شبكة ذي قار
عـاجـل










من روائع شعر المقاومة..  

رائعة الشاعر الكبير حميد سعيد: (من نافذة في مشفى.. رأيتُ وطني)..

 

استهلال:

قصيدة الشاعر الكبير حميد سعيد، التي تُعدُّ من دُرَرِ شعر المقاومة العراقية، وتعتبر من أوائل قصائد شعر المقاومة العراقية، وقد نٌشرت في ديوان الشاعر: (من وردة الكتابة إلى غابة الرماد)، ويومها كان الشاعر يعاني من وجع احتلال وطنه على أيدي الأمريكان والفرس وقوى الشر الأخرى، وفي حمأة أوجاع الوحدة، وهو الذي يقيم في شقة فندقية متواضعة في مدينة عمّان، كانت ثالثة المواجع، حيث تتمثّل في مرض بالغ الطبيبُ في مخاطرهِ، ما جعل الشاعر يبدأ في كتابة القصيدة  في ليل المشفى ../ مجلة الصوت

 

من نافذةٍ في مشفى .. رأيتُ وطني

أنظُرُ من نافذةٍ في المشفى الموحشِ..

كُنتُ أُحاوِلُ أنْ أخرجَ من غابة روحي ..

سوداءٌ غابة روحي

الصمتُ يُحاصِرُني ..

وثواني الساعة ديناصوراتٌ تمشي في حقل القارِ..

وفي هذا المشفى لا شيء سوى الوحشةِ ..

لاشيْ

أُحاولُ أنْ أرفعَ صوتي.. كي أسمعَ صوتي

لا أحدٌ في هذا المشفى يسمعُ صوتي

كل الأبواب مُغَلَقةٌ .. من أي الأبواب سأخرجُ

أي الطرقات تقودُ خُطاي إليكَ، وفي كل الطرقات .. العسَسُ

من أي الطرقات أرى شَمْسَكَ؟

كلُ الطرقاتِ أقام َ بها الغَلَسُ..

من نافذةٍ في المشفى الموحش..

خُيِل لي أنك تسمعني .. بل أنك تسمعني

مَنْ يَسمَعُني ،، إنْ لمْ تَكُ تسمعني ؟!

ها أنت تمدُّ يداً وأراها

مَن غيركَ كان يمدُ إليَّ يداً.. أو كان سواي يراها ؟!

حينَ رأيتُ يداً منكَ.. تُشيرُ إليك..تنزَلًتِ الأمطارُ على غابة روحي ..

سوداءٌ غابةُ روحي..

قُلتُ..

سيغمُرُ هذي الطُرُقات التفصلني عنكَ.. النورْ

تَخَيَلتُكَ..

كنتَ مُحاطاً بطيورٍ نافقةٍ سودْ

وتُحاوِلُ أن تدفعَ عن روحِكَ .. زَحفَ الدودْ

.   .   .   .   .   .

.   .   .   .   .   .

تَساءلتُ ..

أَكُنتَ مُحاطاً بطيورٍ نافقةٍ سودْ

أكنتَ تُحاوِلُ أن ندفعَ عن روحكَ.. زحفَ الدود ؟

لا أحدٌ يسألني عنّي .. أو يسألني عنكَ ..

وفي هذي المقبرة البيضاء

يقومُ الموتى في كل مساءْ

ينتشرون بغابة روحي ..

سوداءٌ غابة روحي ..

لا أتَبَيًنُ في هذي العتمات ملامحهمْ

ليس لهم لغةٌ .. لا أحلام لهم .. ليس لهم أسماءْ

موتى أحياءْ

يُدْخِلُني وجعي في حرم النوم .. ويُخرجني وجعي

الحُمّى منتجعي ..

في الغيبوبة كنتُ أراك.. وفي الغيبوبة ناديتُكَ ..

خُيِّلَ لي.. إنكَ تسمعني..

بل أنك تسمَعُني .. مَنْ يَسمَعُني .. إنْ لمْ تَكُ تسمعني.. ؟!

               *

سأقولُ لنفسي ..

إن جحيماً يَتَخَطَفُ أفراح الناس..وأحزان الناس ..

وأرواحَ الناس ..

مُدَن الناس.. بيوت الناسْ

أأقولُ لمن يسألني .. هذا وطني ؟!

شاهدتُ قَرادأً في طرقاتك يمشي .. وقروداً في الأسواقِ..

وإعلاناتٍ في كل مكانْ

السوقيون يبيعون بهاءكَ ذاك الكان .. يبيعون الإنسانْ

شاهدتُ سماسرةً بلُحى من طين

يبيعون بما فتح الشيطانُ عليهم .. وطنا

بالعار يُلاحِقهُمْ حتى يوم الدينْ

أأقولُ لمن يسألني .. هذا وطني ؟

الساعةُ صماءْ

والمقبرةُ البيضاءْ..

                      صَماءْ

والليلُ الممتدُّ من الأحزان إلى الى الأحزان .. أصمّْ

وأنا أسأل عنك الصمتَ

إذْ لا أعرف في المشفى الموحشِ.. غير الصمتْ

                   *

لا أحدٌ يَفتَحُ لي باباً .. كل الأبواب مُغَلَقَةٌ

فعلى مَنْ أقُصّصُ رؤياي ؟

.   .   .   .   .   .

   .   .   .   .   .

العصفورُ الأبيضُ.. يخرجُ من وكرٍ محفوفٍ بغيومٍ بيضْ

ينزِلُ في أرضٍ طيبةٍ .. فيها جنّاتٌ وعيونْ

يَدهمُهُ نسرٌ رَثٌ .. وَيُجرِحُهُ.. فيطير العصفور الأبيضُ

 ثم يصير دم العصفور الأبيض .. عاصفةً

يسّاقَطُ منها.. أقمارٌ ونجومْ

          *

سألتُ اللهَ .. توسلتُ إليهْ

أن يقتربَ العصفور الأبيض من غابة روحي..

سوداءٌ غابةُ روحي

ومُقامي بين الموتى علَمَني لغةَ الموت وأدخلَني في دارتهِ

أيكونُ الموتُ أليفاً .. أيكونُ نظيفاً..أيكون ؟!

ها أنذا أحسبه والعصفورَ الأبيضَ .. يقتربان كما الظلُّ ..

فأعدو نحوهما ..

ورأيتُكَ في غيضكَ.. تأكُلُ أطرافكَ ديدانٌ جائعةٌ

ورأيتُكَ في فيضكَ.. محفوفاً بالجمر .. تحيطُ بكَ النارْ

مُذْ كُنتَ.. وأنتَ على وعدٍ بالأمطارْ.. فأينَ الأمطار..

أين الأمطار؟

 

....

عادَ إلى الأرض الطاعونْ

الموتُ السيّدُ .. لا سيّد إلا الموتْ

غاباتُ رمادٍ وحقولُ غبارْ

اعتقلوا الأمطارْ .. انتهكوا شرفَ الأنهارْ

الدبابات تعرّي اللغةَ الأولى.. تَغْتَصِبُ بيوتَ اللهْ

الله .. الله ..

.   .   .   .   .   .

.   .   .   .   .   .

صافحَني البرحيُّ صباحاً.. محموماً كان البرحيُّ

وكانَ العَنْبَرُ ينزفُ..

أوَماَ لي شطُّ الحلّةِ..

جاء معي.. من غيبةِ ما كنتُ أرى في المقبرة البيضاء ..

إلى الورديّة ِ..

قُلتُ .. ستفتَحُ أمي الباب.. ويأتي الأصحابْ

أمي والأصحابْ

الورديّةُ والبابْ

محضُ سرابْ

أسيأتي العصفورُ الأبيضُ ..ذاتَ صباحْ ؟

يطردُ هذي الأشباحْ

وتعودُ الورديّةُ من غيبتها .. ويعودُ إليها الأصحابْ

                  *

تُطَوِقُني الجدرانُ البيضُ .. وتنغَلِقُ

لا أرضٌ في هذي المقبرة البيضاء .. ولا أُفُقُ

في الخاطر شيءٌ مما كانَ ومما سيكون ُ.. كواكبُ تهوي..

أنهارٌ تحترِقُ..

رملٌ يزحفُ.. كلّ عروسٍ شاركها الرملُ فراشَ العرسِ..

وأورثها قحْطاً وسَرابْ

من نافذةٍ في المشفى الموحش .. صرتُ أراكَ بعيداً

ما عُدتُ أراكَ..

وما عُدتُ أرى ..

كيف أقول لمن يسألني .. هذا وطني ؟!

28 تشرين الثاني  2003

 

هوامش.....

البرحي، تمرٌ عراقي.. والعنبر ، رزٌّ عراقي، وشط الحلة، فرع من نهر الفرات، والورديّة، محلةٌ في مدينة الحلة بالعراق..






الاثنين ٧ شعبــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / شبــاط / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حميد سعيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة