شبكة ذي قار
عـاجـل










الذكرى في الذاكرة

ثورة 8 شباط 1963 عروس الثورات

د. بدر العنزي

 

كانت الظروف السياسية والاجتماعية الداخلية  التي سبقت الثورة في العراق، قلقة وحرجة، وخيمت عليها الشعوبية لإبعاد العراق عن محيطه العربي، وأسهمت المتغيرات العربية التي دخلت في مرحلة جديدة من الصراع العربي مع الكيان الصهيوني، وبشكل خاص بعد إعلان  تحقيق الوحدة بين مصر وسوريا  في ۲۲ شباط ١٩٥٨م، والتي شكلت خطراً جسيماً عليه، والحدث الكبير في انتصار الثورة الجزائرية، تلك وغيرها أسهمت في ولادة ثورة الثامن من شباط العروبية القومية، لذا فقد بدأت مرحلة جديدة من النضال القومي، فجاءت ثورة رمضان التي تحل علينا ذكراها الستين، حيث فجرها حزب البعث العربي الاشتراكي وأنهى حقبة من حكم النظام الشعوبي الذي كان يقوده عبد الكريم قاسم، بعد أن تربع على حكم العراق بعد ثورة 14 تموز 1958، تلك الثورة التي تلاحمت فيها كل القوى الوطنية والقومية ونجحت في قيادة ثورة تموز، ولكن سرعان ما انقلب قاسم على رجال الثورة القوميين بشكل خاص وأخذ بتصفيتهم وزجهم بالسجون والمعتقلات، وقرب الشيوعيين واستخدمهم ليكونوا أدوات التصفية لكل القوى القومية والوطنية، وما كان على البعث والقوى الوطنية القومية الأخرى إلا أن تتفق على أن تجابه ذلك، وجرت عدة محاولات كانت أولها حركة الشواف عام 1959 التي بطش بها قاسم والشيوعيون ومارسوا أبشع الجرائم بالسحل والشنق والقتل في الشوارع، وتصدى البعثيون لقاسم ونفذت محاولة جريئة لتصفيته في شارع الرشيد تعرض فيها لإصابات بليغة نجا منها بأعجوبة، وعمل قاسم على تصفية الرجال والضباط الوطنيين من خلال محكمة المهداوي سيئة الصيت وإعدام الضباط ومنهم ناظم الطبقجلي ورفاقه ، واستمر الصراع إلى أن توج ذلك بثورة رمضان عام 1963.

ولا بد لنا في هذه الذكرى استذكار شهداء الثورة الأبرار رحمهم الله في عليين الذي استشهدوا خلال يومي الثورة ونذكر منهم:

1-   العقيد محمد علوان عبد الله النمير.

2-   أول شهيد مدني هو قحطان عبد اللطيف السامرائي.

3-   الملازم وجدي ناجي تم تدمير دبابته عند أسوار وزارة الدفاع يوم٨ شباط ١٩٦٣.

4-   المقدم ابراهيم جاسم التكريتي.

    5 -   مؤيد عباس الجماس.

6-   عماد عباس الجماس.

7-   سهام المتولي.

8-   الملازم كامل حسين النعمة.

 9 – خالد ناصر.

10 – عبد القادر النعيمي .

ا11 – الملازم الاول سعدون فليح العاني.

12 – مثنى حمدان العزاوي .

 

والعذر لمن لم ترد أسماؤهم، ولكنهم في ضمائرنا وقلوبنا لا زالوا أحياء وعند ربهم يرزقون.

وللحديث عن الشهداء لا يستوعبه كتاب ليسطر بطولاتهم ومآثرهم وكيف كانوا عماد نجاح الثورة وصيرورتها.

أن أهم الأسباب والموجبات التي دفعت الحزب والتحالف القومي العربي والوطني التفكير بالخلاص من الطاغية عبد الكريم قاسم هي:

1-   كان حاكماً فردياً دكتاتورياً.

2-   استيلاء العناصر الشيوعية والشعوبية على مقاليد السلطة واضطهاد الشعب.

3-   اعتقال وعزل الضباط الذين كان لهم دور رئيس في انجاز ثورة 14 تموز وإحالة عدد آخر على التقاعد.

4-   متابعة كل الأحزاب القومية والوطنية والثورية التي قاتلت الاستعمار وساهمت في إسقاط النظام الملكي وتحرير العراق من التبعية البريطانية.

5-   إعدام كل الضباط الأحرار وسجنهم وتعذيبهم عن طريق مهزلة ما يسمى محكمة الشعب.

6- قمع وتقييد الحريات الشخصية والعامة.

7-   مجازر الموصل وكركوك التي نفذها عناصر الحزب الشيوعي والتي كانت بإشراف السلطة آنذاك .

8-   عزل العراق عن الأمة العربية والتقوقع على نفسه.

كما أن هناك الكثير من الأسباب والعوامل الأخرى التي لا يتسع المقال لذكرها، وسخط الشعب على النظام القاسمي ورفضه شعبياً وعربياً وحتى عالمياً مما دفع القيادة الثورية الوطنية بالعراق التفكير في إنجاز ثورة تخرج العراق من هذا المأزق الكبير الذي يعيشه العراق والشعب العراقي.

ولا بد أن نشير أن القوى الثورية القومية العربية قد حاولت كثيراً للخلاص من نظام قاسم إلا أن المحاولات قد فشلت ونذكر منها:

1-   انتفاضة الشواف 1959 والتي أعقبتها مجازر الموصل والإعدام والسحل لمعظم الوطنيين والمناوئين والعديد من المدنيين الموصللين الرافضين سياسات قاسم الانعزالية بل امتدت هذه الإجراءات لتشمل كركوك وبغداد وخاصة منطقة الأعظمية وبعض المناطق الرافضة للحكم القاسمي الشعوبي اللا قومي.

2-   محاولة تصفية عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد هذه المحاولة الجريئة التي نفذها شباب من حزب البعث العربي الاشتراكي ومنهم الرفيق المناضل البطل صدام حسين سيد شهداء العصر والذي غادر العراق بعد تنفيذ العملية عن طريق سوريا إلى مصر وعاد بعد قيام ثورة 8 شباط 1963.

3-   انتفاضة البنزين التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي استشهد فيها الرفيق المناضل الشهيد مؤيد الملاح في الأعظمية.

4-   إن أهم ما زعزع عرش عبد الكريم قاسم وجلاوزته وأذنابه والحزب الشيوعي العميل هو الإضراب الطلابي الذي قاده حزب البعث العربي الاشتراكي بعد عام 1961. ولم ينته حتى قيام ثورة رمضان المباركة عروس الثورات ثورة 8 شباط 1963 الذي قادها ونفذها وأنجزها قادة ومناضلو وكوادر وأعضاء وأنصار ومؤيدو وأصدقاء حزب البعث العربي الاشتراكي.

 اتسمت هذه الثورة المباركة بحسن التخطيط ودقته وبسالة التنفيذ كما برز فيها التلاحم المصيري بين التنظيمات المدنية والعسكرية من جهة وبين الحزب والشعب من جهة أخرى فكان لطلائع الشعب كما لطلائع الجيش دور بارز في تنفيذ وإنجاح هذه الثورة.

أهم سمات هذه الثورة الفتية هو:

1-   الدقة والكتمان والسرية في التخطيط.

2-   البسالة والاندفاع في التنفيذ.

3-   التلاحم العفوي بين الجيش والشعب في التنفيذ.

4-   الاستبسال والتضحية من أجل القضاء على أوكار قاسم والشيوعيين والعملاء وتصفيتهم في وقت قياسي.

5-   مساهمة كوادر ورفاق من محافظات أخرى ومنها مدينة الموصل في تنفيذ الواجبات والقضاء على أوكار الشيوعيين خاصة في شارع الكفاح والصدرية وبقية مناطق بغداد المحيطة بوزارة الدفاع.

6-   قومية ووطنية وثورية هذه الثورة الفتية والتي تجلت في بيانها الأول وما أعقبها من بيانات أخرى وإجراءات ثورية أخرى أهمها الانفتاح على الوطن العربي وإعادة اللحمة القومية العربية.

من هنا بدأ ناقوس الخطر يدق على هذه الثورة الشابة البعثية القومية العربية وتحركت قوى الاستعمار ومعها الرجعية وإيران الصفوية عن طريق الشاه العميل من أجل تحجيم هذه الثورة وخرقها من الداخل ومن ثم إجهاضها في مهدها.

لقد أفرزت هذه الثورة إنجازات ومعطيات وطنية وقومية وثورية عظيمة رغم قصر عمرها الذي كان سببه ما يلي:

1-   أن القيادة التي تسلمت السلطة لم يكن لها تجربة سابقة في الحكم فهم مناضلون بعثيون عاشوا عمرهم يقارعون الاستعمار والدكتاتورية فكانت إحدى المثلمات على قيادة البلاد آنذاك.

2-   وجود عناصر سيئة في السلطة آنذاك ممن تحالف معهم الحزب أو جاء بهم إلى السلطة ومنهم عبد السلام عارف وغيره من اللذين كانوا محسوبين على الحزب وهم ليسوا بعثيين حقيقيين.

3-   تكالب الاستعمار البريطاني الأمريكي الصهيوني وإيران الصفوية وتحريك الأساطيل من أجل إسقاط هذه الثورة والتخلص من مخاطرها حتى لا تمتد على الساحة العربية وتضرب مصالحها.

4-   تعاون الرجعية في العراق والوطن العربي والحكام المرتبطين بالاستعمار من أجل إسقاط هذه الثورة.

 إن معطيات الثورة وإنجازاتها القومية والاستراتيجية رغم فترة الزمن القصير لعمر هذه الثورة كان عظيماً وكبيراً مما حدا بالقوى المعادية المذكورة آنفاً للتآمر عليها وإسقاطها وقد تمكن الاستعمار من كسب ود السيئين والعملاء في داخل الحكم وإثارة مشاكل الحزب الداخلية في المؤتمر القطري والخلافات التي ظهرت جعلت القوى السيئة تنتفض وتسقط الثورة في ردة تشرين السوداء عام 1963.

أن أهم المعطيات والإنجازات الاستراتيجية لثورة 8 شباط عام 1963:

1-   لقد أعقب الثورة قيام ثورة الحزب في القطر السوري في 8 اذار 1963 وقد كانت هذه الثورة استجابة ملحة وحقيقية وتناغم بعثي أصيل مع ثورة 8 شباط في العراق وكانت صاعقة على الاستعمار ودول الجوار المرتبطين بالاستعمار فكانت هناك ثورتين للبعث في المنطقة وهذا يعني تجاوز كل الخطوط الحمراء مما حدا بالاستعمار والأسطول السادس أن يتحرك نحو البحر الأبيض ويصل إلى لبنان، ويكون هناك تواجد عسكري في الأردن والكويت والسعودية وتركيا وإيران.

2-   ميثاق العمل الوحدوي أي مشروع الوحدة الثلاثية في 17 نيسان 1963 بين العراق وسوريا ومصر وهذا يعني أن الأمة في طريق تحقيق أهدافها وعبور محنة وحدة 1958 بين سوريا ومصر مما دفع الاستعمار والقوى الرجعية للتآمر وبعنف لإجهاض الثورة وفعلاً تمكنوا من الضغط على عبد الناصر لتعطيل هذا المشروع الوحدوي القومي الذي هو حلم الجماهير العربية وأهم أهداف حزب البعث العربي الاشتراكي والمعبر عن رغبة الشعب العربي الحقيقية.

3-   إضافة إلى إنجازات وإجراءات اشتراكية وثورية على صعيد القطر العراقي.

إن الزمن القصير الذي لم يتجاوز تسعة أشهر لهذه الثورة كان حافلاً بالمآثر والإنجازات الثورية العظيمة التي هزت عروش بعض الحكام العرب آنذاك والمرتبطين بالاستعمار مصيرياً، كما أقلقت أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني وإيران الشاه العميل فكان التآمر مكثفاً ومشتركاً لكل هؤلاء بالتعاون مع كل من ضربت الثورة مصالحهم في الداخل، وحتى على مستوى دول الجوار في الوطن العربي، فكان لهم ما أرادوا حيث وجدوا ضالتهم عند نفر ضال من العملاء ومحبي السلطة والجاه والنفوذ فكان يوم 18 تشرين الأسود.

وقاتل مناضلو البعث قوى الردة في الشوارع والأزقة والساحات والمناطق العامة وأوقعوا بهم الخسائر دفاعاً عن الثورة ومنجزاتها وأهدافها ودفاعاً عن العراق والحزب وسقط منهم الشهداء الأبطال مثل الشهيد البطل المرحوم ممتاز قصيرة الذي جرح وأعدم وهو جريح وكان رجلاً بعثياً شجاعاً فارساً رفض الاستسلام والخضوع ورفض الاعتراف على رفاقه وبصق بوجه الردة ومن قام بها ودافع عن الثورة ومنجزاتها.

لقد كانت هذه الكوكبة من الشهداء سراج مضيء لدرب المناضلين رغم ما عاناه مناضلو الحزب من قتل وتدمير وسجن ومطاردة وتعسف واجتثاث وطرد من الوظائف، وتجويع فكانوا أصلب من كل هذا وكانت ثورة 17-30 تموز الرد الحاسم على مؤامرة الردة السوداء في 18تشرين.

إن الشواهد التاريخية تثبت أن هذه الثورة الفتية ثورة 8 شباط 1963 ثورة 14 رمضان المبارك استحقت فعلاً أن تكون عروس الثورات فهي ثورة قومية عربية بعثية شعبية تخطيطاً وقيادة وتنفيذاً وأن الزمن القصير لعمر هذه الثورة كان حافلاً بالانعكاسات القومية على الواقع العربي بدليل قيام ثورة البعث في سوريا في 8 آذار وميثاق 17 نيسان 1963 وميثاق مشروع الوحدة الثلاثية بين العراق وسوريا ومصر.

تحية لعروس الثورات في ذكراها الستين.

وتحية مكللة بالغار لشهداء البعث في ذكرى ثورتهم الأولى.

تحية لكل من خطط لها وقادها ونفذها.

تحية للبعث العربي الاشتراكي صانع تاريخ الأمة العظيم.

تحية لشهداء البعث في كل مكان من الوطن العربي.






الاحد ٢٨ رجــب ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / شبــاط / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. بدر العنزي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة