شبكة ذي قار
عـاجـل










لبنان على خط حزام الزلازل، ما العمل!

الأبنية المتصدعة، حيث لن يعود ينفع الندم

نبيل الزعبي

 

ليست هي المرة الأولى التي تثار فيها الأوضاع المتردية للأبنية المتصدعة في لبنان، وما سبّبَته من كوارث ومآسي دفع أثمانها ولم يزل، لبنانيون ومقيمون أبرياء، جلّهم فقراء لا يملكون ترف الانتقال من بيتٍ متصدّع قابل للسقوط في أية لحظة، إلى مأوىً آخر يأمن فيه ألا يسقط سقفه عليه، إلا أن ضيق ذات اليد والفقر تدفعهم إلى تفضيل الموت داخل جدران بيوتهم المتهاوية تجنباً لما ينتظرهم من تشريد وإذلال محتّم ونظرات شفقة لا تنفع او تضرّ، على اي شيء آخَر.

لقد كانت قضية الابنية المتصدعة في لبنان ، واحدة من اكثر القضايا الخطيرة التي تباطأت السلطات اللبنانية المتعاقبة في معالجتها ، ولم تزل الحكومة الحالية تتلكأ في وضعها على جدول اعمالها تداركاً لكوارث محتملة نحسب انها واقعة في اية لحظة من الزمن القادم ،استناداً للتقارير الهندسية المرفوعة إلى  الجهات المختصة حيث ان مدينة لبنانية كطرابلس لوحدها على سبيل المثال ، "تحوي اكثر من سبعمائة بناء متصدع ، عشرة بالمئة منها يشكلون خطراً على ساكنيهم" باعتراف رئيس بلدية المدينة  ، ونالت ما نالته من ضرائب باهظة في البشر والحجر ، فكيف بالأبنية المماثلة في المدن والبلدات الاخرى في المحافظات ، وصار بالتالي على الحكومة والبلديات ان تتّعظ مما حصل في جنوب تركيا وشمال غرب سوريا من زلزالٍ مدّمر وقع على اراضي الدولتين فجر يوم الاثنين في السادس من شهر شباط اودى بالآلاف من الضحايا والجرحى والمفقودين وشملت كارثيته آلاف الابنية التي تساوت بالأرض وشاهدها العالم اجمع وتابعها على الاثير الفضائي لحظةً بلحظة .

ان الدولة اللبنانية ومهما بلغت من العجز وتصوّرت ان البلد بعيدُ عن موقع الحدث، فارتدادات زلزال كهرمان مرعش في تركيا على مقياس ريختر ٧،٨، لم تكن برداً وسلاماً على ملايين المقيمين في هذا البلد وقد شهدوا على مدى اربعين ثانية فقط! ما يدفع إلى القلق والخوف الحقيقي من مجهولٍ كبير فيما لو زادت هذه الثواني قليلاً، وبيوتهم تهتز يميناً وشمالاً وكأنها تهوي بهم، وتلك لحظات من الانسانية والمشاعر، وان كانت مما يعجز المرء عن وصفها، فانه يجب ان يدفعنا جميعاً، سلطة وحكومة ومجتمع إلى اخراج أنفسنا من هذا العجز، نحن وكل المقيمين في لبنان، ممن شهدوا هذه الاربعين ثانية من الزمن ونظروا بعين اليقين إلى ما كان ممكناً حتماً لينتظرهم من كوارث مدمرة محققة لولا عناية الخالق والاعتبار من المثل الشعبي: ليس في كل مرّة، تسلم الجرّة.

نقول ذلك، ليس بهدف اثارة القلق ودبّ الرعب، وقد حصل ذلك والناس لم يغادروا بعد مشاعر خطورته وما يجعله الدافع لهزّ روح المسؤولية لدى الجميع قبل اي عاملٍ آخر، سيّما وان التردد الزلزالي لم ينتظر سويعات قليلة حتى تكرر ظهراً وليس من المستبعد تكراره ثانيةً ولم يعد يميَز بين ابنية وابنية بعد ان فُقِدَ الامان حتى للذين ينامون في قصورهم الفارهة واسرّتهم الدافئة.

لا يكفي ان نقول اننا تجاوزنا الخطر الداهم الذي احاط بنا ، والبلد يعيش على خط حزام زلازل يمتد بطول الالف من الكيلومترات ، يحتل لبنان منه ٢٢٦ كيلومتراً "وهذه الصورة من الضروري أن تبقى حاضرة في أذهان أصحاب القرار، كي يعرفوا حجم الخطر المحدق" كما تقول الدكتورة مارلين البراكس رئيسة المركز الوطني للجيوفيزياء في المجلس الوطني للبحوث ،  وتضيف: "هذا ما يجب ان  يعيدنا إلى  ضرورة المسح الدوري للمباني والمنشآت، من دون انتظار وقوع الكارثة، كي نكون على دراية مسبقة بمكامن الضرر الأعلى احتمالاً، وبالتالي تقليص الوقت اللازم لفرق التدخل" (جريدة الاخبار ٧/٢/٢٠٢٣) .

 إلى ذلك ينبغي ان لا يغفل عن بالنا، ما يلي من خطوات موازية:

١-تفعيل القوانين الصادرة في العام ٢٠٠٥ حول انشاء الابنية وتأهيلها في مقاومة الزلازل ولم يُعمَل بها، ودعوة المشرع اللبناني إلى وضع التدابير الزاجرة منعاً لمخالفتها،

٢-اشراك نقابتي المهندسين في طرابلس وبيروت في القيام بالجرد الشامل لكل الابنية المتصدعة في لبنان ووضع خطة عمل عاجلة للصيانة والترميم والتدعيم،

٣-اعداد برامج تثقيفية مكثفة حول الهزات الارضية وكيفية التصرف ازاء وقوعها،

٤-التأكيد على دور وزارة الثقافة التي تتحفظ على عشرات آلاف الابنية التراثية في لبنان، وتتركها دون صيانة او هدم مما يجعلها مشاريع قنابل موقوتة دائمة،

٥-الدعوة إلى اكتتاب مالي لبناني عربي دولي لجمع التبرعات المالية المخصصة لترميم وتدعيم الابنية المتصدعة في لبنان، ونخص بالذكر اثرياء البلد حيث ان بروجهم وقصورهم لن تجعلهم في مأمن امام هول هذه الكوارث الارتدادية،

٦-مناشدة الهيئات الدولية وفي مقدمتها منظمة اليونيسكو، للاهتمام بالأبنية الموضوعة على قوائم التراث العالمي وصيانتها، والسعي إلى تحقيق التوأمة مع المدن القادرة على مساعدتنا،

إلى كل ما تقدم، ينبغي الاشارة إلى انه ليست كل المباني متصدعة لقدمها، وانما هناك مبانٍ تصدعت لأخطاء تنفيذية في بنائها واخرى مخالفة بنيت بدون تراخيص وبالرشاوي، وهذا ما يدفع إلى ضرورة فتح كل ملفات الفساد المتعلقة بمخالفات البناء والغش في الأبنية والتي لا تُعَد ولا تُحصى.






الثلاثاء ٢٣ رجــب ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / شبــاط / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة