شبكة ذي قار
عـاجـل










 بسم الله الرحمن الرحيم

 

أين تقف القمة العربية من تحديات وآمال العرب

 

بتاريخ الأول والثاني من تشرين الثاني الجاري لعام 2022م، الموافق لليوم السابع والثامن من ربيع الثاني لعام 1444هجرية، تم عقد الدورة 31 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمَّة. ويأتي انعقاد هذه القمَّة استلهاماً من التاريخ العربي المشترك والمصير الواحد، وكجزء من وشائج التضامن العربي في ظلّ الظروف العربية والدولية شديدة التعقيد ، وادراكاً من المسؤولين في قمة النظام العربي الرسمي للظروف الدقيقة والمتسارعة على الساحة الدولية، وما تُنبئ به من تداعيات ومخاطر على الأمن القومي العربي، وعلى وجود الأمة ومستقبل أبنائها، وبمناسبة عزيزة على قلوبنا نحن العرب جميعاً، من خلال الاحتفاء بنضال وثورة شعبنا في الجزائر الأبيَّة، ابَّان ثورة(الفاتح)الخالدة، وما قدَّمه أبناء الأمة في نصرة إخوانهم الجزائريين، وحسناً فعلت القيادة الجزائرية باختيار "لَم الشَّمل" عنواناً للقمة العربية.

 

إنَّ انعقاد القمة العربية في هذه الظروف المعقدة والشائكة عربياً ودولياً، يعني أنَّ العرب مازالوا قادرين على تجاوز خلافاتهم، وأنَّها محاولة مهمَّة وجادَّة في (لم الشمل العربي).

وقد كانت عيون جماهير الأمة تَتَرقَّب ما يُسفر عنه مؤتمر القادة العرب، وفي مقدمتها التئام العلاقات العربية بعد طول فرقة وتشرذم وانقسام، وفي حلّ أو محاولة حلّ قضايا الامة العربية القديمة والحالية والمُستجدة.

إنَّنا قبل كل شيء نشيد بالجهود البنّاءة في لم الشمل العربي، وفي الحفاظ على الحد الأدنى الذي يمكن أن يجتمع عليه العرب، كما نُثمِّن جهود القيادة الجزائرية في سبيل توحيد الصف الفلسطيني الذي تم في (اعلان الجزائر) المنبثق عن (مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية) المنعقد بالجزائر بتاريخ 11-13 تشرين الأول لعام 2022م. كما نثمن تأكيد القمة على دعم الحكومة الشرعية اليمنية ومباركة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي و دعم الجهود المبذولة للتوصل إلى حل شامل يضمن وحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه وأمن دول الخليج العربي ورفض جميع أشكال التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.

 

إن إعلان المؤتمر عن تعزيز العمل العربي المشترك، من خلال التكامل الاقتصادي، وموضوع الأمن الغذائي والصحي والطاقوي، يشكل خطوة مهمة بالاتجاه الصحيح في سبيل تحقيق الوحدة الاقتصادية، والتضامن العربي في مجال الأمن الغذائي والصحي.

 

ونظراً لما تُمليه علينا المسؤولية القومية في مواصلة النضال من أجل وحدة الأمة ولتحقيق المصالح العربية المشتركة، فإنَّنا نضع بعض الملاحظات المهمَّة بخصوص ما توصَّل اليه المؤتمر، منها:

أولاً: وحيث كانت القضية الفلسطينية هي من أولى مقررات القمة، فإنَّ النصّ في الفقرة (أولاً) والذي يعلن تَمسّك النظام العربي بمبادرة السلام العربية لعام 2002م، والتي مضى عليها أكثر من عشرين عاما والتي قدم فيها العرب تنازلات كبيرة، بينما قضية فلسطين تراوح في مكانها منذ عقود. والعدو الصهيوني يمارس أبشع الجرائم بحق شعبنا الفلسطيني، من قتلٍ وترهيب، وقضم الأراضي الفلسطينية يوماً بعد يوم، ولم يزل في تَعنّته وغروره رافضاً القرارات الدولية الصادرة عن المنظمة الأممية ومجلس الأمن، وبالتالي فان هذه المبادرة أصبحت منتهية الصلاحية، وان التَشبث بها يجعل الصهاينة يطمعون أكثر ويستضعفون العرب، لذل فان معاملة العدو الصهيوني بالمثل اصبحت هي الدعوة الواجبة التحقيق بالحد الادنى والمنسجمة مع واقع الحال الذي يعيشه أبناؤنا في فلسطين المحتلة، كيما يرعوي هذا الغاصب المحتل ويَمتثل للقرارات الأممية ذات الصلة. وكان على المسؤولين العرب أن يكونوا واضحين ويقفون مع أنفسهم وقفة صريحة وجادة، ليتَبيَّنوا هل أنَّ تطبيع البعض منهم للعلاقة مع الصهاينة، كانت له اية نتائج ايجابية لصالح القضية الفلسطينية ؟، أم أنَّها أفضت إلى الإمعان في الاستكبار والتَعنّت من قبل دويلة الصهاينة.

 

إن موقف القمة من القضية الفلسطينية يجب ألا يقتصر على التمني والدعوة إلى التضامن، بل ينتقل الى خطوات عملية يأتي في مقدمتها انشاء صندوق قومي لدعم صمود شعبنا الفلسطيني بوجه التحديات التي يواجهها من قتل واعتقال واستيطان وحصار.

 

ثانياً: وفيما يخصّ أوضاع الوطن العربي، فلم يكن المؤتمر موفقاً في طرق السُبل من أجل حماية الأمن القومي العربي، خاصةً ببُعدَه السياسي، ووضع آلية واضحة في هذا المجال، من خلال تحديد مصادر الخطر في الداخل والخارج، وكيفية معالجتها. فالحدود الشرقية للأمة مع إيران أبوابها مشرعة على مصراعيها، بعد أن استحكمت الميليشيات والعصابات التابعة للأحزاب الحاكمة في العراق. والحدود البحرية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر يشهدان تطاولاً وتجاسراً من عملاء إيران (الحوثيين) في اليمن. كما أنَّ اعلان القمة عن رفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للأقطار العربية، دون أن يُسمِّي الأشياء بمسمَّياتها هو اعلانٌ منقوص.

 

إن احجام المؤتمر عن ذكر إيران في احتلالها للعراق ومصادرة قراره السياسي والأمني ونهب ثرواته وتعطيل مؤسساته الاقتصادية ونشر المخدرات بين مواطنيه لتمزيق نسيجه الاجتماعي وتجفيف موارده المائية، والامتناع عن الاشارة لتدخلاتها المستمرّة في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى وعلى وجه الخصوص سوريا ولبنان واليمن، يبدو أنه قد جاء في سياق مجاملة وفد النظام الحاكم في العراق، فلم يرد ذكر لدولة العدوان والاحتلال ايران ، ولم يتطرَّق الاعلان عن عدوانها المستمر على العراق، ومنها إطلاق نظام الملالي أكثر من مئة صاروخ بالستي تجاه أراضي اقليم كردستان قبل حوالي الشهرين!. أو لتركيا في عدوانها المستمر على الأراضي العراقية والسورية.

 

لقد كان موقف القمة العربية من قضية العراق مداهناً لحكومة الميليشيات التي جرى تشكيلها في هذا القطر العربي مؤخراً، وهو الأمر الذي لاقى استنكاراً كبيراً من شعب العراق الحر الأبي لأنه يشكل مخالفة صارخة لإرادته.

 

إن إشادة القمة العربية بدور حكومة الاحتلال في العراق بتنشيطها لما أسمته "الحياة الدستورية"!! بزعم تجسيد آمال وتطلعات الشعب العراقي، هو زعم مغالط لوقائع الحاضر الذي ثار فيه شعب العراق في ثورته الشبابية الكبرى ضد دستور المحتل الاجنبي.  وأي تجسيد لآمال شعب العراق في تشكيل حكومة ميليشياوية تقوم على مبدأ المحاصصة السياسية والطائفية والعرقية؟!

وأين هي تطلعات العراقيين الذين ثاروا على سلطة العصابات الإرهابية المسلحة ودفعوا دون ذلك أكثر من ألف شهيد و30 ألف جريح وأعداداً من المعتقلين والمختطفين المغيّبين، لتعود هذه العصابات اليوم بثوب جديد وتستولي على كل مناحي الحياة في العراق رغم خسارتها لمسرحية الانتخابات؟

 

لقد كان موقف شعب العراق واضحاً حين أعلن مقاطعته للانتخابات المزورة التي جرى تنظيمها في العام 2021، وهو موقف شهد به العالم من خلال بيانات رسمية لممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ونقلته وسائل الإعلام الغربية قبل العربية.

 

ولا ندري كيف يمكن الإشادة بنظام فاسد مبني على المحاصصة الطائفية البغيضة، نظامٌ ولاؤه لدولة الاحتلال الإيراني، نظام يقتل العراقيين، وينهب ثرواتهم وأموالهم، ويحرق منازلهم ومزارعهم، ويغيّب الآلاف في سجونه العلنية والسرية التي تديرها الأحزاب والميليشيات الإرهابية؟!

 

وكيف يمكن الإشادة بحكومة جرى تشكيلها بعد عام من الصراع على الحصص والمكاسب، ولم تتشكل إلا بعد أن ضمنت أطرافها كافة حصصها من المناصب والمغانم على حساب دماء العراقيين ومصالحهم العليا وأمنهم الوطني بل وعلى حساب الأمن القومي العربي الذي تهدده هذه السلطة الميليشياوية بشكل مباشر.

 

لقد كان شعب العراق ينتظر من قادة النظام الرسمي العربي موقفاً يتناسب مع تضحياته الجسيمة ومع مكانته التاريخية في الوطن العربي، وليس الاصطفاف مع حكومة الميليشيات الإرهابية والعصابات المسلحة ضد تطلعاته في بناء مستقبل مشرق يليق بشعب العراق ويتلاءم مع مكانته السياسية والاقتصادية في الأمة.

 

ورغم الثورة الشعبية الهائلة في السودان فان الاعلان لم يتناول ما يجري في ذلك القطر العربي الكبير من تحديات جسيمة وانتفاضة شعبية لنيل الحقوق المشروعة في الحرية والعدالة، وغياب النظام العربي عن تقديم العون لشعبنا في السودان واسناده في تضحياته الكبرى ودفاعه المستميت من اجل تحقيق الديمقراطية.

 

إنَّ انعقاد القمَّة العربية في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة، والسعي لتنقية الأجواء العربية المشحونة بالخلافات والانقسام، هو خطوة هامة، ولكن لكي ترتقي قراراتها الى مستوى طموحات الامة العربية فان عليها ان تواجه بقوة التحديات الكبيرة التي تمر بها الامة العربية اليوم، وخاصة ذلك التهديد الذي يستهدف الدولة الوطنية ومؤسّساتها الشرعية في عديدٍ من أقطار الأمة وفي مقدمتها العراق واليمن وليبيا ولبنان. واستبدالها بالكيانات والكتل الطائفية والميليشياوية المسلحة، والتي تتميز بولائها المطلق للأجنبي وبخاصة النظام الايراني، والتي باتت تُشكِّل كيانات أقوى من الدولة، من خلال امتلاكها أسلحةً أكثر عدداً وعدةً من الدولة نفسها، مما يهدِّد بتفتيت تلك الاقطار ويعرض امنها ووحدتها ومستقبل وجودها للخطر.

 

كل ذلك اضافة الى التهديد الذي تتعرض له الهوية الوطنية والقومية العربية من جراء التدخلات الأجنبية، والتناحر والتمزق في النسيج الوطني والاجتماعي داخل الاقطار العربية، والتحديات التي تمر بها ثقافتنا العربية بسبب العولمة والثقافة الغربية الاستعمارية، كلها تشكل تحديات جسيمة تتكامل مع بعضها البعض في استهدافها لوجود الامة العربية ومستقبل أجيالها.

 

إن الطموحات والتطلعات أكبر بكثير من المُنجَز، ومع ذلك فإن عودة المؤسسة إلى الانعقاد، قد يُشكّل بارقة ضوء في ظلام الواقع الدامس.

 

مكتب الثقافة والاعلام القومي

6/11/2022






الاحد ١٢ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / تشرين الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة