شبكة ذي قار
عـاجـل










الحدود بين العراق والكويت...

مغالطات و تجاوزات جديدة وتفريط بأراضي ومنافذ العراق

 

مصطفى كامل

إن هدف هذا المقال بالدرجة الأولى تثبيت حقوق العراق أمام شعبه، من خلال الاستعراض التاريخي الذي سيكشف الحقائق التي توضح التلاعب بموضوع الحدود وتوضح للقارئ، بدون تشويش ومغالطات الاعلام حول حقوق العراق وتفريط حكومات الاحتلال بمصالح العراق العليا بأرضه ومياهه  ومنافذه البحرية.

والآن إلى التفاصيل..

في كل مرة تثور فيها قضية ترسيم الحدود بين العراق والكويت تظهر لدينا ثلاثة (وثائق) ينحصر الحديث فيها، وهذه الوثائق هي ما سنناقشه بموضوعية بالغة، قدر الإمكان، اليوم.

لأكثر من 62 سنة، وتحديداً منذ سنة 1899 وحتى 1961 بقيت الكويت تحت الحماية البريطانية بحسب تعهدٍ قدّمه حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح لممثل المملكة البريطانية، وكان مبارك الصباح طلب تلك الحماية في أيلول/ سبتمبر من عام 1897 لكن بريطانيا امتنعت عن منحها إياه في البداية ثم عادت ومنحتها له في إطار نزاعها مع الدولة العثمانية، حيث رأت لندن أن التواجد في الكويت من خلال اتفاقية حماية يرجّح موقفها ضد إسطنبول، وبالفعل عقدت الاتفاقية بشكل سري في 23 كانون الثاني/ يناير 1899 وباتت الكويت محمية بريطانية اسماً وفعلا.

مع بدء الحرب العالمية الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر 1914 أنزلت حكومة الهند البريطانية الشرقية جيشاً مؤلفاً من عدة فيالق من خليط يضم بريطانيين وهنوداً ضمن ما يسمى "جيش الليفي" على شواطئ رأس الخليج العربي، وهنا وطأت أرض العراق أقدام أول جندي بريطاني غازٍ من بقعةٍ تقع بين الكويت والبصرة ومنها بدأ الزحف نحو باقي أراضي العراق، حتى تمكنوا من دخولٍ صعبٍ لمشارف لبغداد في آذار/ مارس 1917.

وهنا بدأت مرحلة جديدة من حياة العراق وهي وقوعه تحت الاحتلال البريطاني ثم تحت الانتداب، وهنا نصل إلى الوثيقة الأولى في سياق حديثنا.

 

اولا: الركيزة الاساسية هي وثيقة مزعومة 

يمكن اعتبار ان رسالة نوري السعيد 1932 بمثابة " الوثيقة الام " اي الركيزة الأساسية التي يستند إليها كل ما يليها مما ترتكز عليه الكويت ومن باعوا العراق من ذيول ايران في سلطة المنطقة الخضراء ، ولأنها كذلك ينبغي البحث عنها وفيها وفي تفاصيلها بدقة وبموضوعية.

هذه الوثيقة هي رسالة (مزعومة) من رئيس الوزراء العراقي، الواقع تحت الانتداب البريطاني، نوري السعيد إلى المعتمد للحكومة البريطانية في العراق فرنسيس هـ. همفريز مؤرخة في 21 تموز/ يوليو 1932، وهي رسالة قصيرة تتضمن وصفاً لخط مبهمٍ ينطلق من "نقطة تقاطع وادي العوجة بالباطن ويسير شمالاً وصولاً إلى نقطة في جنوب صفوان ثم يسير نحو الشرق باتجاه أم قصر وجبل سنام".

هكذا ورد وصف الحدود بلا إحداثيات ولا خرائط، وهي مستلزمات ضرورية لا غنى عنها في أي ترسيمٍ للحدود، فهل يجوز هذا؟!


وحينما نقول إنها رسالة مزعومة فإننا نستند في ذلك إلى جملة من الحقائق منها أنها مكتوبة باللغة الإنجليزية فقط ومرفقة بترجمة عربية ركيكة تضم مصطلحات غير صحيحة لا يمكن أن تمرّ على داهية السياسة العراقي حينئذ نوري السعيد، كما أن الكويت حينها لم تكن دولة ذات سيادة ولها حدود، وإنما محمية، وأن الشيخ الذي وقّع على اتفاقية الحماية كان لا يحكم سوى ما هو داخل سور الكويت، وهو في الحقيقة قائم مقام يتبع ولاية البصرة العثمانية التي باتت عراقية بعد سقوط الدولة العثمانية.

ويؤكد الباحثونون عن الموثائق المعنية بالحدود ومنهم الدكتور محمد مظفر الأدهمي أنهم لم يجدوا في الارشيف البريطاني ما يشير الى وجود رسالة رسمية باللغة العربية موقعة من نوري السعيد، وأن اثنين من طلابه بحثا في موضوع الكويت ولم يتمكنا من العثور على الرسالة بتوقيعه لا باللغة العربية ولا بالإنجليزية، كما ينقل عن السيد ناجي طالب رئيس وزراء العراق ووزير خارجيته في العهد الجمهوري أنه "بذل كل جهده للعثور على أصل الكتاب الذي قال البريطانيون إن نوري السعيد قد كتبه بشأن توصيف الحدود مع الكويت سنة 1932 لكنه لم يعثر على أصله في ملفات وزارة الخارجية العراقية".

ونقرأ في مذكرة لوزارة الخارجية العراقية في 25 حزيران/ يونيو 1932، قبل أقل من شهر من رسالة نوري السعيد المزعومة، ناقشت المطالب البريطانية لتثبيت حدود العراق الدولية مع جيرانه من ضمن متطلبات دخوله عضواً في عصبة الأمم كدولة مستقلة أنها قالت فيما يتعلق بالكويت:

1.  إن وضع الامارة الكويتية لم يتعين من الناحية الدولية تعييناً قانونياً ولذلك فإن حدودها لم تعرف بعد بالضبط.

2.  إن تحديد الحدود يتم بموجب اتفاق يبرم بين دولتين ذاتي سيادة، ولم يحصل مثل هذا الاتفاق بين العراق والكويت.

3.  يكون التحديد بين لجان تمثل الدولتين، وعليه فإن قيام أحدهما بوضع علامات على نقاط معينة واعتبارها كإشارة حدود تلتزم بها الدول المجاورة انما هو أمر لم يسبق أن أقرّته قواعد الحدود الدولية.

وبذلك لم يتم توصيف الحدود مع الكويت عندما أصبح العراق دولة مستقلة وعضواً في عصبة الأمم عام 1932.

ومع ذلك، وحتى لو كانت هذه الوثيقة صحيحة فإننا يجب أن نضعها في سياقها الصحيح لا أن ننظر لها باعتبارها وثيقة معلقة في الهواء، فهذه الوثيقة، إن صحّت، لم تكتب بإرادة عراقية، ولم تكتب والعراق دولة تتمتع بالاستقلال، بل كتبت بإرادة بريطانية وبلغة إنجليزية وبينما كان العراق يقع تحت الانتداب البريطاني، وهي تخصُّ شأناً يتعلق بالكويت التي هي محمية بريطانية، كما أسلفنا في أعلاه.

وبعبارة أخرى، فإن هذه الوثيقة هي رسالة كتبها موظفون بريطانيون يعملون في بلدٍ يقع تحت الانتداب البريطاني وجهوها إلى المندوب السامي البريطاني المعتمد في ذلك البلد الذي يقع تحت الانتداب البريطاني بشأن حدود بلدٍ واقعٍ تحت الانتداب البريطاني مع محمية بريطانية، فأين هو العراق السيد ذو الإرادة المستقلة من كل ذلك؟!

وهي فوق هذا وذاك، ومرة أخرى إذا كانت هذه الوثيقة صحيحة، رسالة وقّع عليها نوري السعيد، وهو تحت الانتداب البريطاني، مدفوعاً برغبةٍ مُلحّةٍ من جانبه ومن جانب القوى السياسية الوطنية العراقية ومعزّزاً بشعور شعبي وطني عارمٍ بإنهاء الانتداب البريطاني والاستقلال والانضمام إلى عصبة الأمم وهو ما حصل في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 1932، أي بعد شهرين ونصف من الرسالة، إن كانت صحيحة.

والانتداب يعني أن تتولى الدولة المنتدَبة، وهي بريطانيا هنا، الإشراف على شؤون الدولة المنتدَب عليها، وهي العراق هنا، وتسيير أمورها لأنها "قاصرة عن إدارة شؤونها بنفسها" فهل يحقّ للقاصر أن يُبرم اتفاقيات خارجية يرسّم بموجبها حدوده مع كيان آخر، علماً أن كلاهما تحت التاج البريطاني؟!

وفضلاً عن كل ما تقدم، فإن إبرام دولةٍ ما لاتفاقية من أي نوع لا يعني بقاءها تحت ربقتها إلى أبد الآبدين، فالاتفاقيات ليست صك عبودية دائمة بل هي وثائق قابلة للنقض عندما تختلف الظروف الموضوعية أو الذاتية للدولة التي أبرمتها أو للطرف أو الأطراف المقابلة لها، والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك.

وبالفعل فقد نقض العراق هذه الوثيقة، حتى إذا كانت صحيحة، عندما طالب العراق بالكويت سنة 1961 واعتبر كل ما صدر بشأنها من جانب العراق ملغيا.

بل أن الحكم الملكي في العراق، الذي كان نوري السعيد رئيس وزرائه المزمن، ألغى عملياً هذه الرسالة، حتى إن كانت صحيحة، فقد طالب الملك غازي باستعادة الكويت وأسّس لذلك هيئة شعبية  تضمُّ شخصيات عراقية وكويتية وأنشأ إذاعة في قصره للتعبير عن مسعاه هذا، ويرى أكثر من مؤرخٍ أن موضوع استعادة الكويت، وليس غيره، هو ما أدى إلى اغتياله.

بل أن نوري السعيد نفسه طالب سنة 1958 بضمِّ الكويت إلى الاتحاد العربي المبرم بين العراق والأردن ليكون اتحاداً ثلاثياً (انظر التفاصيل في الفقرة ثانياً في أدناه).

ولم تُشِر أيٌّ من وثائق وزارة الخارجية العراقية طيلة العهد الملكي سواءً في مذكراتها الداخلية أو في مراسلاتها مع البريطانيين إلى هذه الرسالة المزعومة، وهذه قرينة تؤكد الطعن بها.

وحتى إذا قال قائل "إن المحضر الذي وقّعه العراق والكويت سنة 1963، وهو مدار حديثنا تفصيلاً في الفقرة ثالثاً في أدناه، أكد اعتراف العراق بهذه الوثيقة (المزعومة)" فإننا نردّ عليه بالقول إن الكويت تعدّت على منطقة الصامتة التي كانت ضمن التراب الوطني للجمهورية العراقية مستغلة عدم ترسيم الحدود فقامت باحتلال مخفر الصامتة القديم المهجور سنة 1967 ثم شرعت ببناء آخر جديد سنة 1973 وهذا ما عقّد الموقف حيث هاجمت قوات الحدود العراقية المخفر الجديد وأحالته ركاماً واشتبكت مع جنوده وقتلت عدداً منهم.

 

كما أن العراق خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عاد وتفاوض مرات عديدة مع الكويت حول الحدود، وأنه عرض على الأخيرة ترسيماً جديداً بعد توقف الحرب مع إيران بل أن الكويت نفسها طالبت بترسيم حدودٍ جديد، ولو كانت قضية الحدود محسومة فلماذا تطالب الكويت بترسيمها من جديد وقد حسمتها لها رسالة نوري السعيد المزعومة؟!

ورغبة من الرئيس صدام حسين في حسم كل الملفات العالقة مع الكويت عرض على أميرها جابر الأحمد الصباح خلال زيارته بغداد سنة 1989 توقيع اتفاقية عدم اعتداء بين البلدين، فما كان من الأمير إلا أن رفض ذلك، وهذا تصرفٌ يُخالف كل قواعد المنطق السليم، فالكويت دولة صغيرة ضعيفة والعراق دولة كبرى بقوته المعروفة ومكانته السياسية والعسكرية في الإقليم بعد انتصاره على إيران عام 1988 ومن الطبيعي أن تتولّد خشية لدى الدول الصغيرة من احتمال حدوث اعتداءٍ عليها من جيرانها الأكبر، فلماذا رفضت الكويت توقيع تلك الاتفاقية مع بغداد؟ وهل يُوحي هذا الموقف بأنها كانت تُضمِر للعراق شراً أو ضالعة في مخطّطٍ يُحاك ضده بعد أن تغيرت خطط الطوارئ الأميركية الخاصة بالحروب في أعقاب انتهاء الحرب الإيرانية العراقية عام 1988 وبات العراق هو العدو وليس الاتحاد السوفياتي؟!

هذا ما قد يجيب عليه التاريخ في المستقبل بتفصيلٍ أكبر، لأننا الآن لا نعرف سوى شيئاً بسيطاً عن أربع مناورات نظّمها الجيش الأميركي ضد العراق حينها، ومنها واحدة في صحراء الكويت نهاية سنة 1989 لـ "صدِّ عدوان عسكري قادم من الشمال" كما قيل وقتها، وحينها لم يكن العمل العسكري من جانب العراق مطروحاً ولا وارداً ولا توجد اية بوادر تلوح في الأفق بشأنه حتى!

 

ثانياً: أول توصيف للحدود في الوثائق العراقية

يؤكد المؤرخ الأدهمي  أن الوثيقة الحقيقية الوحيدة لتوصيف الحدود من قبل حكومة نوري السعيد هي تلك التي أرسلتها الدائرة العربية في وزارة خارجية حكومة الاتحاد العربي إلى الحكومة البريطانية عبر سفارة لندن في بغداد، كونها الجهة المسؤولة عن شؤون محمية الكويت لدراستها وإبلاغ حكومة الاتحاد عن رأيها بشأنها.

يروي السفير الأميركي ببغداد حينها والدمار كالمن أنه عندما أعلن عن قيام الاتحاد العربي بين العراق والاردن في 14 شباط/ فبراير 1958 أخبره نوري السعيد أنه يفكر بدعوة الكويت للانضمام الى الاتحاد.

إلا أن الخارجية البريطانية وجّهت دبلوماسييها أن يحسبوا حساب استمرار تدفق النفط من الكويت إلى بريطانيا وضرورة المحافظة على ودائع شيوخ الكويت في مصارفها إذا ما طرح العراق فكرة انضمام الكويت إلى الاتحاد العربي، كما وجّهت شيخ الكويت أن يحصر حديثه مع الأمير عبدالاله عند زيارته للكويت في تحسين علاقات الكويت مع العراق ولا يشير مطلقاً إلى مسألة انضمامها إلى الاتحاد العربي.

وعندما أصبح نوري السعيد رئيساً لوزارة الاتحاد العربي ووزيراً لخارجيته وجّهت الدائرة العربية في وزارة خارجيته مذكرة سرية للغاية تحمل الرقم 4/3023/7 ومؤرخة في الخامس من حزيران 1958 إلى السفارة البريطانية ببغداد.

وبعد عرضٍ تاريخي لطبيعة العلاقة مع الكويت منذ العهد العثماني وأهميتها للعراق، اقترحت المذكرة المكوّنة من ست صفحات أحد الحلين التاليين: الأول: ضمّ الكويت الى الاتحاد العربي. أما إذا ارتأت الحكومة البريطانية أن تحقيق أمر الانضمام غير ممكن في الوقت الحاضر فإن "حكومة الاتحاد العربي تجد نفسها مضطرة أن تعلن أن جميع الجزر الموجودة في المياه الاقليمية هي من ضمن حدود الاتحاد العربي، وأن خط الحدود يبدأ من نقطة التقاء وادي العوجة بوادي الباطن ويتجه شرقاً بخط مستقيم حتى يصل الى الجهراء على بحر خليج الكويت".

وتضيف الوثيقة "تأمل حكومة الاتحاد العربي أن تتمكن الحكومة البريطانية بعد دراستها لهذه المذكرة أن ترشد شيخ الكويت إلى اختيار ما هو أصلح له من الحلّين المذكورين أمامه وبالسرعة الممكنة. فإذا ما اختار شيخ الكويت الحل الأول، أي انضمام الكويت إلى الاتحاد العربي فلا يبقى ثمة حاجة لبحث موضوع الحدود. أما إذا اختار الحل الثاني الخاص بالحدود فإن حكومة الاتحاد العربي عندئذ على استعداد لعقد معاهدة صداقة وحسن جوار معه".



وبالطبع لم يأت في هذه المذكرة أي ذكرٍ للرسالة المنسوبة إلى نوري السعيد في تموز 1932.

أما عن موقف بريطانيا من المذكرة وتوصيف الحدود فيها فإن هوامش وشروح المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية أوصت بالطلب من العراق سحبها وفي حالة الرفض فستقدم الحكومة البريطانية احتجاجاً على ذلك.

وقد شكّلت هذه المطالبة السعيدية مصدر إزعاج لبريطانيا، حتى أن رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان ناقش موضوع المطالبة العراقية بضمّ الكويت تحديداً مع رئيس الولايات المتحدة إدوايت إيزنهاور بتاريخ 9 حزيران/ يونيو 1958، أي بعد أربعة أيام من رسالة وزارة خارجية الاتحاد العربي، قائلاً إن "نوري السعيد أصبح عبئاً"!


 

ثالثاً: محضر اجتماع 1963

في يوم 4 أكتوبر/ تشرين أول 1963 تم عقد اتفاق غير مكتمل بين الحكومتين العراقية والكويتية حول الحدود. إلا ان هذا الاتفاق لم تتم المصادقة عليه من قبل رئيس الدولة ولم تصادق عليه السلطة التشريعية ممثلة بالمجلس الوطني لقيادة الثورة أنذاك، لذلك لا يعتبر اتفاقا نافذاً. ومن جانب أخر، لا توجد أية وثيقة تاريخية معترف بها تؤكد ما أسفرت عنه زيارة الوفد الكويتي كما جاء في تلك المصادر.

 


أن هذا المحضر لا قيمة قانونية له على الإطلاق لعدة أسباب منها:

1.  إن الجهة التي أبرمته هي رئاسة الوزراء العراقية، ممثلة باللواء البكر، وهي جهة تنفيذية داخلية لا يحقّ لها إبرام اتفاقيات خارجية.

2.  إن قانون المعاهدات في العراق، وفي دول أخرى كثيرة، يفرض موافقة رئيس الدولة وهذا لم يحصل ومصادقة الجهة التشريعية في البلاد على أية اتفاقية لتكون نافذة، وحيث أن السلطة التشريعية كانت في عهدة المجلس الوطني لقيادة الثورة وقتذاك، بحسب الدستور النافذ وقتئذ، ولأن هذا الاتفاق لم يحظَ بمصادقة المجلس المذكور فهو اتفاق غير قانوني.

3.  إن رئيس الجمهورية حينها عبدالسلام محمد عارف لم يُصادق على المحضر، وحتى إن كان قد صادق عليه فلا قيمة لتصديقه من دون مصادقة المجلس الوطني لقيادة الثورة بحسب الدستور.

وهذا يعني أن هذا الاتفاق بقي حبراً على ورق ولا قيمة قانونية له حتى وإن أودعته الكويت في الأمم المتحدة من جانبها فقط، ذلك أن هناك قاعدة ضمنية في القانون الدولي العام مفادها أن من واجب كل دولة تبغي إبرام معاهدة أن تتأكد من كون مفاوض الطرف الآخر في المعاهدة يُراعي في عمله ما ينصّ عليه دستور دولته في هذا الخصوص، وهذه القاعدة تؤكد حق الدول المتفاوضة في تدقيق وثائق "التخويل بالتفاوض" عند التفاوض وتدقيق وثائق "التخويل بالتوقيع" عند التوقيع، كما أن لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة رغم إقرارها بصحة المعاهدات المصدّقة بشكل ناقص إلا أنها وضعت قيداً على هذا الإقرار مفاده إذا كان الرضا المنسوب إلى دولة ما قد وقع مخالفاً لحكم دستوري ظاهر ومعلوم في تلك الدولة فإن المعاهدة تعتبر باطلة لأن المعاهدات التي لا تتفق وأحكام الدستور باطلة.

 

رابعاً: قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 833

في أعقاب أحداث الثاني من آب 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي بضغطٍ أميركي بريطاني ورشى سعودية كويتية سلسلة طويلة من القرارات ضد العراق، بدءاً بالقرار 660، لكن أهمها وأخطرها هو القرار ذي الرقم 687 الصادر في 3 نيسان/ أبريل 1991، والذي صدر تحت الفصل السابع لتثبيت حالة وقف القتال بين العراق والتحالف.

وعندما نقول إنه أخطر القرارات فلأنه يضع العراق تحت طائلة "التهديد باستئناف القتال" إذا رفضت بغداد أي بندٍ من بنوده الكثيرة جداً، ويسمى أيضا "أم القرارات" فهو يجمع كل شيء صدر قبلاً ضد العراق ويمهّد لكل شيء صدر لاحقاً ضده.

في هذا الخصوص علينا بدءاً أن نسجل أن هذا القرار مخالف للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، حيث يحتوي على نحو 20 فقرة تخالف الميثاق.

إن الحديث عن موافقة العراق على هذا القرار الظالم دون إدراك طبيعة الظروف الذاتية والموضوعية التي أجبرت العراق على الموافقة موقف مبتسرٌ وبعيدٌ عن الموضوعية وربما متحامل أيضاً، وفي كل الأحوال لا يجوز البناء على تلك المواقف.

لقد وافق العراق على هذا القرار تحت التهديد باستئناف الحرب ضده مجدداً إذا لم يوافق وهو في وضع كارثي على جميع الصعد بعد الحرب الشاملة والمدمرة التي شنّها التحالف الثلاثيني عليه والتي دامت أكثر من 40 يوماً.

صحيح أن مجلس الأمن الدولي بموجب قراره ذي الرقم 678 المؤرخ في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 خوّل "الدول المتعاونة مع الكويت بأن تستخدم جميع الوسائل اللازمة لدعم وتنفيذ القرار 660 (1990) وجميع القرارات اللاحقة، ذات الصلة، وإعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما في المنطقة" ومع أن القرار لا يشير صراحة إلى العمل العسكري ضد العراق، إلا أنه قد يتضمن ذلك، نجد أن الولايات المتحدة وبريطانيا على نحوٍ خاص تعسّفتا في استخدام القوة العسكرية حيث أفرطتا، على نحوٍ مقصود، في استخدامها لأغراضٍ لا علاقة لها أبداً بقضية إخراج العراق من الكويت مما أدى إلى إلحاق دمارٍ شامل وتام بكل مناحي الحياة في العراق.

في هذه الظروف الخطيرة الضاغطة وافق العراق على القرار 687 لسنة 1991.

ومع أن بغداد قبلت بالقرار إلا أنها ثبّتت تحفظاتها وملاحظاتها عليه في رسالة مطوّلة وتفصيلية بعث بها وزير خارجية العراق أحمد حسين إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى رئيس مجلس الأمن بتاريخ 6 نيسان 1991 تضمّنت كل اعتراضات بغداد على القرار، واختتمت بالقول "في الوقت الذي يسجّل فيه العراق هذ الملاحظات المبدئية والقانونية والشرعية.. يجد نفسه أمام خيار واحد لا غير هو القبول بهذا القرار" لأن التهديد باستئناف القتال كان قائما.

إن تثبيت هذه الملاحظات المبدئية والقانونية والشرعية لم يكن من باب إسقاط الفرض أو من قبيل الدعاية الإعلامية، بل من باب تثبيت حقوق العراق غير القابلة للنقض كدولة ذات سيادة أولاً، وثانياً لتذكير المعنيين في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن بحقيقة أنه إذا كانت ظروف العراق الكارثية وقتذاك قد أجبرته على القبول بالقرار فإن تحسّن أوضاع العراق في المستقبل يعني بالتأكيد التفاوض عليها مجدداً وربما رفضها كلياً.

وفي هذا السياق الموضوعي ذاته ينبغي التعامل مع قرار مجلس الأمن ذي الرقم 833 الذي اعتمد بالإجماع في 27 أيار/ مايو 1993.

فقد صدر هذا القرار استناداً إلى ما كان مجلس الأمن قد أصدره من قرارات ضد العراق وأولها القرار 687 الذي قلنا إنه أخطر القرارات وإنه مخالف للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، وصدور القرار 833 على هذا النحو يعني أنه يهدّد العراق بعودة القتال مجدداً.

ليس هذا فحسب، بل أن العراق لم يقبل بالقرار فور صدوره، وبقي متمسّكاً بموقفه الثابت في رفضه طيلة 17 شهراً، كما أنه حرّك قواته نحو الجنوب مرة أخرى في سنة 1994 مما دفع الرئيس الروسي بوريس يلتسين إلى إرسال مبعوثه الشخصي وزير الخارجية أندريه كوزريف إلى بغداد حيث التقى الرئيس صدام حسين في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1994، وصدر عن اللقاء بيان مشترك تضمّن من بين فقرات عدة:

1.  الإعلان عن إتمام العراق نقل قواته إلى مواقع في الخلف بعيدة عن الكويت.

2.  استعداد العراق لأن يحلّ بشكل إيجابي مسألة الاعتراف بسيادة الكويت وحدودها التي تقرّرت بموجب القرار 833 لسنة 1993.

3.  تتعهد روسيا بتأييد البدء بتشغيل نظام الرصد طويل الأجل طبقاً للقرار 715 لسنة 1991، على أن تُرفع كل قيود الحصار المفروض على العراق بصورة كاملة وبدون شروط إضافية خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر، فضلاً عن تعهد روسي برفع الجزاءات الأخرى المفروضة على العراق تباعا.

وفي خطوة تالية لهذا البيان العراقي الروسي المشترك صدر قرار عن مجلس قيادة الثورة وآخر عن المجلس الوطني يؤكدان قبول العراق بالقرار 833.

بعبارة أخرى كانت موافقة بغداد على القرار 833 في إطار صفقة تعهّدت بها موسكو لرفع الحصار عن العراق لكنها لم تلتزم بتنفيذها.

ويقيناً فإن ما فرضه مجلس الأمن من ترسيم حدودٍ على العراق، وهو مشروع تقدمت به بريطانيا لمجلس الأمن لتثبيت وضع الكويت كدولة بحدود معينة بعد أن كانت صنعت منها دولة دون تحديد حدودها، باعتراف رئيس الوزراء البريطاني أدوارد هيث، إن ما فرضه مجلس الأمن فرضٌ باطلٌ لأنه بالأصل ضد القانون الدولي الذي لا يسمح للمجلس بفرض حدود على دولتين، حيث أن ترسيم الحدود يكون بالتفاوض المباشر بين الدول كما جرت العادة أو باللجوء إلى التحكيم الدولي، كما حدث في حالات نزاعٍ مماثلة، لأن فرض الحدود على دولة تمرّ في حالة ضعف يعني ضمنياً أن الدولة المعنية سترفض ما أٌجبرت عليه بالقوة وتحت التهديد عند استردادها عافيتها مما يؤدي إلى حدوث نزاعات جديدة.

هذه هي قصة القرارات الدولية بشأن حدود العراق مع الكويت وملابساتها، وكيف صدرت؟ ولماذا قبل بها العراق؟ وكيف؟ ومتى؟ وعلى شعب العراق والمنصفين في كل مكان أن يفهموا كل ذلك ويضعوه في حسبانهم وهم يتعاملون مع هذه القضية الشائكة.

 

لشعب العراق أقول:

لأنه لا يجوز قراءة أحداث التاريخ بطريقة انتقائية تعزل الأحداث عن سياقها وتضعها تحت المجهر دون إدراك طبيعة الظروف الموضوعية المحيطة بها فقد عرضنا في أعلاه الظروف الذاتية والموضوعية المتعلقة بأهم ثلاث محطات يتعكّز عليها الحاكمون في الكويت لترسيم حدودٍ لهم مبالغٍ فيها مع العراق في خطوة تعيد إلى الأذهان ما قام به المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي بيرسي كوكس مطلع القرن المنصرم حينما رسم بعصاه على رمال الجزيرة العربية وحدات سياسية ذات حدود غير موجودة بالأساس .

كما عرضنا ما يحيط بالوثيقة الأم من شكوك وملابسات، وأعني بذلك رسالة نوري السعيد في تموز 1932، التي تستند إليها كل المحطات اللاحقة، ونعتقد أن من الضروري جداً دراستها دراسة قانونية وسياسية وربما جنائية أيضاً للنظر في صحّتها من عدمها.

هذه القراءة الموضوعية تكشف لنا حقيقة أن ما وافق عليه العراق سنة 1932 مدفوعاً بالرغبة في الاستقلال، إذا كانت رسالة نوري السعيد صحيحة، وما أُعرب عنه من مشاعر قومية وحدوية في أوضاعٍ مرتبكة وغير مستقرة سنة 1963، وما قبل به في سنة 1991 ثم في سنة 1994 وهو تحت التهديد بعودة القتال كل ذلك يشبه انتزاع الاعترافات من معتقلٍ تحت التعذيب، وكما أن القضاء لا يعترف بالاعترافات المنتزعة تحت التعذيب فإن القانون الدولي لا يقبل بالاتفاقات المنتزعة تحت ظروف إغراءٍ أو وطأة تهديد، فالنتيجة باطلة في كلتا الحالتين.

ولو كان لدى المتحكمين بشؤون العراق حالياً ذرة من الوطنية والغيرة لتفاوضوا مع الكويت على اكتساب مصالح للعراق وليس القبول بما أرغمنا مجلس الأمن الدولي على القبول به ونحن في حالة ضعف سنة 1991، لأن بقاء الحال الآن كما هو عليه في التسعينات يعني استسلاماً للكويت، وحال العراق اليوم بالتأكيد ليس مثل حاله في التسعينات، فلا حصار على العراق والعالم كله صديق للسلطة الحالية وداعم لها بالضد من إرادة الشعب الذي تتسلّط عليه.

وأخاطب عقلاء الكويت

لعل المواقف التي عبّر عنها شعب العراق تجاه الكويت خلال السنوات الأخيرة تعكس- ربما لأول مرة في ‏تاريخ العلاقات العراقية الكويتية- حقيقة أن الكويت الآن تتعامل مع شعب العراق بشكل مباشر وليس مع ‏حكومة يمكن الضغط عليها أو سياسيين تستطيع شراءهم، ومن هنا يتوجّب على الكويت وعقلائها تحديداً التفكير جيداً في ‏هذا الحقيقة الجديدة واستيعابها والتعامل معها بالفهم الصحيح وبالقدر الذي تستحقه من الجدية ‏والأهمية.‏

وعلى العقلاء في الكويت أن يفهموا حقيقة أن مجلس الامن غير مخوّل باستقطاع أراضي دولة ما ‏وإعطائها لدولة أخرى، فهذه قضايا تناقش ثنائياً ويتفق عليها بشكل مشترك بين البلدين المعنيين، ‏وموضوع ترسيم الحدود بين العراق والكويت الذي حدث عامي 1993 و 1994 كان أول موضوع يناقشه مجلس الأمن، وهو الأخير، و‏لن يدوم ما تقرّر فيه إلى الأبد.‏

كما أن مشكلة خور عبدالله وخور الزبير وقضايا الربط السككي والأراضي التي أعطاها مجلس الأمن ‏للكويت ومنها الجزء الجنوبي من حقل الرميلة ومن حقل الزبير والجزء الجنوبي من ميناء أم قصر والحدود البحرية وقاعدة أم قصر البحرية وغير ‏ذلك كلها ألغام في العلاقات بين البلدين، وإذا كان حصل ما حصل بين العراق والكويت عام 1990 ‏ولم تكن هذه المشاكل موجودة، فكيف سيكون الحال في المستقبل بوجود هذه المشاكل المستحدثة وما نجم عن غزو العراق وغير ذلك؟

وللأمانة نقول إن إصرار بعض مسؤولي الكويت على ربط رفع الحصار عن العراق ‏خلال عقد التسعينات من القرن الماضي بشرط تعجيزي يتعلق بحل مشكلتي المفقودين، مفقودين وليسوا أسرى، ستشكل عبئاً ثقيلاً في المستقبل على أبناء الكويت الذين سيجاورون ابناء العراق ‏الذين عانى آباؤهم في السابق، بحصارٍ ظالمٍ كانت حكومتكم تعمل على تشديده، ويعانون الآن بتصرفات حكومتكم في اقتطاع أراضيهم وخنق مياههم وغير ذلك كثير.

لقد تسلّمت الكويت تعويضات خيالية اقتطعتها من لحم العراقيين ودمائهم، ‏ومنحت مبالغ خيالية لأفرادٍ وجهاتٍ دون استحقاق.‏

وعلى عقلاء الكويت أن لا ينسوا أن مساهمة حكومتهم في غزو العراق سنة 2003 ستصيب الكويتيين بمقتل، نعم كان غزو العراق للكويت سنة 1990 عملاً غير مشروعٍ بموجب القانون الدولي، أياً كانت أسبابه، وقد دفع العراق ثمناً باهظاً ومبالغاً فيه كما قلنا في أعلاه، ولكن العقوبات الظالمة التي فرضت على العراق خلقت سابقة في العلاقات الدولية، أو على الأقل في العلاقات العراقية- الكويتية، فعندما تجعل الكويت سنة 2003 أراضيها ومياهها منطلقاً لغزوٍ غير شرعي للعراق وتفتح أجواءها لصواريخه وطائراته وتقدم مواردها لتمويله خلافاً القانون الدولي، فالمفروض أن تدفع نفس الثمن الذي دفعه العراق من قبل، بل أكبر بكثير مقارنة بطول فترة الاحتلال وحجم التدمير المصاحب له وانتشاره أفقياً وعمودياً، ومن ذلك أن تدفع التعويضات للعراقيين وأن يُعاد تخطيط الحدود وأن تحظر عليها فئات محددة من الأسلحة وأن تسمح للأمم المتحدة بالبحث عن المفقودين العراقيين على أراضيها وأن تًعيد الأرشيف العراقي والآثار العراقية التي سرقتها وأن تعوّض ما أحرقته عصاباتها عن عمدٍ وبسابق تخطيط، وهذه الطلبات هي أقل مما فُرض على العراق في سنة 1990 وما تلاها، ولأن العراق يسعى لاسترداد الحقوق لا الانتقام فإنه لن يُطالب، بعد تحريره، بفرض حصارٍ شاملٍ على الكويت، ولن يقوم هو بهذا الحصار ولن يستخدم قواته لتنفيذه كما فعلت الكويت عندما كانت تصادر شحنات القمح المرسلة إلى العراق عبر الخليج العربي في عقد التسعينات.

وعلى الكويتيين، وجميع جيران العراق، أن يتيقنوا أن الساسة المتحكّمين بالعراق في هذه المرحلة، ‏وتحديداً الذين اشترتهم الكويت أو استخدمتهم إيران أو أميركا، زائلون، فالمستقبل بيد العراقيين وليس ‏بيد أنفارٍ باعوا ذممهم لمن يدفع وسيبصمون على بيع أراضي العراق، ولن يكون بيد ميليشيات إرهابية ما تزال الكويت ‏تمنحها أسباب الحياة والدعم.

إنني أقدم لعقلاء الكويت نصيحة صادقة من قلب العراق، نصيحة تقول: إن العراق والكويت، أرضاً وشعباً، جاران منذ الأزل وإلى الأبد، لن يزول أحدهما مهما ‏حدث، فلا العراق سيحزم حقائبه يوماً ما ويرحل ولا الكويت ستفعل، وشعب العراق لن يتنازل عن ‏حقوقه وسيادته ومصالحه مهما كانت الظروف والعوامل وديونه مستحقة الدفع، ولن يستطيع مرتزقٌ أو متاجرٌ أو عميلٌ تجاوز ‏هذه الحقيقة.

وعلى العقلاء في الكويت، وأعتقد أنهم كُثُر، أن يفهموا أن استمرار خنق العراق لن ‏يوفّر لهم أمناً ولن يحقق لهم استقراراً ولا تقدماً، فشعب العراق لن يقبل باستمرار خنقه.

وعليهم أن يضعوا في الحسبان أن العلاقات الدولية ‏متغيرة وليست حقائق ثابتة، وأن أطفال العراق الذين يعانون الآن سيتعاملون معهم كرجالٍ في ‏المستقبل، وأن التعويل على ضعف العراق وخيانة المسؤولين فيه الآن لن يجديهم نفعا، وأن الاستثمار في ضعف العراق، أو إضعافه بالأحرى، ليس في مصلحة الجميع، ولن يحقق أهداف الكويت في الأمن والاستقرار، فكم مرة احتلت ‏هذه البلاد وخرجت أقوى من ذي قبل، وأن أولئك الذين ارتضوا بيع أجزاءٍ من أرض العراق لا يمثلون شعب العراق، ولن يحققوا لكم أمناً ولن يقدّموا مستقبلاً مستقراً، فهم لم يوفروا ‏لأنفسهم ذلك، وهم يقيناً إلى زوال، قريباً بحول الله.‏

وعلى الجميع، عراقيين وكويتيين وغيرهم، إدراك حقيقة أن كل حكومات ما بعد الاحتلال غير شرعية وأنها لا يحقّ لها توقيع اتفاقات جديدة ولا تغيير قوانين البلاد وأن ما فرضته أميركا في العراق لن يدوم إلى الأبد.

املنا بالحكماء الذين نعرفهم ، أو الذين نثق بوجودهم في الكويت، أن يتأملوا ‏في مجريات الأحداث التي قام بها محسوبون على الكويت بعد غزو العراق، وكيف دعموا عصابات ‏السرقات والحرائق والفجور والإرهاب في كل العراق وفي جنوبه خاصة، وأن يستخلصوا من أحداث الماضي الدروس التي تنفعنا جميعاً بعيداً عن الثارات والأحقاد، فهذه نيران لو استمر ‏إشعالها ستحرق منا الأخضر بعد أن أحرقت اليابس.‏

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم }وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{.‏ صدق الله العظيم







الاحد ٢٦ محرم ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / أب / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مصطفى كامل نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة