شبكة ذي قار
عـاجـل










أحمد الحبوبي .. خيبة وجمعها خيبات

 

‏عدت أخيراً من العراق بعد غيبه عنه امتدت لأربعة أعوام من عام 2018 إلى عام 2022 ... زرته بعد أن أقبرت زوجتي ورفيقة دربي (أم غسان) في بقيع المدينة المنورة.

‏عليّ أن أجد في بلدي وفي ناسي بعض العزاء والمواساة تخفف من أحزان فراق الأحبة.

‏ولم يمض كثير من الوقت حتى اكتشفت أن حزني قد تضاعف، فقد شاهدت الحزن والكآبة مرسومين على وجوه الناس وكأن الفرح لم يعرف طريقه إلى نفوسهم، وهم يتزاحمون في الشوارع والسائر منهم يمشي على غير هدى وقد ضاع من قدميه الطريق ... وكم تمنيت أن لو كان بمقدوري أن أقوم بمسح هذا الحزن وهذه الكآبة من على وجوه الناس!

‏ولم يكن هذا الحزن والتوهان والشرود وحده هو الذي لفت نظري وشد انتباهي واقلقني، فقد لفت نظري أيضاً سلوك غريب لم يكن معهوداً لدى الفرد العراقي من قبل قد انتشر ألا وهو "الأنانية" و الفردية وحب الذات وشدة التنافس بإزاحة الآخر والحلول بمكانه.. حتى في مزاحمة الطريق، من أجل اقتناص مصلحه أو كسب قضية أو جر مغنم أو غمط حق.

فالمجتمع العراقي شأن كل المجتمعات تحكمه و تتحكم به

سلوكيات ثابتة ومتوارثة ومستقرة تميزه وتتميز به. فالفرد العراقي يتحلى بالشهامة والنخوه ومد يد المساعدة إلى من يحتاجها وانجاد الآخر إلى حد التضحية بالنفس... ولا أظن أن الناس قد نسوا موقف الشهيد (العبيدي) أحد سكان الأعظمية الكرام الذي غرق في نهر دجلة وهو يحاول إنقاذ زوار الكاظميه من الغرق عند تزاحمهم ووقوعهم من على جسر الائمة منذ سنوات.

‏كما يتحلى العراقي بالكرم والشجاعة والسماحة والصدق في القول والعمل بعيداً عن كل ما يخدش كرامته أو يقلل من هيبته.

‏ألا يصدمك بحق وانت تشاهد الجريمة المنظمة قد اخذت مكانها في المجتمع العراقي، وشيوع الفساد المستشري هو الآخر يصرخ عالياً معلناً عن نفسه. والمخدرات قد انتشرت وروجت، وإنحلال الروابط الأسرية، وضياع الأطفال وازدياد نسب الطلاق. و انتشار السلاح بمختلف الأصناف وغيره كثير وكثير.

 

‏امحضُ عذري لأخواني العراقيين فلم يكن قصدي أن اسمعهم ما يسؤوهم، ويقضّ مضاجعهم ويؤرقهم. ولكنها أدواء جديدة وموجعة يجب أن يلتفت إليها ويوضع لها حد.

‏فواجبنا الوطني يقضي ببذل الجهود من كل المخلصين النجباء لتخليص بلدنا ومجتمعنا منها.

 

‏ولابد أن نشير إلى أن هذه السلوكيات الغريبة ظهرت واستفحلت واستشرت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تقال ويسلط عليها الضوء. جاء الاحتلال الأمريكي بالعملية السياسية وكأنه قد رسم لها المخطط وهيأ لها الطريق وسلمها الحكم وهو مطمئن إلى نجاحها في تمزيق نسيج المجتمع العراقي من خلال حكومات المحاصصة الطائفية والعرقيه والاثنية والعشائرية، والذي كان همها الأول والأخير تقاسم الغنائم بين فرقاء الحكم وبإدارات قاصرة ومقصرة لا تملك خبرة ولا تجربة ولا رؤية ولا تخطيط ولا امكانات علمية ولا ولا.

‏كل هدفها هو الهيمنة والسيطرة والاستحواذ على خزينة الدولة، بوسائل غير صحيحة وغير صحية ومشبوهه وفتحت بذلك كل أبواب الفساد والإفساد.. فكان جراء ذلك أن افتقر الشعب وعانى الفرد العراقي من كل أنواع المعاناة؛ بطالة، وانعدام خدمات، وفقدان الأمن وانتشار الجريمة، وتفشي المخدرات وكل الأدواء التي يعاني منها المجتمع العراقي.

‏فالحكم الفاسد والقدوه الفاسدة بيئة صالحة لتفريخ وتواجد وتوالد وانتشار كل الموبقات.

 

‏لم اكن المصدوم الوحيد في بلدي جراء ما شاهدت وما لمست وما عايشت وما سمعت قرابة الخمسة أشهر.

‏فقد وجدت الكثير من المصدومين الذين ينتظرون ويترقبون ويأملون أن يكون يوم الخلاص من كل موبقات ومفسدات جمع المؤنث السالم من قبيل خيبات، ونكبات، ونكاسات، وسرقات، وتجاوزات، وتهريبات، ومنهوبات وهالمجرا.. قد اختفت من المجتمع العراقي.

 

‏والأمل معقود على الإرادة الشعبية . فالشعوب دائما وأبدا هي التي تنتصر... والله من وراء القصد.






الخميس ٢٦ ذو القعــدة ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / حـزيران / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب شبكة ذي قار نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة