شبكة ذي قار
عـاجـل










بعض أبعاد الصِراع المُسلّح في السودان

والانعكاسات العَربيّة والإقليميّة لَه

 

شهد السودان في الأيام الأخيرة نزاعاً مسلحاً اندلع بين أكبر قوتين عسكريتين تحاول كل منهما فرض سيطرتها، ولكل منهما اسبابها المُعلَنة ومَن يدعمها ويقف وراءها، وسط رفض واسع من القوى المدنية التي كانت وما تزال تقود النضال الشعبي من اجل تحقيق نظام ديمقراطي حر.

 

ورغم الصعوبات التي يواجهها المسار الديمقراطي، فقد برز في الأفق مؤخراً احتمال توقيع اتفاق مع بعض القوى السياسية سُمّيَ (بالحل الإطاري) وبرعاية دولية، وذلك من أجل مواصلة مرحلة الانتقال إلى الممارسة الديمقراطية التي توقفت بعد الانقلاب العسكري في عام 2021، رغم عدم توافق كل القوى الوطنية عليه، حيث خرجت بعض الأطراف الفاعلة من قوي الحرية والتغير والرافضة لهذا الاتجاه لأسباب موضوعية.

 

وفور اندلاع الاقتتال باشرت الحركات والقوى المدنية السودانية برفضه وببذل جهوداً لوقفه وعدم التسليم بما ينجم عنه من نتائج. وخاصة في ظل اعتقاد سائد افرزته التجارب الماضية أن حاملي السلاح لا يأبهون بالنقاش مع القوى المدنية، ربما لاعتقادهم متوهمين، بأن المدنيين ممكن اخضاعهم في النهاية بقوة السلاح، فور انتهاء الحرب.

ونتيجة للتداعيات الخطيرة للأوضاع في القطر السوداني الشقيق على أمن الأقطار العربية الاخرى ومنها مصر وفلسطين وليبيا واليمن والسعودية، لذا فان السودان يخضع الى شتى التدخلات الاجنبية، اقليمية منها ودولية، لتأجيج تلك التداعيات والاستفادة منها وخاصة في مجال تحقيق الاهداف التالية:

 

الأهداف الأجنبية المعادية في السودان

يمكن تلخيص أهم الاهداف التي تسعى القوى الأجنبية، دولية منها وإقليمية إلى تحقيقها في السودان بما يلي:

أولاً: تحقيق مصالح أجنبية جيوسياسية، كالسيطرة على منطقة القرن الافريقي، وما يعنيه ذلك المجال الحيوي البالغ الأهمية من موانئ وسواحل وسيطرة على التجارة والملاحة الدوليتين، وعلى وجود القواعد الاجنبية.

 ثانياً: تهديد الأمن القومي العربي من باب الأمن المائي لمصر والسودان، والتحكم به من خلال سد النهضة في اثيوبيا.

ثالثاً: السيطرة على الموارد والثروات الطبيعية التي يزخر بها السودان والعمل على نهبها.

رابعاً: تحقيق مصالح مادية تتعلق بإنعاش العصابات والمافيات المعنية بتهريب الأسلحة والإتجار بالبشر وغيرها من خلال اشعال فتيل الفوضى.

خامساً: إضعاف اي دور استراتيجي عربي للسودان كقطر اساسي لدعم ونصرة قضايا الأمة العربية.

 

 لذا تشهد هذه الآونة نشاطاً دولياً واقليمياً باتجاهين رئيسيين. فمن هذه الدول من يدعم الاستقرار الحقيقي والصادق في السودان وذلك ادراكا منها لحجم وخطورة تداعيات الفوضى والاقتتال فيه على امنها واستقرارها.

أما الاتجاه الآخر فإنه يمثل الدول والقوى العالمية والأطراف التي من مصلحتها تحقيق كل او جزء من الاهداف المذكورة اعلاه على حساب ابناء شعبنا العربي في هذا القطر العزيز. لذا فان مثل هذه الدول تزدهر في ظل استمرار النزاع، ساعية الى عدم الاستقرار فيه ولا في الوطن العربي والقرن الافريقي.

وفي أثناء هذه التطورات المتسارعة نرى المشهد يزدحم بالمواقف المعلنة من اجل وقف القتال، الا انها ليست كلها تعكس حقيقة النوايا، او انها تصب في النهاية لمصلحة الشعب السوداني الشقيق، بل تهدف في اخر المطاف الى تحقيق مصالح خاصة خفيّة.

 وعليه تحاول دول ومنظمات إقليمية ودولية التدخل للحد من إراقة الدماء في هذا القطر العربي، داعين الى وقف فوري للقتال وعودة الطرفين إلى المحادثات، وإنهاء التصعيد العسكري. فقد دعت الولايات المتحدة الامريكية والصين وروسيا ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي إلى إنهاء فوري للأعمال القتالية التي تهدد بتفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

 

بعض الأبعاد والانعكاسات العربية للصراع المسلَّح الدائر:

 

عربياً دعت جامعة الدول العربية واقطار عربية منها المملكة العربية السعودية الى وقف القتال وانهاء التصعيد.

 أما مصر فإنها تميل بطبيعة الحال إلى المؤسسة العسكرية الرسمية ممثَلة بالجيش السوداني لأسباب متعددة لعل واحد منها أنه يمثل المؤسسة الرسمية، باعتبار أن قوات الدعم السريع هي ميليشيات مسلحة.

ولأن قيادة قوات الدعم السريع تتمتع بعلاقات قوية مع إثيوبيا، لذا فإن اعتلاءها السلطة في السودان قد ينجم عنه تأثيرات على الامن القومي المائي لمصر بسبب سد النهضة في اثيوبيا. ولذلك أكدت مصر استعدادها للعب دور الوساطة للوصول إلى تهدئة في السودان.

أما دولة الكيان الصهيوني فان اي فرصة تحول دون قيام نظام ديمقراطي هو الافضل لها، لأن النظام الديمقراطي سيثير التوجه القومي التحرري للسودان في دعم واسناد النضال الفلسطيني والقضية الفلسطينية كما اكدت تجربته النضالية الوطنية ومواقف شعبه وجيشه وقواه السياسية، وبالتالي فانه سيمثل خطر على كيان دولة الاحتلال، لذلك وبمجرد قيام الانقلاب العسكري في السودان عام 2021، الذي اوقف مراحل المسار الديمقراطي في البلاد، شرعت بالتوجه نحو اقامة علاقات للتطبيع مع قيادته وبمباركة امريكية.  لذا فان العلاقات التي أقامتها مع قيادات الجيش السوداني يمكن أن تجعلها تأمن اي امداد لفصائل الثورة الفلسطينية او اي دور للسودان لنصرة قضية الامة العربية في فلسطين مستقبلاً.

قومياً ومحلياً يقف حزب البعث العربي الاشتراكي " الاصل" في قطر السودان ضد أي تدخل خارجي في الحياة السياسية السودانية ووضع أي خارطة طريق للشعب السوداني، "لأن الشعب السوداني قادر على التخلص من الأنظمة الشمولية الديكتاتورية والشعب السوداني لديه تجارب في السابق ضد هذه الأنظمة".

ويرى الحزب أن "الجميع يتصارع على مصالحه داخل السودان، الدولة ذات الموارد الغنية، فالكل يعمل على أن يجد حصته من خيرات السودان"، مؤكداً "عدم القبول بأن تأتي قوة في الأرض لتملي على الشعب السوداني أي شيء".

والبعث متيقن من أن ما يحدث في السودان الان هو صراع حول السلطة والمصالح استخدم طرفية القوة المسلحة لحسمِه. ويؤكد الحزب على أن التدخلات الإقليمية والدولية في المشهد السياسي السوداني لها تأثير لا يستهان به، لذلك دعا في بيانه بتاريخ 15/4/2023 ان " تبادر القوى السياسية والمدنية بالتوحُّد للوقف الفوري للاقتتال، والتعبئة لإعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني لملء الفراغ وانفاذ ارادة الشعب " لإن استمرار الحرب، يعني أن الأمور ستكون وبالاً على الجميع، خصوصاً من يزيدون نار الحرب اشتعالاً والتي ستؤثر على المحيط الإقليمي بأكمله. خاصة وأن "السودان لديه حدود مفتوحة مع الكثير من الدول، وبالتالي فإن وجود فوضى في السودان يعني تحريك كثير من الخلايا الارهابية الساكنة بأيدي مؤسسات مخابراتية عالمية، تضر السودان وبعض دول الجوار، لإغراقه في نشاط الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وهذا سيؤثر على القرن الإفريقي وعلى المحيط الإقليمي والعربي خاصة".

 وعليه، وفي الوقت الذي يعاني فيه السودان بالفعل من انهيار اقتصادي مستمر، فان اي تطور للصراع يفضي الى ان تؤول الاوضاع الي مواجهة طويلة الأمد بين الجانبين، سيؤدي إلى انزلاق هذا القطر العربي المهم بموارده البشرية الكبيرة، وثرواته الغزيرة، وموقعه الجيوسياسي الخطير، إلى صراع واسع النطاق، واشتعال العنف (الاهلي)، وانتهاز هذه الظروف من قبل القوى الاستعمارية والصهيونية لتحقيق المزيد من اضعافه وتقسيمه وفق مخطط التطبيع، واعادة رسم خرائط الاقطار العربية لتحقيق ما يسمى (بالشرق الاوسط الجديد).

 وبالإضافة الى كل هذه التداعيات البالغة الخطورة فانه سيؤدي الى عرقلة الانتقال الديمقراطي الحقيقي واجراء انتخابات عامة نزيهة للولوج في مرحلة تأسيس النظام الديمقراطي الذي يُعَد الهدف الأساسي للانتفاضة الشعبية المستمرة، التي تناضل من اجل تحقيق الاستقرار فيه، لان استقرار السودان وأمنه، هو استقرار لمحيطه الافريقي، وامن البحر الاحمر، وهو استقرار وقوة للأمة العربية برمتها.

 

 

مكتب الثقافة والإعلام القومي

19/4/2023






الاربعاء ٢٨ رمضــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / نيســان / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة