شبكة ذي قار
عـاجـل










كيف تدير روسيا الاتحادية سياستها الخارجية الاستراتيجية؟

(الأهداف والأدوات)

د. أبا الحكم

 

لم يعد الجيش الروسي الاتحادي المنهك في حروب القرم وسوريا والآن في أوكرانيا قادراً على إبقاء زخم الفعل العسكري فعالاً ومتواصلاً دون أن تدخل عليه خطط وتحسينات عملياتية ذات طابع هيكلي وسوقي، ما دام الجيش مكلف بحماية 1- الأمن القومي الروسي 2- وحماية المصالح الحيوية الروسية 3- وتحقيق الاهداف السياسية والاستراتيجية للدولة الروسية.

فما الذي ادخله الكرملين الراهن على هذا الجيش من مستجدات عملياتية وتحسينات مهمة تلامس طبيعة التحولات التي تجري والمفاهيم التي اخذ مجراها يصب فيما يسمى بتغيير أنماط الحروب في المناطق الساخنة ومناطق الصراع وكذلك التي تسمى الرمادية؟

الملاحظ ، لم يعد الجيش الروسي يتعامل مع أحداث أو عمليات الحرب بخطط تقليدية- كلاسيكية، هذه الخطط ، وكما يبدو قد انتهت أنماطها، ليس كلياً وإنما بالقدر الذي يقدره مسرح العمليات وحساباته وكلفه فضلاً عن انعكاساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد بات الجيش الروسي يتشكل، ليس فقط من المؤسسة العسكرية التقليدية، رغم ان ادارة العمليات لم يقتصر أمرها على وزارة الدفاع فحسب إنما بات الكرملين أحد أهم مراكز صنع القرار السياسي والعسكري أيضا ، وإنما أخذ 1- بتنويع الجيش التقليدي 2- وتشكيلات عسكرية سرية ترتبط ليس بوزارة الدفاع الروسية إنما بشركة سرية مستقلة اسمها (Wagner Group)، حيث نشطت في العمل العسكري في سوريا منذ عام 2014 وكذلك في اوكرانيا والسودان وهي تدعم قوات الدعم السريع التي يقودها (حميدتي) وتتعاون معه في استثمار مناجم الذهب السوداني. وتقوم هذه الشركة باستقطاب المتطوعين وتتكفل بتدريباتهم وتسليحهم وإيوائهم وصرف مرتباتهم ويتمتعون بالحصانة وعدم المسؤولية حيال الجرائم والمجازر التي ترتكب في مسرح العمليات الحربية، فيما لا تُحتَسبْ تضحياتهم ضمن أعداد قتلى وزارة الدفاع الروسية - ففي كل معركة تخوضها القوات الروسية تتكبد (فاغنر) آلاف القتلى في سوريا والساحل الأفريقي ومالي وشيلي والسودان وكذلك في أوكرانيا.

والتساؤل هنا، لماذا يستخدم الكرملين قوات ميليشياوية تتقدم قطعات الجيش الروسي، ليس في كل المعارك إنما في معظمها أمام تنظيم (حرب عصابات) و (قوات ميليشياوية) عاملة في ساحات التوغل الروسي الاستراتيجي في سوريا والسودان والبلدان الأفريقية؟    

والإجابة هي أن الجيش الروسي لا يستطيع ان يستخدم العقيدة القتالية للمقاومة، إنما عقيدة الجيوش الروسية، وهي عقيدة كلاسيكية تتبعثر أمام ضربات العقيدة القتالية للمعارضة او المقاومة.. وعلى هذا الأساس سخر الكرملين وليس وزارة الدفاع الروسية أداة مستأجرة ووظفتها لخدمة أهدافها السوقية والاستراتيجية لقاء أموال تصرف على التسليح والتدريب والإيواء والرواتب فضلاً عن عدم تحمل المرتزق أية مسؤولية جنائية وبتعهد شفهي سري من الكرملين.

وتأخذ فعاليات هذه المنظمة السرية، وهي تحت توجيهات الكرملين منحى الوصول الى عدد من الاهداف الاستراتيجية منها 1- تكريس الوجود العسكري الروسي في دول القارة الافريقية، خاصة القريبة من النفوذ الامريكي والصيني 2- ترويج السلاح الروسي في الاسواق الافريقية 3- تسويق التكنولوجيا النووية الروسية على بناء المفاعلات النووية 4- العمل حيثما أمكن السيطرة على الموارد الطبيعية الافريقية، وخاصة مناجم المعادن النادرة التي تدخل التصنيع العسكري ومنها مناجم الذهب التي تمتد من السودان إلى تشاد الى النيجر 5- تأسيس قاعدة بحرية على البحر الاحمر كما اسست من قبل في طرطوس وحميميم السوريتين على البحر المتوسط.

تقاتل فاغنر الى جانب وحدات الجيش الروسي في سوريا وليبيا ومالي والسودان، وتدعم بقوة قوات الدعم السريع التي يقودها (حميدتي) - بضوء اخضر من طهران ومباركة موسكو- فضلا عن فعالياتها العسكرية في القارة الافريقية عبر التعاون مع الانظمة الحاكمة وبالضد من القوى المعارضة مهما تكن اهدافها التحررية، كما تأخذ توجهات هذه المنظمة العسكرية السرية، وهي تحت توجيهات الكرملين، منحى الوصول الى عدد من الاهداف الاستراتيجية منها على سبيل الحصر 1- تكريس الوجود العسكري الروسي في الدول الافريقية حيثما يوجد النفوذ الامريكي والنفوذ الصيني 2- ترويج مبيعات السلاح الروسي في الاسواق الافريقية 3- تسويق التكنولوجيا النووية الروسية على بناء المفاعلات النووية 4- العمل في مجال او السيطرة على الموارد الطبيعية الافريقية وخاصة في بعض الدول التي لديها مخزونات من المعادن الحيوية النادرة التي تدخل في التصنيع العسكري.

وعلى الرغم من ان فاغنر تبدو مستقلة عن تشكيلات وزارة الدفاع الروسية إلا ان لها علاقة بالاستخبارات الروسية وبصورة مباشرة برأس الكرملين، وهو أساساً صنيعة استخباراتية.. والهدف التنظيمي لنشأتها هو ان تكون أداة غير حكومية عسكرية سرية، تعمل في الإطار (العسكري والامني واللوجستي).. وتمثل هذه القوات نسبة تقترب من 15% من القوات العسكرية الروسية في اوكرانيا.. كما تعمل قوات فاغنر في مجال 1- حراسة أبار النفط والحصول على نسبة من الانتاج النفطي في تلك الحقول 2- والدخول في الاستثمارات، مثل استثمارات ابار تدمر في سوريا واستثمارات مناجم الذهب في السودان واستثمارات جمهورية جنوب افريقيا وليبيا.. هنالك عدد ن الملاحظات:

أولاً- الاسلحة التي تستخدمها (فاغنر) من الصعب الحصول عليها بطرق اعتيادية إلا من خلال اتصالات على مستوى عال جداً مع الكرملين.

ثانيا- لقيادة (فاغنر) الحرية في مسح السجون الروسية من اجل التعاقد مع السجناء والمحكومين للقتال ضمن صفوفها، وهو عمل من الصعب تحقيقه من دون موافقة الكرملين، والخدمة في صفوف وحداتها القتالية من الذين يتطوعون من السجناء والمحكومين هي ستة أشهر بعدها يصبح السجين المتطوع حراً طليقاً يتقاضى ألف دولا خلال فترة التدريب وإذا ما قتل تتلقى عائلته مبلغ (60) ألف دولار. واللافت ان عدد قتلى فاغنر يتعدى تقريبا ثلاثة اضعاف قتلى الجيش الروسي في المعارك الخارجية.

يقول " روجرز بويز " في مقال نشرته صحيفة التايمز اللندنية ان فاغنر هو عقيد في القوات الخاصة الروسية واسمه " ديمتري أوكتين " برز اسمه في سوريا عام 2013- 2014 حين حرر ابار النفط في تدمر وتعرضت قواته للقتل نحو (32) ألف مرتزق ولم تتأثر وحدات الجيش الروسي إلا بالعدد القليل من القتلى.

ثالثاً- ان موسكو تتبع طريقة التملص من الاتهامات والإدانة إذا ما حدثت مجازر ضد الانسانية على اساس انها بعيدة رسمياً عن هذا التشكيل المسلح وتتخلص من اعباء ومسؤولية المجازر في مسرح العمليات وتتملص من ضغط الرأي العام الروسي والعالمي جراء الضحايا والادانات، كما تتخلص من السجناء والمجرمين وأعباء كلفهم في السجون الروسية، وبالتالي العمل على تحقيق الاهداف الروسية السياسية والاستراتيجية والاقتصادية في مناطق النفوذ في الشرق الاوسط والقارة الافريقية ومنطقة المشرق والخليج العربي.

ويتضح مما تقدم ان هنالك ادوات لوجستية استراتيجية متشابهة لتنفيذ الاهداف، بمعنى: ان أحد ادوات تنفيذ السياسة الاستراتيجية الروسية هي (فاغنر)، فيما تشير الحقائق الى ان أحد ادوات تنفيذ السياسة الاستراتيجية الايرانية (المليشيات) المسلحة غير الرسمية، وكلا الدولتان روسيا وإيران تستخدمان (أدوات) قذرة غير شرعية من اجل الوصول الى اهدافهما الاستراتيجية.!!






الجمعة ٥ ذو الحجــة ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / حـزيران / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة