شبكة ذي قار
عـاجـل










إيران إلى أين تقودها خديعتها الكبرى

بين (الاستراتيجية والأيديولوجيا)

(ح- 1)

د. أبا الحكم

12/ 12 / 2022

 

 

 المقدمة:

 يذهب المتخصصون في علوم السياسة إلى التأكيد إن استراتيجية الدولة، هي انعكاس لواقع الجغرافية – السياسية للدولة بكل ما يحمله الواقع من حاجات مادية وروحية ومعطيات هذا الواقع تتفاعل مع بعضها وغيرها لتشكل رؤية استراتيجية لها بعد أمني دفاعي وبعد اخر سياسي تمثيلي يؤسس لقاعدة التعاون.. والترابط بين واقع الدولة ومحيطها الخارجي يشكل أهم العناصر التي تصاغ على أساسها الأبعاد الاستراتيجية للدولة، فيما تشكل معطيات الواقع في كل ابعاده الجغرافية والبشرية اهميتها الفائقة، بما تضمه من عناصر القوة والضعف في آن واحد.. فالمساحة وشكلها وحجمها وعمقها التعبوي وما تضمه من ثروات وموقعها واطلالاتها على الخلجان والبحار والأنهر الدولية، فضلاً عن حجم السكان وتنوعه وتجانسه وقلة أو كثرة فئاته العمرية الشابة، وتوزيع منشأته المدنية والعسكرية على رقعة الدولة توزيعاً جيوبوليتيكياً، فضلاً عن الكثير من معطيات هذا العلم الواسع العميق الذي يصعب احاطته في مقال كهذا.. ولكن كمدخل مهم الهدف منه القول ان الاستراتيجية، بغض النظر عن النظم السياسية الحاكمة، تعبر عن واقع الدولة وليس النظم الحاكمة.. وهذا المعطى يقدم دليلاً على ان الاستراتيجية تبقى ولا تتغير كلياً إنما نسبياً تتبلور في ثقافة النخب الحاكمة وتبرز في ظل متغيرات قد تحدث في مناطق الصراع والتوتر.

ومن هذا نقول، إن استراتيجية الدولة الإيرانية في زمن الشاه هي ذاتها في زمن خميني، وهي ذاتها في زمن خامنئي، ولكن الجديد في ذلك هو تفعيل زخم ايديولوجي- طائفي كأداة من ادوات هذه الاستراتيجية.

إذن.. الآن، في ظل نظام الملالي، هناك عنصران اساسيان يتحكمان بالسياسة الخارجية الإيرانية، هما.. الاستراتيجية القومية الفارسية ذات الطابع التوسعي، وعنصر الأيديولوجيا - الطائفية ذات التشيع الفارسي.. وكلتاهما تشكلان متلازمة خطيرة قل نظيرها في مناهج السياسات الخارجية للدول.. الأمر الذي يتوجب في كل تحليل للسلوك السياسي الخارجي العودة إلى تاريخ تلك السياسة والبحث في طبيعتها ودوافعها وافعالها وارتباطاتها وتحالفاتها، بغية الوقوف القوي على ارضية التشخيص الدقيق للتوجهات التي ترمي إليها تلك السياسة في الحاضر والمستقبل.

إيران الشاه واستراتيجيتها القومية توسعية، وإيران الخميني واستراتيجيتها القومية وايديولوجيتها الطائفية توسعية وإيران خامنئي واستراتيجيتها القومية وايديولوجيتها الطائفية توسعية.. وهؤلاء جميعهم، الشاه وخميني وخامنئي عمدوا إلى تصفية الاتجاه الوطني الإيراني تصفية تكاد أن تكون كاملة.. وعلى وفق هذا التشخيص، لا بد من العودة إلى تاريخ علاقات إيران الخارجية في عهد نظام الشاه ونظام خميني ونظام خامنئي:

 

1-  كانت (اسرائيل) تدعم " شهبور بختيار" وهو معارض للشاه، كما هو معارض للمؤسسة الدينية الإيرانية، وحين طلب منه بعد رحيل الشاه إنهاء دور (خميني)، قام الموساد بتصفيته في باريس.. وكان ذلك لحساب التوجه الجديد، الذي تقوده مؤسسة خميني الطائفية ولدوافع بعيدة المدى.

2-  كان " الشاه " قد بعث بعدد من الدبابات الأمريكية التي بحوزته إلى (اسرائيل) لغرض تحديثها، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين طهران وتل ابيب، إلا أن طهران وافقت على العرض الاسرائيلي بإعادة هذه الدبابات الى طهران بعد تحديثها.

3-  زار "احمد كاشاني" نجل آية الله العظمى: أبو القاسم كاشاني" عام 1980 (اسرائيل)، وهو الوزير الذي لعب دوراً رئيسياً في تأميم النفط الإيراني عام 1951، وكانت مهمته مناقشة مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري، فضلاً عن ترتيب عمل بالضد من مركز الأبحاث النووي العراقي، وهو الأمر الذي وافق عليه "بيغن"، وتم شحن اسلحة وإطارات خاصة بطائرات فانتوم المقاتلة الإيرانية، في الوقت الذي كانت هنالك أزمة الرهائن بين أمريكا وإيران في زمن ولآية (جيمي كارتر).

4-  سمح " خميني " لعدد كبير يعدون بالآلاف من اليهود بمغادرة إيران إلى باكستان ومنها إلى استراليا والولايات المتحدة ثم (اسرائيل)، وذلك لإدامة خطوط التواصل بين النظام الإيراني الجديد و (اسرائيل).. وكان ترحيل اليهود الإيرانيون قد تم تحت اشراف "يوري" العقيد في الجيش الإسرائيلي، الذي أجرى مفاوضات الهجرة، حيث زار طهران في بداية عام 1980.. وقد سمح العقيد الإسرائيلي استعداد إيران للتعامل مع (اسرائيل)، استناداً إلى "محمد رضا حسين زاده"، وهو مسؤول إيراني معارض معروف استطاع الهروب إلى خارج إيران.

5-  إن الخطاب السياسي الإيراني المعادي لإسرائيل لا يعبر عن حقيقة العلاقات بين طهران وتل أبيب.. ففي الوقت الذي كانت فيه إيران تتعامل سراً مع (اسرائيل) كان خطابها السياسي والإعلامي يهاجم ويدين (اسرائيل)، وكانت الأخيرة تدرك تماماً أن هذا الخطاب لا يعني شيئاً.. حيث لعبت المعارضة الأيديولوجية لإسرائيل دوراً لصالح نظام خميني.. بمعنى (خطاب سياسي ايراني معارض لإسرائيل، وتعاون عملي سري مع الدولة الصهيونية).. وكان هذا الخط يعد أحد اهم الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الإيرانية.

6-  كانت (اسرائيل) بحاجة - حسب تفكير قادتها الصهاينة -  إلى ثقل اقليمي موازن للعرب، وهو إيران التي باتت تعمل عليه في إطار ما تسميه بخط الدفاع الثاني، وهو كسب وتحييد دول الفناء الخلفي (تركيا، إيران، باكستان، الهند)، وقد تم دفعهم في حينه للعمل بالضد من العرب.  وقد وافق عليه "خميني" حين شن الحرب على العراق وأصر على استمرارها ثمان سنوات على الرغم من قبول العراق ومنذ الأسبوع الاول على وقف إطلاق النار بناء على قرار مجلس الأمن الدولي.

7-  قال الخبير الأمريكي " غاري سيك" عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي آنذاك (إن إسرائيل ترى أنه من الضروري إبقاء الأبواب مفتوحة للفوز بإيران مجدداً) ويضيف (كانت تلك خطة استراتيجية بعيدة المدى.. حيث وجدت طهران نفسها تعتمد على قدرات اسرائيل للحصول على الأسلحة الامريكية، وكان يتعين الإبقاء على كافة الاتصالات الإيرانية الإسرائيلية سرية، لأن القنوات المفتوحة ستقوض صدقية إيران الأيديولوجية).

8-  إيران تعيش مأزقاً مزدوجاً، استراتيجي وأيديولوجي:

أولاً- فبدلاً من تقربها الى العرب وايجاد خطوط تعامل حقيقية معهم، وتكريس حسن النية تجاههم والاعتراف بمبادئ حسن الجوار، وتشكيل ثقل بالضد من الكيان الصهيوني..

ثانياً- عمدت إيران على التحالف مع (اسرائيل)، عدو العرب، الأمر الذي كرس واقع التضاد العربي- الإيراني، وفضح سياستها المخادعة.

ثالثاً- حاولت إيران أن تمسك العصى من وسطها وتعلن عن رغبتها في اقامة علاقات متوازنة مع العرب، لكنها في الوقت ذاته استمرت تمد خطوط تواصلها مع (إسرائيل).

وتنطوي هذه الاستراتيجية - الأيديولوجية المركبة على ازدواجية متعارضة تشكل مأزقاً خطيراً بات مكشوفاً فضح اهدافها الاستراتيجية، كما فضح منهجها الأيديولوجي المعادي للمقدسات والمحرمات العربية الإسلامية.

9-  السياسة الخارجية الإيرانية (استراتيجيا وأيديولوجياً)، سواء كانت في عهد الشاه أو عهد خميني أو خامنئي، مأخوذة بعاملين اثنين قد لا يفهمهما الغرب:

الأول – العداء الفارسي التاريخي للعرب والرغبة بالانتقام منذ 1300 عام، ومنذ القادسية الأولى.

الثاني – النخب الإيرانية الحاكمة، سواء كانت في زمن الشاه أو خميني أو خامنئي متمسكة بعنصر استراتيجي خطير سبق وجربه (هتلر)، وهو المجال الحيوي (الجيوبوليتيكي) الذي جربه في أوروبا، والآن تريد إيران تجربته في المنطقة العربية تحديداً.

10-  إن الخطاب السياسي- الإعلامي الإيراني المعادي لإسرائيل علناً يتعارض مع جسور التعامل والتعاون الإيراني مع (إسرائيل) سراً، ولا مجال للتغطية على هذا المأزق بأية وسيلة تبريرية.

11-  تعتقد إيران في منهجها السياسي الخارجي، وهي دولة اجنبية اقحمت نفسها بالشأن العربي عنوة، بأنها تستطيع أن تفرض رؤيتها على دول المنطقة العربية، في ظل واقع (فراغ الأمن القومي العربي)، وبمسلمات وهمية تحاول إبرازها (السنة – الشيعة) وإيجاد صراعات طائفية، على حساب الدين الإسلامي الحنيف، لكي تستبقي فراغ الأمن يهدد سلامة الأقطار العربية وأمنها الاجتماعي، ولكن مأزقها الفاضح في سياستها الخارجية، قد كشف الخديعة في التعامل السري والعلني مع الكيان الصهيوني العنصري الغاصب لأرض فلسطين ولإراضي عربية، فيما تعلن إيران نفسها مدافعاً عن فلسطين والشعب الفلسطيني.

فإذا كانت إيران في سياستها بالضد من (إسرائيل)، فلماذا لا تعمل مع نظام دمشق على تحرير الجولان، وهي أرض عربية يتوجب تحريرها بأي ثمن؟، ولماذا لا تعلن إيران وتجيش ميليشياتها بالضد من الكيان الصهيوني، الذي ما يزال يستوطن الأرض العربية ويشرد سكانها؟!

12-  إن إيران تستخدم الأيديولوجيا كوسيلة لتسهيل بلوغ أهدافها (الحيوية) في المنطقة، فهي تعمل على توسيع الفجوة بين الشعب العربي من جهة، وبين النظم العربية القمعية الفاسدة، واستثمار حالات الإحباط الذي بلغه الشعب العربي وحالات اليأس حيال العجز الذي ينخر في هيكل النظام العربي الرسمي من جهة ثانية.

يتبــــع..






الاثنين ٢٥ جمادي الاولى ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / كانون الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة