شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

 

الشرق الأوسط ... إلى أين؟

الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي

 

 يشير مفهوم الشرق الأوسط إلى منطقة جغرافية معينة ودول وشعوب ترتبط  بمصالح حيوية وواقع ثقافي وديني مشترك هو واحد وتمتد  هذه المنطقة من الخليج العربي إلى ليبيا ويضم  هذا الموقع كل من العراق ومصر وسوريا وفلسطين والأردن ولبنان وليبيا إضافة إلى دول شبه الجزيرة العربية (السعودية والأمارات والبحرين وقطر وعُمان والكويت واليمن ) وكثيراً ما ينطوي تحت هذا العنوان أيضاً الدول العربية في  شمال أفريقيا مثل الجزائر والمغرب وتونس إضافة إلى تركيا وإيران وقبرص في أحيان أخرى لأنها ترتبط استراتيجيا ودينياً وثقافياً مع دول الشرق الأوسط .

لقد ظهر مفهوم الشرق الأوسط واتضح بشكل جلي بعد الحرب العالمية الثانية بالرغم من أن البعض يعتقد  أنه ظهر في بداية القرن العشرين وبالتحديد عام 1902م في مقال للضابط الجيواستراتيجي الأمريكي الأدميرال الأمريكي الفريد ثاير ماهان الّذي أكد فيه على أنّ ( الدولة صاحبة القوة البحرية الأعظم سيكون لها التأثير الأكبر في جميع أنحاء العالم) وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تمت الإشارة وبوضوح  أن منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة اللوجستية للقيادة العسكرية البريطانية في مصر ثم امتد المصطلح ليشمل دول الشرق الأوسط بما فيها تركيا وقبرص والسودان ولكن استثنى من ذلك دول المغرب العربي  ثم ارتبط المفهوم بالصراع العربي الصهيوني وأهمية المنطقة الاقتصادية والاستراتيجية والسعي الغربي للسيطرة عليها.

لا شك أنّ الاهتمام الدولي بجغرافية الشرق الأوسط لم يكن وليد اليوم بل يمتد إلى  عهود ما قبل التأريخ ومع الأيام والأحداث زادت هذه الأهمية بشكل مطرد حيث بدأت الإمبراطوريات العالمية تتوجه بإمكانياتها وقواتها وتضع في برامجها فكرة السيطرة على الشرق الأوسط بكل ما أوتيت من قوة ودهاء وإعلام وتآمر وتحدّي وسَعَت لتوحيد الجهود من أجل تحقيق أحلامها دون النظر إلى أهمية المصالح الوطنية لبلدان الشرق الأوسط فكان الظلم والقهر والسيطرة والغزوات تتوالى للسيطرة بالقوة على الشرق الأوسط لاستغلال ما فيه من خيرات وإمكانيات وموارد دون أن تستثمر منها شيء لصالح أهل الأرض ومن أهم الأسباب التي دفعت القوى العظمى للتدخل في قضايا الشرق الأوسط ما يأتي:

1. كانت دول الشرق الأوسط منذ الخليقة فعالة في نشر الأفكار والخبرات والعلوم والقوانين والتكنولوجيا والأديان في كل بقاع العالم وعلى أرضها نشأت الحضارات الأولى منذ العصر الحجري (حوالي 9000 عام قبل الميلاد) وامتدت لتكون أساساً لحضارات العالم المتمدن والسيطرة عليها غنيمة كبرى للطامعين.

2. الموقع الاستراتيجي لدول الشرق الأوسط وأهميته في العلاقات الدولية والتعاون الأمني والاقتصادي والتنمية الدولية وما تحتويه من ثروات طبيعية وعقول بشرية وموارد مالية ومصادر حيوية للطاقة وفي مقدمتها النفط والغاز الطبيعي والمعادن الأولية المتعددة والتي بدونها لا يمكن أن تستقيم الحياة وتتطور فصولها.

3. وجود الممرات المائية المتحكمة بالعالم وكما تتحكم الشرايين في قلب الإنسان فإن هذه الممرات تعد شرايين تتحكم بحركة التجارة العالمية  كقناة السويس ومضيق هرمز والبسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق جبل طارق والتي تصل بين الشرق والغرب  وان حاجة العالم لانسيابية الإبحار والملاحة فيها  بأمان وأريحيّة يدفع قوى العالم للتفكير في هذه الحاجة دون التفكير بمصالح الدول التي تتواجد فيها هذه الممرات التي تربط  بلدان العالم كله في أوربا وآسيا وأفريقيا ودول أخرى وتتحكم بشكل كبير في تجارة العالم وحركة النقل بين موانئه المُعتمدة للتصدير والاستيراد. 

4.  التدخل في الشؤون الداخلية  لبلدان الشرق الأوسط بذرائع  لم تثبت صحتها فأحياناً من أجل الديمقراطية وأحيانا مكافحة الإرهاب وإلصاقه بالإسلام والمسلمين ظلماً وكدراً وعلوّاً وغلاًّ وكراهية  من خلال أجندات وبرامج وعمليات يتم  إنتاجها في  دهاليز مظلمة ويُرتكب في تنفيذها أبشع صور القتل والتدمير والسلوكيات المنحرفة والانحطاط الخلقي والإنساني وتشوبها عمليات واسعة من الجرائم الإنسانية والحربية الّذي يندى لها جبين الإنسانية  أو الادعاء بأن التدخل يأتي للحد من الأسلحة النووية والكيمائية والذرية في موقف مشين وواضح للعيان حيث تمنح الحق لدولة ما  وتحجبه عن غيرها  وحسب ضوابط العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وبين دول العالم الثالث حتى بدأت الأمم المتحدة جهاز يضفي الشرعية على الأعمال العدوانية التي تمارسها الدول ذات العضوية في مجلس الأمن الدولي .

5. أهداف القوى العظمى الطامعة بالسيطرة والنفوذ والغَلَبة والتي تحمل على الدوام أجندات وخطط جاهزة لتنفيذ خططها وتدمير أي عوائق تواجهها حتى لو كانت إرادات الشعوب التي يتبجحون باحترامها وهم أبعد ما يكون عنها وهكذا منذ عقود عديدة ولا تزال هذه القوى في أميركا وفرنسا وإنجلترا وعموم أوربا تتصارع وتتسابق للوصول إلى أهدافها فتضع أنظمة وقيادات هزيلة لا تتفوه بكلمة استنكار لما يجري لبلدانها وشعوبها فتسرق وتقتل وتُهمّش وتشيع في الأرض الفساد لكنه تؤمن مصالح هذه القوى دون أن تضع في الحسبان مصلحة شعوب المنطقة وتنميتها ورفاهيتها واستقرارها فهكذا أمور لا تدخل في مخيلة الخائبين .

6. التركيز على كسب المعركة ضد الإرهاب فهم أولاً يخلقون الإرهاب ويرصدون له الأموال والدعاية ويسندونه بالتدريب والأسلحة ويُعَظِّمون من شأنه إعلامياً لكي يكون رد فعلهم تحشيد الأساطيل بما تحمله من قوات برية وبحرية وجوية للدخول لبلدان الشرق الأوسط وإحكام السيطرة عليها بحجة محاربة الإرهاب وهم الّذين أوجدوه أصلاً وما يجري الآن حولنا لا يخرج من هذه الدائرة.

 

لقد بدأنا نشاهد بأعيننا القوات الأمريكية اليوم بدأت تتحرك وتتنقل وتتحشد من حولنا وهي تحمل كل ما أوتيت من قوة ومال وإعلام ودبلوماسية وأسلحة لتحقيق واحد من الخيارات الآتية:

 

أ. فرض إرادتها على شعوب المنطقة فهي تتحرك وتتنقل بحرية تامة في المياه والأجواء والأرض دون أي نازع قانوني أو أخلاقي لتتحكم بالأحداث كما يروق لها دون أن تسمع صيحات المحتجين وتظاهرات الغاضبين على أنظمة هزيلة وضعتها لقيادة شعوب المنطقة.

ب. قطع الطريق أمام منافسيها في روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيقاف أي تعاون ثنائي أو جماعي مع دول المنطقة قد يعرّض مصالحها للخطر ولتخفيف الضغط على العمليات العسكرية التي تجري في أوكرانيا بعد إن طال أمدها وأصبحت تشكل ثقلاً كبيراً على اقتصاديات الدول الغربية بالإضافة إلى إيقاف طموحات الصين من الوصول الى مصادر الطاقة وسعيها للتعاون مع بعض دول المنطقة لتطوير طريق الحرير.

ت. إضعاف الوجود الإيراني والتركي والعربي في العراق الّا وفق ما يراه الأمريكان مناسباً لهم ليس حباً بالعراق وشعبه بل في توزيع المغانم وقطع أوصال المتعاونين مع إيران أو تركيا في حالة وقوفهم ضد التوجهات الأمريكية في المنطقة أو التنافس مع الأمريكان على النفوذ فيها  حتى لو تم  استخدام القوة العسكرية في صراع محتمل مع دول المنطقة وخاصة إيران التي تتنافس مع أميركا على خيرات العراق بالرغم من أنَّ هذا الصراع يشعل أسعار النفط والغاز بسبب العمليات العسكرية مما يحتّم السيطرة على العراق والدول العربية المنتجة للنفط للتعويض البديل .

ث. تقوية الوجود الإسرائيلي في المنطقة وتعبيد الطرق أمام التوغل الصهيوني وتمدده وفرض إرادته على جميع دول منطقة الشرق الأوسط ومنع التواصل بين إيران وسوريا ولبنان وحزب الله لكيلا يُشكِّل هذا الخندق خطراً على إسرائيل كما يدّعون ونحن نؤمن أن هذا لا يشكل الا الأمان للكيان الصهيوني.

ج. تضم منطقة الشرق الأوسط شعوب تنتمي الى حضارة واحدة ودين إسلامي واحد فيه من القيم لو التزمنا بها لاستطعنا النصر على من عادانا وتمكنا من بناء أوطاننا حتى نضاهي كل شعوب العالم ونكون بديننا وإيماننا وشريعتنا أقوى شعوب الأرض وأحلاها وأكثرها زهواً وشموخاً لما للدين الإسلامي من تأثير على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

ح. قد يكون تواجدهم في منطقتنا لفرض حلول للقضية لقضية الأقليات في المنطقة والتي غالباً ما يستخدمها الغرب كورقة ضغط على أنظمة الشرق الأوسط.

خ.  أهمية الموقع الجغرافي لكل من تركيا وهي عضو في حلف الناتو وتشكل موقع جيواستراتيجي عازل بين دول الشرق الأوسط وأوروبا ودول القوقاز إضافة إلى العراق وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر وهذه الدول تشكل موقع جيواستراتيجي مهم ومتحكِّم لو تعاونت لشكلت قوة دولية وإقليمية مهمة في منطقة الشرق الأوسط وعازلة بين أوربا الشرق الأوسط.

 

لقد كانت الفترة التي أعقبت غزو العراق قد زادت من اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أعمق في الشرق الأوسط فالحكم الوطني يقف حائلاً أمام تحقيق أهم أجنداتها في فرض إرادة الكيان الصهيوني على العرب والمسلمين والتشجيع لأقامه علاقات دبلوماسية وتجارية واقتصادية معهم بُغية فتح الآفاق للصهاينة ومريديهم للوصول الى الأرض العربية والإسلامية وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى في السيطرة على الأرض العربية من الفرات إلى النيل كل هذا يجري والعرب نيام ولا يدرون ماذا يخبئ لهم الأعداء فلم نشاهد على الأرض العربية أي ردّة فعل لما يجري حتى يقع المحذور والله الحافظ .

إن الوجود الأمريكي في المنطقة لن يتوقف يوماً ما وهو يجمع ما بين أهدافها القديمة وأجنداتها الحالية فتزداد الأمور تعقيداً وقلقاً وتتصاعد التجاذبات الدولية في بلداننا كلما أُطفئت نيرانها، فشعوب المنطقة لا تثق بالولايات المتحدة الأمريكية ولا بمساعيها لكن تبقى إرادة الشعوب وجماهيريتها وثورتها الشعبية الأداة القادرة على حسم المعركة واكتساح خنادق الأعداء وتبديد مخططاتهم وإرساء أسس المدنية والحضارة والعيش الإنساني الرغيد.

 






الاثنين ١١ صفر ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / أب / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب شاكر عبد القهار الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة