شبكة ذي قار
عـاجـل










الكهرباء أيضاً وأيضاً، تتكرر "التباشير" بالعتمة، والشعب وحده يدفع الثمن

نبيل الزعبي

 

 سأل مغترب لبناني زار لبنان مؤخراً، ابنه ذو العشر سنوات المولود في اميركا والذي رافقه في زيارته الى لبنان: هل اعجبك لبنان وهل ستعود معي اليه في العام القادم؟ اجابه: نعم، شرط وجود الكهرباء. وقبل ايام، قام مواطن لبناني "صالح " متأثرا بدعاية وزارة الطاقة بإبلاغ زوجته انه سيلغي الاشتراك في المولد الكهربائي ليكتفي بساعات الانارة الزائدة التي وعدت بها الوزارة مع مطلع هذا الصيف رغم فداحة وضخامة التسعيرة الجديدة المفروضة عليه، على ان يستعين ببطارية تخزّن الكهرباء لاستعمالها لدى الحاجة. غير ان اجابة الزوجة كانت صادمةً عندما ردّت عليه بالسؤال التالي: هل تثق الى هذا الحد بهذه الدولة ووزارة الطاقة كي تتخذ هذا القرار! لتعود مؤسسة كهرباء لبنان لتؤكد صحة حدس الزوجة في اليوم التالي وهي تخاطب اللبنانيين في بيانٍ مُسهَب على طريقة من يفرك يديه متنصلاً من كل مسؤولية ووعود، تعلن فيه انها "تبلغت صباح هذا اليوم الواقع فيه 16/8/2023 من المشغل المذكور شركة PRIMESOUTH بأنه، نتيجة عدم تسديد مستحقاتها المترتبة بالعملة الأجنبية، ستقوم بتوقيف مجموعات معملي الزهراني ودير عمار عن العمل اعتبارا من الساعة الخامسة من عصر هذا اليوم ". وقبل ان تهدأ عاصفة التوقيف ، تحرُك رئيس حكومة تصريف الاعمال نحو معالجة الامر مع الشركة المشغّلة ، على الطريقة اللبنانية ، ليطلع علينا وزير الطاقة بعد ايام " يشتكي " من وجود باخرة غاز في البحر اللبناني تنتظر تفريغها ، فيما اللجنة الوزارية المعنية بشؤون الكهرباء ترفض وتتهم الوزير بالتصرُف دون علمها وموافقتها بينما "الخزانات ملآنة" ، لتبدأ من جديد مهزلة دورة الاتهام وانعدام الثقة والتشكيك المتبادل بفضل " الكيمياء " الشخصية غير المؤاتية بين مرجعيتي النفط والمال ، كل ذلك تحت طائلة الغرامات المالية عن كل يوم تأخير لتسديد مستحقات الباخرة وقدرها ثمانية عشر الف دولار يومياً ، في الوقت الذي يئن الجيش اللبناني وقائده يدق ناقوس الخطر ان ما لديه من مؤونة عامة لن تكفيه سوى لشهرٍ واحد . غير ان الاسوأ من هذا وذاك ، هو التصاريح المتناقضة بين اللجنة الوزارية التي تؤكد وجود مادتي المازوت والغاز في المعامل آلتي تكفي حتى مطلع تشرين اول المقبل مع وصول شحنات النفط العراقي، وتبشير" مؤسسة كهرباء لبنان ان البلد قادم على عتمة جديدة ما لم يُقَر اعتماد شراء الغاز في اسرع وقت ، ولتعلن فجأةً مؤسسات المياه العجز عن الضخ للمشتركين لافتقاد مادة المازوت ولينتقل الجدال القائم بين وزارة الطاقة واللجنة الوزارية الى الشارع ، ولينتهي الامر باعلان وزير الطاقة الغاء صفقة الباخرة محملاً رئيس حكومته عواقب "انتكاسة جديدة في تحقيق خطة الكهرباء الموعودة ، وان وضعية المخزون قد تصل الى مستوى حرج مع شهر تشرين الاول، ما يؤدي الى احتمال انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير وشامل ". في ظل ذلك ، يقف الشارع محتاراً : من يصدق وقد فقد ثقته بالجهتين اللتين ترميان الواحدة منهما المسؤولية على الاخرى ، في تواطؤٍ مدبّر ، كي تضيع الحقيقة العارية ، ربما ، بعدما تراكمت مهازل الكهرباء طوال السنين الماضية وتراكمت معها الاموال الطائلة التي صُرِفَت على هذا القطاع وشكلت احدى اكبر اسباب افلاس الخزينة اللبنانية والتي لم يعد من مجال لانكارها او تبريرها بعد التقرير الذي اصدرته شركة الفاريز &مارسال الذي فنَد وبالارقام ، المليارات من الدولارات المدفوعة لمؤسسة كهرباء لبنان بدل شراء الفيول اويل والتي قاربت التسعة عشر ملياراً ، اُضيف اليها ما يزيد عن الخمسة مليار صرفت بمعرفة وزارة الطاقة ولم يحدد التقرير الوجهة التي اعتمدتها هذه الوزارة لصرف هذه المبالغ الهائلة ليتحول ما يحصل الى ما يشبه الفضيحة الجديدة حين تجد الوزارة والمؤسسة انهما عاجزتين عن ١) توفير البديل الفني والبشري المطلوب لتشغيل معملي البداوي والزهراني ، في الوقت الذي ٢) تغش فيه اللبنانيين حول وجود المادة في المعامل ، ثم التهويل بعدم وجودها . ما بين اماني المواطن الصالح الذي ما زال الى يومنا هذا يدفع ثمن صدق نواياه من ماله واعصابه وراحته ، ولجوء المغتربين اللبنانيين الى التفكير اكثر من مرة في حال قرروا زيارة بلدهم مع عيالهم الصيف القادم في ظل استمرار معضلة كالكهرباء ، تحولت الى مهزلة المهازل بنظر الداخل والخارج ، وامام ما تسرّبه الاخبار " الطازجة" مؤخراً ، حول اعادة احياء التفاهم السياسي المعروف بين جهتين حزبيتين فاعلتين في البلد بعد تضعضع الثقة بينهما والناجمة عن موقفين متباينين من انتخابات الرئاسة الاولى ، حيث يأتيك العجب العجاب عندما تقرأ وتسمع ان من شروط احدى هذه الجهات هو استمرارها في التمسُك بوزارة الطاقة التي تديرها لمًا فوق العشر سنوات ويشكل الاهدار المالي فيها النصيب الاكبر من الاهدار الوارد في تقرير شركة الفاريز &مارسال ، لتسأل في قرارة نفسك وتُعيد المرة تلو الاخرى : الى اين يريد هؤلاء ان يأخذوا البلد ، وقد كفاه ما هو عليه من انهيارات ، وتزيد من تساؤلك لتقول : هل اصبح من الحرام على المواطن اللبناني ان يكون صالحاً بعد اليوم ، في ظل كل هذا الفجور السياسي والاعلامي يا تُرى ! ام ان عليه ان يكون مواطناً بدرجة " عبيط " !






الاربعاء ٢٠ صفر ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / أيلول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة