى مستوى متدني وفي الحضيض، بعد أن كان العراق في مقدمة ليس الدول الخليجية والعربية بل مقدمة دول العالم الثالث في مجال التعليم.

فإلى أين يريد ساسة المنطقة الخضراء الوصول بالتعليم بعد كل هذا الفشل والإخفاقات التي حلت به وبعد الكوارث والمآسي التي حلت بالوطن والشعب بسبب سيطرة الجهلة وأنصاف المتعلمين على المناصب المهمة في الدولة والحكومة نتيجة للمحاصصة الحزبية والطائفية في تقاسم المناصب الحكومية ونتيجة لإبعاد الكفاءات الأكاديمية والعلمية والمهنية والخبيرة والمجربة والوطنية عن مراكز الدولة المهمة.
لقد أوصلوا العراق إلى الهاوية التي لا يمكنه الخروج منها إلا بجهود استثنائية ولسنوات عديدة وطويلة، بعد القضاء على العملية السياسية الاحتلالية وأحزابها وهو ما يسعى إليه ثوار تشرين الأبطال من خلال محاربة العملية السياسية العميلة والجهل والتخلف، ومطالبتهم بالنهوض بالتعليم كأساس لبناء المجتمع وتطوره والوصول إلى حماية الوطن.




الاحد ٢٠ ربيع الثاني ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ناصر الحريري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة