شبكة ذي قار
عـاجـل










شهادة عن مواقف الرفيق أبي جعفر ونضاله

عن التاريخ نكتب كما وعدناكم..

 

صرخة قلم

يُطلقها: سعد الرشيد

 

مُقدمة:

قد يتساءل بعض الرفاق: لماذا يكتب سعد، اليوم، وجوابي يحمل سببين، أولهما ما كنتُ قد أوضحته، سابقًا، أنه واجبٌ أخلاقي وغيرةٌ مني على رفاقي الذين يحاول بعضهم، اليوم، تشويه تاريخهم النضالي والطعن فيه، فكان لابد من كتابة تجربتي معهم إحقاقًا للحق، أما السبب الثاني فإنني إذ أكتب، اليوم، فأكتب وأنا على الحياد من دون الانتماء إلى أية جهة، فلن يكون في كلامي محاباةٌ لأحد ولا مجاملة، فلا انتظرُ ثناءً ولا تكريمًا، خشية أن يُفهم كلامي من بعض ضعاف النفوس أنه تملقٌ أو تزلفٌ لهذا الطرف أو ذاك، بل أنا أقف على المسافة نفسها من جميع رفاقي الذين أكن لهم خالص مشاعر المحبة والاحترام.

بعد هذه المقدمة البسيطة، أبدأ أولى حلقات سلسلتي القصيرة، والتي، كما أسلفت في صرختي السابقة، أنها ستكون على وفق الترتيب الزمني للأحداث، لذلك ستكون شهادتي الأولى من دون رتوش حول الرفيق أبي جعفر، كما عرفته وناضلت بمعيته، أي أنّها شهادة عيانية وليست سمعية أو نقلًا عن أحد، بل هي تجربتي الشخصية مع الرجل.

بعيدًا عن تاريخه النضالي ومواقعه القيادية في الحزب والثورة، قبل الاحتلال، إلا أنني عرفت أبا جعفر بصفة شخصية ومباشرة، بعد الاحتلال، ومنذ الأسبوع الأول للاحتلال، عندما وصلت رسالة الشهيد القائد صدام حسين، بالاتصال بالرفاق وإعادة تنظيم صفوف الحزب في بغداد وباقي المحافظات، كان أبو جعفر من أول الرفاق الذين تحركوا على الرفاق لإعادة تنظيمهم، وأوكل إليه الرئيس الشهيد مسؤولية تنظيم بغداد الكرخ، فيما تسلم الرفيق علي السنهوري، من موقع أدنى، مسؤولية تنظيم بغداد الرصافة، وبهذا الصدد أذكر كيف ذهبنا بسيارتي، يومها، أنا ووالدي رحمه الله وأبو جعفر للاتصال بالرفيق علي الريح السنهوري، والذي لم يتردد لحظة بالشروع بإعادة التنظيم والتحرك على الرفاق في جانب الرصافة من بغداد، هذا كان لقائي الوحيد بالرفيق علي السنهوري، الذي بقي يعمل على الساحة العراقية في الداخل حتى أتاه أمر مباشر من القائد الشهيد رحمه الله بمغادرة العراق حفاظًا على سلامته، وليؤدي دوره في خدمة قضية الحزب من الخارج على الصعيد القومي كونه عضو قيادة قومية وليس قطرية.

خلال هذه المرحلة جمعتني لقاءات عديدة ومباشرة مع أبي جعفر، إذ كان هو شخصيًا من يرفع تقارير عمليات مجموعة الشباب التي كنت أقودها ونشاطاتها إلى القائد الشهيد صدام حسين، بنحو مباشر، وهنا من حقي أن أفخر وأباهي بنفسي، وأظنه حقّاً مشروعاً لأنه وسام عزٍّ وفخر أنني كنت أول رفيق بعثي في بغداد يحمل سلاحه في مقاومة الاحتلال، منذ الأسبوع الأول وطوال الأشهر اللاحقة حتى اعتقالي، وهذا مُسجّلٌ ومُثبت عند قيادة الحزب، حتى أن بعض الرفاق في المكتب العسكري طالب، وقتها، أن أكون ومجموعتي تابعًا لتنظيماتهم، لكن رد أبي جعفر كان صارمًا بما اتفق معه فيه: (إنّ سعد ومجموعة الشباب الذين معه، مهما كان نوع نشاطاتهم ضد قوات الاحتلال، إلّا أنهم مدنيون وليسوا عسكريين ليكونوا ضمن تنظيمات المكتب العسكري، بل مكانهم الصحيح حيث هم، التنظيم المدني للحزب).

 

خلال الأشهر الأولى للاحتلال، واصلنا النهار بالليل، من دون كلل أو ملل أو يأس، مع أننا صدمنا بعض الرفاق الذين لم يستجيبوا لنا، ومنهم من أغلق الباب في وجوهنا، ومنهم من تهرب وتحجج بظروف خاصة تعيقه عن العمل التنظيمي، في ذلك الوقت، لكن، في المقابل، كان هنالك الكثير من ذوي البأس الشديد، الذين ما أن سمعوا صوت الحزب يناديهم حتى هبّوا وانتفضوا والتحقوا، إذ كنا، وبكل فخر واعتزاز، اللبنة الأولى في بناء الحزب، بعد الاحتلال، ثم تشاء الأقدار أن يُعتقل القائد الشهيد في بدايات شهر ديسمبر سنة 2003، وأن نُعتقل معه في الأيام نفسها، نعم، اعتُقلتُ مع والدي رحمه الله وشقيقي الأصغر، واعتقل أبو جعفر وأولاده، وتمت مداهمة العديد من بيوت الرفاق الآخرين، منهم من اعتقل ومنهم من لم يكن في منزله فنجا.. استخدم الأمريكان وسائل الحرب النفسية كلّها لتشكيكنا بعضنا ببعض، لنظن أن هنالك خائنٌ بيننا، تعرضنا للضرب وأبشع أنواع التعذيب في معتقل كروبر، أو ما يُعرف عراقيًا بمعتقل المطار، عُذِبنا جميعنا من دون استثناء، يعذبون الوالد أمام أبنائه، والأبناء أمام والدهم، قسوة متناهية النظير، ولم أكتشف حقيقة أمر اعتقالنا وتلك المداهمات التي تزامنت مع الوقت الذي اعتقل فيه القائد الشهيد إلا بعد أعوام من مغادرتي العراق، ذلك عندما كنت أعمل مديرًا لتحرير جريدة الصوت في سوريا، وكان يزورنا، بنحو متقطع بعض المحامين الذين عملوا في هيئة الدفاع عن الرئيس الشهيد في المحكمة، وأثناء حوار جانبي لي مع أحدهم، لا أذكر، الآن، تحديدًا إن كان المحامي خليل الدليمي أم المحامي ودود فوزي شمس الدين، قال لي ما معناه: (إن الأمريكان لم يعلنوا، مباشرة، اعتقال الرئيس في اليوم نفسه، بل اعلنوا الخبر، بعد اعتقاله بأسبوع أو عشرة أيام، ذلك لأنهم عثروا في مخبأ الرئيس، عند اعتقاله، على قوائم أسماء التنظيم الحزبي بالإضافة إلى التقارير والرسائل التي كانت تُرفع إلى الرئيس، فبدأوا بتتبع أسماء قيادات التنظيم واعتقالها، قبل الاعلان عن اعتقال الرئيس).. هنا فقط ربطت خيوط سر تلك المداهمات وحملة الاعتقالات التي طالت التنظيم، قبل أيام معدودة من الاعلان عن اعتقال القائد الشهيد.

في ضوء التعذيب الجسدي الذي لقيته من الأميركان، بالاضافة إلى التعذيب النفسي وأنا أراهم يكسرون ساق والدي أمام ناظري، وأنا مُكبل اليدين بالأصفاد لا أقوى على منع ذلك أو الدفاع عن أبي أو أخي الأصغر وهما يضربان ويُعذبان أمامي، وأنا بالمقابل أُضرب وأُعذب أمامهما.. هذا الواقع الأليم الذي عشته وعاشه والدي وأخي، عاشه أيضًا وشاركنا إياه في المعتقل أبو جعفر وأولاده.. ضُربوا وعذّبوا وصمدوا كما صمدنا..

أبو جعفر، عرفتهُ مناضلًا سبّاقًا في نضاله، بعد الاحتلال، صلبًا ثابتًا في سنوات اعتقاله، شهدتُ أفعاله ومواقفه في إعادة التنظيم ومقارعة الاحتلال شهادة عيان لا سمع.. نعم لم التقه من حينها، وليس هنالك اتصالٌ يجمعنا، اليوم، لكن معادن الرجال واضحة لا تحتاج إلى تأويل، لذلك يؤسفني أن أرى بعض الرفاق قد انغمسوا في حملة الطعن والتسقيط التي تُشنُّ على الرفيق أبي جعفر، اختلفوا معه لا بأس، لكن أن تُخونوه وتطعنوا بمبدئيته ونضاله، فهذا ما لا أرضاه على أي رفيق، سواء أبو جعفر أم غيره من الرفاق.

 

قد يقول بعض الرفاق: (نعم، كان له تاريخٌ نضالي مُشرف لكنه تبدل اليوم وارتد عن مبادئ الحزب).. ودليلهم على هذا هي ورقة البراءة التي نُشرت بخط يد الرفيق أبي جعفر وتحمل توقيعه، والتي يعلن فيها الرفيق أبو جعفر براءته من البعث ويتعهد بالتعاون وتقديم المعلومات للجهات الأمنية المختصة.. ثم دليلهم الثاني هي تصريحات العميل محمود المشهداني في برنامج لعبة الكراسي، التي لمح فيها إلى أنه على اتصال برأس قيادة الحزب في العراق وأنه ابن عشيرته، وهناك مشروع تعاون بينهما.. وهنا لابد أن أتوقف لأقول إنني للأمانة، كما أوضحت سابقًا، لم التق الرفيق أبا جعفر، منذ ديسمبر سنة ٢٠٠٣، كانت آخر مرة التقيته فيها قبل اعتقالنا، وبعدها لم أره أو ألتقه، وليس بيننا أي شكل من أشكال التواصل، إلى يومنا هذا، لكن على الرغم من ذلك لا يمكنني أن أصدق ما يُشاع عن تمرده على الحزب وارتداده، فأنا دائمًا أُحسن الظن بالرفاق، وألتمس لهم العذر تطبيقًا لقول المصطفى صلوات الله عليه: (احمل أخاك المؤمن على سبعين محملًا من الخير).!

 

*هامش الصورة:

الرفيق القائد صدام حسين في لقطة تذكارية مع الرفيقين مسؤولَيْ تنظيمات بغداد، الكرخ والرصافة، والرفاق أمناء سر فروع بغداد للحزب بعد اجتماعه بهم قُبيل الغزو الأمريكي.






الجمعة ١٠ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد الرشيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة